الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

منظمة التحرير قوية بإرادة الشعب وحكمة قادة فصائل العمل الوطني

نشر بتاريخ: 05/11/2018 ( آخر تحديث: 05/11/2018 الساعة: 12:59 )

الكاتب: د. ياسر عبد الله

ان التحدي الأخير لمنظمة التحرير كان في عقد المجلس المركزي لدورته ال (30) رغم محاولة افشاله ومقاطعته من قبل الجبهة الشعبية والديمقراطية والمبادرة، وخصوم الشرعية واخوان غزة، ومحاولتهم تشكيل جسم خارج أطر منظمة التحرير؛ علماً ان المرحلة تتطلب الوحدة الوطنية، التماسك بين الفصائل، عدم التسوق مع الإدارة الامريكية ومشروع امارة الاخوان في غزة وعزل منظمة التحرير عن القرار الفلسطيني؛ وقد نجحت القيادة في عقد جلسته بالرغم من تلك المحاولات الفاشلة، وقد سبق أن حاولوا مراراً أنهاء منظمة التحرير وتقويضها، الا أن القيادة الفلسطينية الحكيمة دائماً كانت تثبت أنها اكثر إصراراً على الثوابت، وعلى الاستمرار في النضال من أاجل تحقيق حلم الشعب الفلسطيني؛ "دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف".
تسلم رئاسة منظمة التحرير (احمد الشقيري ) في ظروف كانت القضية الفلسطينية بحاجة الى جسم ومؤسسة تمثل الشعب الفلسطيني إقليمياً ودولياً، وقد رحل الشقيري، وتسلم (يحي حمودة) لفترة انتقالية ولم ترحل منظمة التحرير، وتسلم من بعده الأمانة القائد والرمز (ياسر عرفات)، حافظ على رسالتها اكثر من اربعة عقود من الزمن، ورحل عرفات وبقيت منظمة التحرير الفلسطينية امانة في يد الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) الذي قادة المرحلة الصعبة بحكمة، وهي المرحلة الأكثر صعوبة؛ مليئة بالتحديات والمؤامرات الداخلية والخارجية، الا ان انتماء القيادة للوطن، واصرارها على التحرر، وإقامة الدولة جعلتهم اكثر إصرارا على البقاء تحت مظلة منظمة التحرير وحمايتها من السرقة والانهيار.
لكن لكل مرحلة تحدياتها وظروفها التي تعاملت معها القيادة وما زالت تتعامل وفق معطيات المرحلة وتهديداتها.
الكل يعلم أنَ منظمة التحرير أُنشِأت قبل أن تولد كافة الفصائل الفلسطينية التي شكلت منظمة التحرير فيما بعد؛ (قبل انطلاق حركة فتح والشعبية والديمقراطية وكافة الفصائل). وذلك بعد عقد "المؤتمر الفلسطيني الأول" في القدس نتيجة لقرار القمة العربية في العام (1964) لتمثيل فلسطين في المحافل الدولية؛ وهي منظمة سياسية شبه عسكرية معترف بها من جامعة الدول العربية، والأمم المتحدة بما فيها الولايات المتحدة الامريكية، والظروف في تلك الفترة تختلف تماماً عن الظروف في هذه المرحلة.
منظمة التحرير هي الحاضنة للحركات الفلسطينية وكان عنوان العمل النضالي في تلك الفترة: (الكفاح المسلح)، وجاءت تلك الفترة بعد سنوات من الاحتلال للأراضي الفلسطينية، وارتكاب مجازر ضد الشعب الفلسطيني في العام 1948، وكان تمثيل الفصائل في المنظمة ملزماً للجميع، وكانت تحمل شعارات كبيرة في مقدمتها "استعادة الاراضي الفلسطينية" و"التخلص من الاحتلال"؛ لم يكن في حينها مقبول أي خيار: حل دولتين، كونفدرالية فيدرالية او أي خيار اخر غير خيار "تحرير فلسطين عبر الكفاح المسلح".
في العام 1974 بدأت المنظمة بالتفكير بإنشاء دولة ديموقراطية على جزء من أراضي فلسطين الامر الذي جعل من بعض الفصائل تشكل جبهة الرفض، وفي العام 1988 تبنت منظمة التحرير الفلسطينية رسمياً خيار "حل الدولتين" في فلسطين التاريخية والعيش جنبا لجنب مع إسرائيل في سلام شامل يضمن عودة اللاجئين واستقلال الفلسطينيين على الأراضي المحتلة عام 1967 وبتحديد القدس الشرقية عاصمة لهم..
كل ذلك و حماس لم تكن قد ظهرت في المشهد السياسي الفلسطيني الداخلي والخارجي ، وكانت فتح هي الحركة الفلسطينية التي تقود السفينة يداً بيد مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية، وكافة فصائل منظمة التحرير، وكانت تلك الحركات تتمتع بامتداد جماهيري في الضفة والقطاع؛ في كافة اماكن تواجد الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع - الداخل والشتات- ، وكان القرار في حينها يتم اتخاذه بالإجماع وان حصل خلاف كان ينتهي في حوار أو لقاء بين عرفات وحبش أو حواتمة، ولم تكن هناك انقسامات، ولا حتى تشكيل كيانات مستقلة في داخل منظمة التحرير؛ ولكن بعد ظهور الحركات الإسلامية اختلفت الأدوات ولم تعد حركة فتح تملك الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وحدها؛ وحتى في الشتات والداخل فقد أصبحت تلك الحركات تقاسمها وتقاسم الفصائل الأخرى في استقطاب عناصر لتلك الحركات. "هناك جهات اقليمية ودولية بالتعاون مع فصائل فلسطينية وشخصيات معارضة؛ سعت الى ذلك".
تسمع اصوات تطالب بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية من إسطنبول، ومن محافل أخرى، وبعض هؤلاء عقدوا اجتماعات مع إسرائيليين، ومع المعارضة في مواقع أخرى، وأصوات أخرى توجه الاتهام للقيادة بتقديم تنازلات، وأخرى تدعي بان منظمة التحرير لم تعد تمثل الشعب الفلسطيني على الواقع وبشكل كامل، الامر الذي وضع القيادة الفلسطينية في وضع لا تحسد عليه فهي امام تحديات: الانقسام وطموح الاخوان، صفقة القرن، مصالح حزبية، خصوم القيادة من حركة فتح، العداء الأمريكي، تساوق دول عربية مع إسرائيل والإدارة الامريكية؛ في المقابل القيادة مطالبة بالحفاظ على الثوابت والبحث عن حلول من اجل الصمود والحفاظ على السلطة الوطنية كأحد انجازات منظمة التحرير في مساعيها لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس .
المنطق يقول ان مكانة منظمة التحرير قبل العام 1988 تختلف عن مكانتها اليوم؛ بعد ظهور الحركات الإسلامية التي تتساوق مع صفقة القرن من أجل أقامه امارة للإخوان في غزة، وهناك جهات إقليمية، ودولية تتعامل مع اخوان غزة كبديل عن منظمة التحرير، وهذا هدف سعت اليه إسرائيل وامريكا؛ واخر مشاريعهم هي (التهدئة )التي يحاول فرضها على الشعب الفلسطيني مقابل تحسين أوضاع معيشية واقتصادية او من اجل حماية امارة غزة من الانهيار.
مكانة منظمة التحرير الان اصعب مما كانت عليه قبل العام 1988 فلم يعد الكفاح المسلح خياراً (قائماً في هذه المرحلة) للتحرر في أجندات فصائل المنظمة، بل تبنت المقاومة الشعبية والحل الدبلوماسي والسياسي؛ في المقابل بعض الفصائل وحركة حماس ترفع شعاراً يداعب مشاعر الجماهير؛ هو المقاومة المسلحة وسلاح المقاومة وان كان ذلك قد اصبح مجرد شعار يظهر في حالات الهجوم على غزة والدفاع عن النفس، وهذا ما حدث في الضفة بعد ان استهدفت قوات الاحتلال السلطة الوطنية، وكانت انتفاضة الأقصى عام 2000 حيث سقط شهداء وابعد اخرون واعتقل الكثير من أبناء الضفة؛ أي ان السلاح وان اختلفت تسميته في الضفة وغزة لم يعد سلاح الفدائي وسلاح الكفاح المسلح بل هو سلاح سلطة شرعية تسعى لتطبيق القانون وأخرى امارة انقلابية تسعى الى السلطة .
ان الضربة التي لا تكسر تزيد قوة؛ أثبتت الظروف ان منظمة التحرير باقية وقوية بالرغم من المحاولات المتتالية من أجل انهائها بتحدي امريكي بأغلاق مكاتبها، وعدم التعامل معها، وبالتساوق للأسف مع فصائل فلسطينية قدمت قيادتهم الشهداء من اجل بقاء منظمة التحرير قوية، نجدهم يتساوقوا مع الإدارة الامريكية ومع تهدئة حماس في غزة بهدف تمرير صفقة القرن واضعاف دور منظمة التحرير، وبهدف إيجاد قيادة بديلة سوء من خصوم الشرعية او شخصيات مقبولة أمريكياً واسرائيلياً.
منظمة التحرير باقية والقيادة الفلسطينية حاسمة في التعامل مع كل من يحاول ان يقوض دور منظمة التحرير، والشعب ما زال ينظر الى المنظمة انها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهذا يضع القيادة في موقع المسؤولية الوطنية التاريخية للحفاظ على منظمة التحرير والعودة للحوار مع فصائل منظمة التحرير وفق رؤية وطنية بعيدة تماماً عن المصالح الحزبية الضيقة؛ منظمة التحرير هي حاضنة الفصائل الوطنية، وستبقى ممثلًا وحيداً للشعب الفلسطيني، وعلى الجميع العودة تحت مظلتها للوقوف امام التحديات والمؤامرات العاصفة بالقضية؛
"منظمة التحرير الفلسطينية باقية بإرادة الشعب وحكمة قادة فصائل العمل الوطني وعمق انتماءهم للقضية الفلسطينية"