الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

في البحث عن السبيل

نشر بتاريخ: 22/10/2018 ( آخر تحديث: 22/10/2018 الساعة: 13:27 )

الكاتب: د.غسان عبدالله

ننطلق هنا من قناعتين راسختين لدينا، أولهما ليس هناك شيء اسمه مستحيل وثانيهما حين يكون الوطن هو المستهدف لا يجوز أن يكون هناك مجالا للحياد والصمت. 
في ظل تزايد إلتهام ما تبقى من الارض الفلسطينية لصالح بناء أو تسمين المستوطنات، وتسريع العمل في تهويد القدس المحتلة وبدء تطبيق سيناريو جديد في آليات شراء العقارات الفلسطينية في البلدة القديمة والكشف عن ذلك في غضون أشهر معدودة لاهداف سياسية (ان القدس هي فعلا عاصمة اسرائيل واحراج السلطة الفلسطينية) وسيكولوجية (بث الوهن في نفوس الشعب، لا سيما سكان القدس). ونحن نتجول بين المدن الفلسطينية، نرى بأم أعيننا المستوطنات الجاثمة على الارض الفسطينية المحتلة ونتساءل ماذا فعلنا لمقاومتها ومنع بنائها !!
لنعترف وبجرأة اننا نحن اليوم امام فقاعة تاريخية لم توجد من قبل، دولة على ورق، يتم اجتياح أراضيها متى شاء وكيفما شاء الاحتلال، رغم الاتفاقيات الموقعة في أوسلو.
ما هو قائم الان هو مجرد سلام مع الاحتلال وبالتالي بات احتلال اسرائيل لما تبقى من فلسطين احتلالا غير مكلف بل وبالعكس احتلال مربح لاسرائيل ولشريحة الكومبرودور الفلسطيني. وما الوعود التي وردت في مبادرات عديدة واتفاقات اوسلو، باقامة الدولة العتيدة الا مجرد خدعة قديمة للحفاظ على استمرار نهج ادارة الصراع ولكسب الوقت من أجل تأجيل الانفجار الاتي لا محالة، بدليل ان أحد الاهداف الخفية للمساعدات المالية للشعب الفلسطيني تكمن في خانة تمكين الشعب الرازح تحت الاحتلال للتعايش مع الواقع السياسي القائم، وتحويل ثلة من المناضلين الى مجرد مقالين لتنفيذ برامج التمكين هذه وهم ليسوا اكثر من مجرد ادوات تنفيذ وان منحوا ذواتهم القاب وفرص لاقتناص العقل والعاطفة، وهكذا تحولت أدوارهم من نضال لدحر الاحتلال الى تنفيذ البرامج التي تضعها تلك المؤسسات المانحة.
لا أستثني هنا دور بعض المثقفين والمفكرين الذين قبلوا ببيع أنفسهم تحت مسميات "مستشارين" لهذه المؤسسة الدولية أو تلك. كيف يقبل هؤلاء تنصيب انفسهم للاسداء بالنصائح والتعليمات للشعب كي يتحرر من نير الاحتلال وهم انفسهم لا يمكلكون الاستقلالية في صنع القرارات مهما صغرت او كبرت !!
تكون نقطة البداية في صون وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، اذ انه في ظل عدم انخراط جميع القوى الوطنية والاسلامية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية وكذلك تمثيل فعلي لشعبنا المرابط في المناطق المحتلة عام 1948 وكذلك في الشتات الفلسطيني وايضا المؤسسات الشعبية، لا يمكننا الادعاء بأن م.ت.ف هي بحالة فاعلة وكل من يدعي عكس ذلك فهو واهم. نرى أن لا اختلاف بين من يدعوا للحفاظ على م ت ف بوضعها الحالي وبين من بات يعمل جاهدا وعلنا لتجاوز م ت ف.
وعليه تكمن نقطة البداية هذه في ضرورة اصلاح وتفعيل م ت ف التي استطاعت ان تتحدث دوليا باسم شعبنا في كافة اماكن تواجده وتقوم بتمثيل النضال الوطني الفلسطيني على مدار عقود متعاقبة دون ان ينجح أي من كان في ابطال هذا الدور الهام رغم محاولات التشويه المتنوعة والمتلاحقة لدور م ت ف.
عند الحديث عن ضرورة اصلاح وتفعيل المنظمة لا نقصد هنا أعمالا تجميلية بل اجتثاث مواطن الوهن والجمود، يكون ذلك من خلال تمثيل ديمقراطي عادل وشامل دون استمرار لنهج المحاصصة والاقصاء والتهميش والقضاء على اسلوب الاستحواذ والتفرد.
اذا ما انجز ذلك على أرض الواقع، يمكننا بعدها الحديث عن المصالحة والمقاومة وبدء الولوج في كيفية الانعتاق من أوسلو البغيض وتبعاته ( تنسيق أمني ، تحرر اقتصادي ) ، وبهذا نتمكن من بناء برنامج وطني يلتزم به الكل الفلسطيني. 
يترتب على مثل هذا الانجاز : تحقيق وحدة وطنية فعلا لا قولا، تفويت الفرصة على كل من يعمل ( اعداء مباشرين أو من الاخوة الاعداء) لتجاوز م ت ف، ونكون قد فتحنا الباب للشعب الفلسطيني لوقف الشعور بالتيه وفقدان الامل. لن نضيف جديدا عند القول بان استمرار حالة الانقسام ستسرع من فرص تحقيق الاهداف الكامنة في صفقة القرن والتي اولها تجاوز المنظمة وايجاد جسم فلسطيني بديل يدّعي تمثيل الشعب الفلسطيني ليذعن للمطالب الامبريالية –الصهيونية ووأد القضية الفلسطينية بعد قبوله بتطبيق ما تبقى من بنود صفقة القرن : قبول الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ، ضم المناطق المصنفة ج الى اسرائيل، تسريع البناء الاستيطاني الاسرائيلي وتسمين المستوطنات القائمة على الاراضي الفلسطينية المحتلة، ناهيك عن الوقوف بكل صلابة امام التهديدات والعنجهية الامريكية الاسرائيلية التي ضربت وتواصل الضرب عرض الحائط بالمواقف والقرارات الدولية المؤيدة لقضية شعبنا.
أما النقطة الثانية والتي هي محصلة حتمية لنقطة البداية، فهي ضرورة التوقف الفوري عن سياسة ونهج بيع الوهم وخداع الذات والشعب، عبر اتخاذ خطوات عملية على ارض الواقع يشعر بها المواطن الفلسطيني. يكون ذلك في بدء اتخاذ خطوات تقود الى التحلل وفك الارتباط بأوسلو . على سبيل المثال، لا الحصر:
 
- هل ممكن الاستغناء عن ضرورة الارتباط بالحاسوب الاسرائيلي بخصوص سجل السكان وسجل الاراضي ومنح رخص البناء، والاستيراد والمواصلات !!!
- هل ممكن التخفيف من حالة التبعية الاقتصادية شبه الكاملة لاسرائيل فيما يتعلق بالكهرباء والمياه والاتصالات الخلوية، من خلال تكثيف وتقوية الميزان التجاري الفلسطيني – الاردني والمصري والتركي . !!!
- هل ممكن البدء بممارسة أي شكل من أشكال السيادة الوطنية في كافة المناطق أ، ب،ج وكذلك الحال على المعابر!!!
- هل ممكن تكثيف الجهود من اجل استثمار أوسع وأشمل لمصادر الثروات الطبيعية للبلد!!!
هل ممكن تكثيف العمل لتحقيق المزيد في مجال الزراعة والثروة الحيوانية والمياه !!!
مؤشرات للتفاؤل
لنا ان نسجل هنا فخرنا بقرار صندوق الاستثمار الفلسطيني والمتمثل في رفض ابتزاز شركة نيشر بخصوص الاسمنت وتمتين علاقات التعاون مع الشركة الاردنية لتزويد السوق الفلسطيني بكل ما يحتاج من اسمنت.
وفقا لما رشح من توقعات لانعقاد المجلس المركزي القادم، سيعمل المجلس المركزي على اعادة النظر في اتفاقية باريس ومعضلة التنسيق الامني كاحدى افرازات اتفاق اوسلو البغيض. نأمل ان يتم ذلك فعليا وعدم استمرار تبني احد الخيارين: مواصلة السير في نفس النهج مما يقود الى انزلاق اكبر الى الهاوية، أو التشبث بنهج تشكيل اللجان لدراسة الامر.
كي يرتفع منسوب التفاؤل لدى الشعب والحركة الوطنية، من الاهمية بمكان خفض مستوى الاعتماد على المؤسسات الدولية وقراراتها منذ 70 عاما والتي لم تحرك ساكنا بخصوص انجاز ملموس على أرض الواقع، والاعتماد بشكل أكبر على القدرات والطاقات الهائلة لشعبنا بكل شرائحه ومكوناته.
كما هو أيضا مطلوب اعادة النظر في عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وبقية أذرع القيادة الوطنية.
ختاما نقول تكمن الوسيلة الانجع في بناء جبهة وطنية عريضة افقها م ت ف وقانونها التوافق الوطني على سلسلة من البرامج والفعاليات النضالية، مستفيدا من تجارب سابقة : الجبهة الوطنية ولجنة التوجيه الوطني والقيادة الوطنية الموحدة، تشكل فيها المؤسسات الشعبية القاعدة العريضة والابتعاد الكلي عن نمط الاسقاطات الفوقية على الجماهير بحيث يكون نهج العمل من تحت الى فوق وليس العكس كما هو القائم حاليا.