السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ما الذي يميز "المبادرة الوطنية"؟

نشر بتاريخ: 21/11/2018 ( آخر تحديث: 21/11/2018 الساعة: 20:22 )

الكاتب: سري سمور

استعرضت في المقال السابق (المبادرة الوطنية:وجود في الساحة وإخفاق في المنافسة) ظروف انطلاق المبادرة الوطنية الفلسطينية، وأنها عجزت أو فشلت في التحول إلى تيار ثالث منافس للقطبين(فتح-حماس) ولكنها أثبتت وجودها وحضورها على الخريطة السياسية الفلسطينية، والآن أوجز مزايا وإيجابيات المبادرة، وفي المقال القادم سآتي على سلبياتها التي لعبت دورا رئيسا في عدم قدرة المبادرة على المنافسة ولو جزئيا، وتقديم برنامج حقيقي منافس.

مزايا وإيجابيات:
1) حسمت المبادرة على لسان د.مصطفى البرغوثي موقفها من الإسلام، بدفع شبهة اعتناق الأفكار الإلحادية عنها تماما، والبرغوثي اعتبر الرسول محمد-صلى الله عليه آله وسلم- صاحب رسالة نبوية وحاملا لتغيير اجتماعي(المبادرة حزب اجتماعي وسياسي) وفيما يخص التيار الماركسي، أعلن بوضوح أنه استقال وخرج منه، ولم تعد له علاقة معه، بل ثمة من عمل في صفوف المبادرة وهو إمام مسجد...وبهذا الإعلان شكلت المبادرة أول حالة مراجعة جريئة للأفكار والمعتقدات والتصورات في جسم اليسار الفلسطيني الذي يحتاج إلى تلكم المراجعات منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وصعود التيار الإسلامي في الساحة الفلسطينية...طبعا هذا لا يعني أن المبادرة حسمت كل الملفات بخصوص نظرتها إلى الإسلام، فهي ما زالت تنظّر ضد(الأصولية) دون الإفصاح عن ماهية الأصولية التي تنتقدها وتغمز من قناتها، كما أنها حريصة على الظهور بمظهر(علماني- تقدمي) ولعل هذا ما انعكس سلبا على صعودها في ظل تجذّر التدين في المجتمع الفلسطيني، والذي ما زال على مستوى المزاج العام غير مستوعب لفكرة اختلاف المبادرة عن الحالة الماركسية الحزبية التي خبرها في قوى وحركات أخرى قبل عقود.
2) استطاعت المبادرة العمل بأساليب نضال سياسي وإعلامي ليست جديدة في جوهرها على شعبنا، ولكنها حرصت على تفعيلها ومراكمة جهدها فيها، وجذبت أو جلبت متضامنين من الدول الأوروبية إلى قلب الأرض المحتلة، ليشاهدوا عن كثب جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبطش جنوده، مما كان له دور في تشوّه الصورة(الوردية المثالية) التي رسمتها إسرائيل عن نفسها في شتى البلاد الغربية، على مستوى القاعدة والفعاليات الشعبية...صحيح أن المتضامنين الأجانب يسهل اختراقهم من قبل المخابرات الإسرائيلية وضباطها الذين قد يندسون بينهم كونهم يحملون جوازات سفر أجنبية أصلية أو مزورة، أو قد يجندون بعض المتضامنين، ولكن هذه الاختراقات لم تحل دون تحوّل إسرائيل في أعين أوساط واسعة عند أكاديميين وطلبة وفنانين أجانب، إلى دولة متوحشة مجرمة، جنودها يحاصرون المدن والقرى ويقتلون الأطفال، وينكلون بالمواطنين العزّل بسادية مفرطة، خاصة عندما تعرض المتضامنون الأجانب أنفسهم إلى اعتداءات متكررة من قبل قوات الاحتلال.
طبعا لا يمكننا اعتبار هذا التضامن حالة بديلة وكفاحا كافيا لأن إسرائيل ترى أن أمنها فوق كل الاعتبارات بما في ذلك رأي الأوساط الغربية الأكاديمية والطلابية فيها.
ومما ساهم في تفعيل هذا اللون/النوع من النضال، وسائل الإعلام والاتصالات الحديثة من فضائيات وإنترنت، مما كسر احتكار الكلمة والصورة والخبر من قبل شركات ومؤسسات إعلامية تتبع إسرائيل أو تتعاطف معها بشكل مطلق.
وقد نشطت المبادرة في هذا السياق في مسألة جدار الفصل العنصري والنضال السياسي والإعلامي والقانوني لإزالته وفضح أثره السيء على الأرض والمواطن الفلسطيني.
3) قدمت المبادرة وما زالت تقدم مساعدات وخدمات يحتاجها المواطن الفلسطيني لا سيما في ظروف انتفاضة الأقصى الصعبة، واستعانت المبادرة بالدعم الأجنبي الذي يقبل تمويل الحركات التي لا توصف بالإرهاب، خاصة في مجال الخدمات الطبية والصحية المختلفة، مما جعل للمبادرة حضورا عند شرائح مختلفة من المواطنين، كما قامت مؤسساتها بفتح باب التطوع لأمور الطبابة وملحقاتها من تمريض وإسعاف أولي وغير ذلك للعديد من الشبان والشابات وهذا له أثر إيجابي في توجيه الطاقات وتفريغها بما يفيد المواطنين.
4) كان د.مصطفى البرغوثي وما زال يمارس نشاطا سياسيا وشعبيا مميزا وله حضور قوي؛ فهو يكتب المقالات ويشارك في الحوارات واللقاءات المتلفزة، ويحافظ على خطاب وحدوي بعيدا عن أي مناكفة أو توتير للأجواء؛ فهو يلتقي بجميع الفعاليات السياسية، ويلعب دورا في محاولة تقريب وجهات نظر القطبين، وقد زار قطاع غزة في ذروة الانقسام والتوتر على متن سفينة الأمل، وتراه ضيفا مطلوبا في الفضائيات الفلسطينية الحزبية كلها، وقد أثبت الرجل أنه يمكن الجمع بين الكفاءة والمهنية والعمل السياسي والحزبي، من خلال المواقع التي عمل بها، وأن همروجة(التكنوقراط) التي يراد بها شطب التنظيمات والفصائل جميعا واستبدالها بغير المنتمين ولا المؤيدين ولا المحسوبين على أي فصيل، وممن لم يعيشوا حياة شعبنا كما هي في حقيقة ألمها وأملها منذ النكبة الكبرى، بدعوى أنهم تكنوقراط، وكأن الفصائل خالية من فئة التكنوقراط...كان مصطفى البرغوثي أكبر وأوضح مثال حي لدحض هذا التوجه، وشخصيا أرى أن الرجل حين تولى وزارة الإعلام لفترة قصيرة في حكومة الوحدة(الحكومة 11) أبدع كثيرا في موقعه ذاك وتفوق بامتياز وبزّ نظراءه وزملاءه، ومن خلال أدائه نرى أنه يمكن أن يكون له ذات الأداء الحسن في مواقع أخرى.
كما أن د.مصطفى يحرص باستمرار على الوجود في مواقع المواجهات ونقاط التماس والأراضي المهددة بالمصادرة وعند الحواجز العسكرية، وقد تعرض عدة مرات للإصابة والضرب من قبل قوات الاحتلال، وبصراحة فإن هناك شعورا بل ربما (نميمة) بأن حرص الرجل على هذا الحضور المسبب له بالأذى الجسدي، نوع من (صناعة الشعبية) وما يستتبعها من ريبة واتهام بالاستعراض؛ ولكن لو فرضنا جدلا صحة هذه الاتهامات أو الانتقادات، مع أنها دخول في النوايا لا يصح مبدئيا، لقلت بأنه حبذا لو كثر أمثال من يبحث عن القبول الشعبي من خلال التصدي لقوات الاحتلال وتحمّل الغاز والهراوات والرصاص المطاطي بل لربما الرصاص الحي.
5) حرصت المبادرة على الحديث عن المظالم الاجتماعية للناس ومشكلاتهم الحياتية اليومية، ولم تكتفي بالنشاط السياسي، وهذا ينسجم مع كونها حركة سياسية-اجتماعية، وعبر ما لها من منابر إعلامية سعت إلى إيصال صوت المواطن ورسالته وهمومه ومقترحاته، فالمواطن له مشكلات حياتية فردية أو جماعية يومية، لا تتعلق بالضرورة بمقاومة الاحتلال والاستيطان، بل تتعلق بظروف التعليم والعمل والخدمات الصحية والكهرباء والمياه وقائمة طويلة، ركزت عليها المبادرة دون الاستعانة بالخطاب المعلب اليساري القديم، الذي يجعل الطبقية مادة الانطلاق لحل مشكلة المواطن، بل يمكن القول أنها جعلت المشكلة تتحدث عن نفسها على لسان المواطن، دون الدخول في فلسفات ثقافية أو فكرية لتفسير تلك المشكلات.
هذه إجمالا مزايا وإيجابيات المبادرة، أما عن السلبيات وما أعاق اتساع الحركة فسنتحدث عنه في المقال القادم إن شاء الله.