الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

مشروع ادانة لحقوق الانسان في الامم المتحدة

نشر بتاريخ: 10/12/2018 ( آخر تحديث: 10/12/2018 الساعة: 18:19 )

الكاتب: د.محمود مرعي

في العاشر من كانون اول ديسمبر 1948 تم اقرار الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وللمرة الاولى يتم اعتماد وثيقة عالمية تحمي الحقوق الاساسية للإنسان، الحق في الحرية والمساواة والعيش بسلام ورفاهية بعيدا عن الظلم والقهر وسلب الحريات العامة، ولسخرية القدر وبعد سبعين عاما من اقراره تجتمع دول العالم للاحتفال بإدانة هذا القرار، وسلب هذا الحق الذي كفلته كل المنظمات الدولية، من حق الشعوب المظلومة والتي تقع تحت طغيان الظلم في أي بلد في العالم ان تدافع عن نفسها سعيا لرفع الظلم والعيش بكرامة وحرية، ومن هذه الشعوب الشعب الفلسطيني المحاصر والذي لم يحصل على حريته.. أليس من حقه الدفاع عن نفسه وان يعيش كباقي الشعوب بحرية وسلام وأمن؟
سفيرة الولايات المتحدة الامريكية لدى الامم المتحدة "نيكي هيلي" وقبل مغادرتها هذا المنصب تريد ان تختم حياتها السياسية بانجاز تاريخي يدين حركة حماس واعتبارها حركة ارهابية مع ان حماس لا تمثل كيانا سياسيا قانونيا للتعامل معها كباقي الدول، لان السلطة الوطنية الفلسطينية هي الجسم القانوني والممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وهي تناضل سياسيا ودبلوماسيا عبر قنوات التفاوض والعلاقات الدولية من اجل تطبيق القرارات الدولية والوصول الى سلام دائم مع اسرائيل.
سفيرة الولايات المتحدة الامريكية لدى الامم المتحدة "نيكي هيلي" وفي تناقض صارخ، تضرب بعرض الحائط وتتناسى القرارات الاممية التي صدرت ضد اسرائيل، وخاصة اعتبار القدس الشريف من الاراضي المحتلة عام 1967 عندما صرحت في خطاب لها امام "الايباك" في مارس الماضي ان "القدس كانت وما زالت وستبقى في المستقبل عاصمة لإسرائيل وان هذا الحق لم نعطها اياه انما هو واقع وتاريخ لا يمكن انكاره والرئيس الامريكي دونالد ترامب كان لديه من الشجاعة ليقوم بأمر لم يجرؤ أي رئيس سابق للولايات المتحدة للقيام به، وكل ما فعله هو الاعتراف بحق ثابت لا يمكن انكاره".. أليس هذا تناقض صارخ لا يختلف عليه اثنين في انكار قرار دولي صريح وواضح.
في كل عام يصدر ما يقارب العشرين قرارا ضد اسرائيل وتدينها على انتهاكها لحقوق الانسان ومصادرة الاراضي وانتهاك حقوق الاطفال والنساء والقتل العمد والمفرط والتهويد وزيادة الاستيطان بما يبدد الحلم بإقامة السلام الدائم وحل الدولتين حسب القرارات الدولية، وخلال السبعين عاما من الاعلان العالمي لحقوق الانسان صدر اكثر من سبعمائة (700) قرار يدين اسرائيل من الجمعية العامة والأمم المتحدة والمنظمات الدولية الاخرى، ولم تخجل خلال كلمتها الطلب من الدول العربية لإدانة المنظمات الارهابية التي حسب ادعائها تسببت بالألم للأبرياء الفلسطينيين وعرضتهم للخطر، وتضيف ان هذا هو الوقت المناسب من اجل سلام حقيقي وشامل لدول المنطقة، هل ادانة حماس يعطي الشعب الفلسطيني حقه بالعيش بأمن وسلام وحرية؟ حتما سيلعنها التاريخ على مواقفها المتناقضة والمنحازة.. الحالة العدائية بيننا وبين اسرائيل تحتاج الى قادة عظماء يكون لديهم الشجاعة والقوة لإنهاء هذا الصراع المرير الذي يعاني منه الشعبين معا.
في نهاية العرض الهزيل لم ينجح القرار في ادانة حركة حماس وبالرغم من الانقسام البغيض الذي يلقي بظلاله السوداء على الشارع الفلسطيني، كانت الدبلوماسية الفلسطينية تدافع عن حق المقاومة المشروعة مع اختلافها الجوهري مع حماس حول اساليب الدفاع هذه فرصة لإعادة النظر والتأمل من قادة حماس وقيادة السلطة لإنهاء هذا الفصل الاليم من تاريخ الشعب الفلسطيني، وان ساعة المصالحة دقت منذ زمن طويل، ألم يئن الاوان لوقفة صريحة لنتأمل، ارضاء لله اولا، ولهذا الشعب التواق للحرية والاستقلال، أليس فيكم رجل رشيد يضع امام اعينه المصلحة العامة، مصلحة الوطن وحدة الوطن ونراجع ضمائرنا ونحكم العقل لا العاطفة لإنهاء صراعنا الداخلي الاخوي، ان قوتنا في وحدتنا وترك خلافاتنا جانبا والاستماع الى صوت الشارع وضمير الشعب ولنترك الايديولوجية جانبا ونتمترس خلف هدف واحد وكلمة واحدة وسلطة واحدة من اجل اقامة الدولة الفلسطينية.
ان تصويت 87 دولة لصالح القرار ومنها دول الاتحاد الاوروبي الداعمة لقضية شعبنا العادل؛ انما يدل على مؤشر خطير يجب ان نضع تحته خط ويحتاج الى اعادة ترتيب الاوراق وما هي الاسباب وراء ذلك وما هي الابعاد المستقبلية القريبة؟ وعلى اعتبار ان من امتنع عن التصويت ليس معنا؛ فالنتيجة واضحة لا يختلف عليها عاقل وهي ان القرار لصالح اسرائيل، وكيف لنا ان ننتصر اعلاميا ودبلوماسيا في المرات القادمة ونحن منقسمين وغير متصالحين مع انفسنا.
منبر الامم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الامن عبارة عن منبر لتنظيم العلاقات الدولية بين الدول ولفض النزاعات بين الدول والمنظمات , وحماية سيادة الدول , والإبقاء على السلم العالمي , وهي عبارة عن استشعار لتحول وتغير التحالفات الدولية , وجس نبض لتلك الدول لمعرفة توجهاتها الدولية والإقليمية , ونتساءل هنا , لماذا طرح هذا المشروع في هذا الوقت بالذات ؟ وقبل مغادرة سفيرة الولايات المتحدة في نهاية العام , وما يدور حول تهيئة الشارع العربي والدولي لدعم مشروع الرئيس الامريكي دونالد ترامب في تأييد وتنفيذ صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية والى الابد , وهذا حلم صعب المنال , مع وجود شعب فلسطيني لا يتنازل عن حقوقه المشروعة , ولن يخون دماء الذين ضحوا , ومن سلبت حرياتهم في السجون , انهم شعب الجبارين .
على اية حال ان تصويت الاتحاد الاوروبي لصالح القرار فاجأ الجميع , لمعرفتنا المسبقة من دعم الاتحاد الاوروبي ودول المعسكر الشرقي لصالح القضية الفلسطينية العادلة , ان الموافقة على القرار من قبل دول الاتحاد الاوروبي جاءت لإرضاء الولايات المتحدة من اجل مناقشة مشروع حقيقي وجدي لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وفقا لقرارات الشرعية الدولية 242 و 338 و 194 , وإذا ما تم تحقيق الحلم الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة والعيش بأمن وسلام , فلا حاجة لإدانة حماس ولا الجهاد الاسلامي , ولا حاجة ولا رغبة لدى حماس لا بضرب صواريخ ولا توجيهها اصلا الى اسرائيل فبتحقيق الهدف يختفي السبب والوسيلة , وتتحول الوسائل الى ازدهار وإعمار وتعاون وعيش بكرامة وانسجام مع دول العالم , ولا بد ان نشير الى ان قرارات الامم المتحدة والجمعية العامة غير الزامية , وما يحدد التزامها فقط المسؤولية الدولية أي تكون الدولة مسئولة عن افعالها مسؤولية دولية , والالتزام بالقرارات الدولية نسبية ولا تطبق على ارض الواقع , فالطغيان سيد الموقف في منبر الامم المتحدة , والولايات المتحدة هي من يحدد قواعد الالزام والالتزام الدولي , وخير دليل على ذلك عدد الفيتو الامريكي ضد القرارات الصادرة لصالح القضية الفلسطينية , ليظهر مصطلح الازدواجية في التعامل بين النظرية والتطبيق , فالمثل العليا التي تنادي بها الولايات المتحدة الامريكية والديمقراطية والحرية والمساواة ما هي إلا نظريات مثالية والواقع عكس ذلك تماما فالمثالية عندهم الطغيان والقوة , في تناقض صارخ مع العقل والعقيدة , وهو ما دفعهم مؤخرا لعرض مشروع لإلغاء او ادانة ما اقرته الامم المتحدة قبل سبعون عاما , وهذا ما يفعله الطغاة والمتغطرسين فقط .