السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

اعادة بناء منظمة التحرير شرط استمرارها

نشر بتاريخ: 12/11/2018 ( آخر تحديث: 12/11/2018 الساعة: 13:13 )

الكاتب: عوني المشني

الكيانات كما الكائنات، لها تاريخ ميلاد ولها تاريخ وفاة، هي منظومة حياة بكل ما في الحياة من قوة وضعف، انتصارات وانكسارات، تقدم وتراجع، استسلام ومقاومة. الكيانات من صنع البشر يعطوها من إبداعاتهم ولكنها تعطي للبشر هوية.
منظمة التحرير الفلسطينية هي كذلك، كيان له كل تجليات الكيانات والكائنات، كانت ولادتها قيصرية، جاء بها النظام العربي لتكريس الوصاية فهزم هذا النظام عام ١٩٦٧ فشبت عن الطوق وتحولت الى رمز الاستقلالية، استمدت شرعيتها الوطنية من الدم والبارود، واستمدت شرعيتها العربية عبر معارك عسكرية وسياسية كبيرة وطويلة، اما شرعيتها الدولية فقد جاءت عبر سياسة معقدة امتزجت فيها شرعية الحق وتنازلات محسوبة حتى حققتها، ميز منظمة التحرير انها كانت عنوان يجمع لا يفرق وان بوصلتها فلسطينين وأنها حافظت على استقلاليتها، ولكن تلك الميزات التي جعلت منها وطنا معنويا لشعب مشتت قد اصابها الكثير من العطب.
قدمت منظمة التحرير تنازلات غير محسوبة في اتفاق اوسلو على امل الوصول الى دولة، الاخطر ان جزء من هذه التنازلات كانت من كينونتها وبنيانها، ارتبطت بسلطة حكم اداري ذاتي حتى تصبحت تحت مظلتها، وكيف لا وميزانية المنظمة تصرف من السلطة !!! حصرت نفسها حيث تكون قيادتها فأمهلت الستات تمثيلا واهتماما وحضورا سياسيا، بدل ان تكون عنوان وحدة وتوحد لشعبنا وحلا لاي اختلاف اصبح مختلفا عليها وفيها وتحولت الى طرف في الخلاف والاختلاف، فقدت الفعل المحسوب وأصبحت ردة فعل واهنة وعفوية.
ومع ذلك منظمة التحرير لا زالت ضرورة وطنية، ضرورة لان المشروع الوطني لم ينجز بعد، وضرورة لا تجاوزها يَصْب في خانة تصفية الهوية الوطنية عبر انهاء الرمزية الوطنية التي تعبر عنها المنظمة، وضرورة لان شعبنا يحتاج الى اطار جمعي يوحد مواقفه حول برنامج، وضرورة لان تشتت شعبنا الموضوعي يحتاج الى اطار جامع معنوي يعبر عنه، وضرورة لانها اطار دفع الكثير من التضحيات من اجل ان يتم الاعتراف به، وهناك الف سبب اخر جميعها مهمة تؤكد على اهمية بقاء منظمة التحرير الفلسطينية، لكنه يوجد سبب واحد يهدد هذا البقاء، وهو بقاء منظمة التحرير بصيغتها الحالية، الصيغة المضطربة المتشرذمة المتداخلة والخاضعة للسلطة، المفرغة من مضمونها الكفاحي، الصيغة الحالية التي تحولت فيها منظمة التحرير الى طرف في الاختلاف الفلسطيني وبدل ان تختلف القوى فيها فإنها تختلف عليها، الصيغة التي تقصي تمثيل واهتمام الشتات الفلسطيني ولا يحضر فيها تمثيل فلسطينيي ١٩٤٨، وتصبح الفسيفساء الفلسطينية متشظية فوضوية الحضور فيها وحولها وضدها. ان حالة منظمة التحرير الحالية مبرر او لنقل شماعة للدعوة الى تجاوزها، وكلا الانجاهين مدمران للمشروع الوطني، لهذا فان هناك نهجا وطنيا اخر، نهج يتمسك بمنظمة التحرير بنواذجه ولكنه متفهم ضرورة اعادة بنائها، نهج يوازن بين الممكن والمأمول، وينحاز لمنظمة التحرير كهوية جمعية ووطن معنوي واطار وحدوي، نهجا يرفض بكل قوة ان تتحول منظمة التحرير الى مجرد مبنى ومكتب ورئيس، يريد لهذه المنظمة ان تبقى قائدة لكفاح شعبنا.
هنا مربط الفرس، هنا الحلقة المركزية، هنا المهمة الملحة، اعادة بناء منظمة التحرير، وليس من موقع الترف السياسي او المناكفة، إنما من موقع المسئولية الوطنية، بناء منظمة التحرير ليس قرار بل صيرورة، ليس شعار بل برنامج عمل، ليس عمل ثانوي بل هو مركز المشروع الوطني وجملته الفعلية.
وبناء منظمة التحرير لا يتم بعقد مجلس وطني مختلف فيه وعليه، ولا بتعيين لجنة تنفيذية تكرس الهيمنة، ولا بقرارات مجلس مركزي تزيد الضباب تجذرا، لا بمقاطعة جلسات ولا بيانات تسجيل المواقف.
اولا اعادة بناء منظمة رؤية جمعية وطنية واعية بأوسع مشاركة ولكن بآلية منظمة واضحة، مشروع اعادة بناء، نقاش مستفيض لهذا المشروع على كل مستويات العمل الوطني في الوطن، كل الوطن، وفِي الشتات. وثانيا فان اعادة البناء تعني رؤية سياسية شاملة لطبيعة الصراع ومحددات هذا الصراع ومفاهيمه الإستراتيجية المستخلصين العبر من دروس المرحلة السابقة. ايضا اعادة بناء منظمة التحرير اعادة النظر في القوانين الناظمة للمنظمة ينهي المحاصصة الفصائلية ويؤسس لرؤية ديمقراطية وطنية جامعة، مرحلة المحاصصة الفصائلية انتهت، مرحلة اقتسام الهيمنة انتهت، مرحلة الاقصاء انتهت، منظمة تحرير جامعة على اساس ديمقراطي وطني، ليس اخيرا اعادة البناء تعني منظمة مستقلة، قيادة لشعبنا، منفصلة عن سلطة الحكم الذاتي، لها اهتمام وتمثيل بكل قطاعات شعبنا في الوطن والشتات، تبني على ما أنجز، توحد الجميع على اساس برامجي وطني، تحتوي الاختلاف والتنوع ولكن دون ان يختلف عليها ودون ان تصطبغ بلون غير ألوان العلم الفلسطيني.
دون تلك الخطوة فان المنظمة ذاهبة الى قدرها، خاضعة لناموس الأشياء والكيانات والكائنات، لتواجه قدرها. ولنعلم ان الحرص على طريقة الدب على المنظمة لا يحميها بل قد يقتلها والاصرار على اختطافها قد يجعلها في حالة موات ليختطف بعدها جثة هامدة.
منظمة التحرير الحية الفاعلة المتألقة القائدة المبادرة المبدعة هي منظمة الكل الفلسطيني، الديمقراطية الوطنية المستقلة الموحدة، منظمة التحرير كهذه شرطها اعادة البناء.