الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

قراءة أولية في الانتفاضة الرابعة- انتفاضة الوحدة

نشر بتاريخ: 15/12/2018 ( آخر تحديث: 16/12/2018 الساعة: 12:17 )

الكاتب: رائف حسين

انا على يقن تام ان البعض ولأسباب متعددة سوف ينعتني بالمتهور والمتسرع بتسميتي لما يحصل في فلسطين المحتلة بالانتفاضة الرابعة… هذا ما حصل ايضا في نهاية 2015 عندما اطلقنا على ما حدث الى مرار أسابيع باسم الانتفاضة الثالثة… في الماضي لم أعاتب هؤلاء والان لن اعاتبهم اليوم، لا لنقص الحجج، بل لأني ايضا على يقين تام ان الفهم الاستراتيجي لادارة صراع ما ليس امر بديهي يتقنه كل شخص ومن يتعاطى بالسياسة … المصطلحات بالسياسة جزء من الاستراتيجية والاستراتيجية عمود النضال الأساسي.
وعودة بنا الى تقييم ما يحصل منذ ايّام في فلسطين المحتلة من اشتباكات مع قوات الاحتلال واجتياح للمدن الفلسطينية وتصدي الشباب الفلسطيني الأصيل لقطعان المستوطنين وتعاطي الشعب والفصائل والقيادة مع الحدث:
اولا اثبت دخول فرق من جيش الاحتلال للمدن الفلسطينية واحتلاله لبعض المقرات ومحاصرته لبعض المكاتب واهانته للأجهزة الامنية الفلسطينية رغم إلقاء القدسية على التنسيق الأمني من قبل الرئيس محمود عباس، ان هذه القدسية لم تقدم له ولا لمقرات السلطة ولا لاجهزتها الامنية أية حصانة من عنجهية الاحتلال وجيشه … حكومة الاحتلال وجيشها لا يفرقان بين فلسطيني وفلسطيني… الكل بأعينهم عدو يجب محاربته واهانته بغض النظر ان كان ضابطا في جهاز امني ام موظف في الاعلام المركزي او مقاوم مطارد… نحن بأعينهم سواسية… فمتى نبدأ بالتعامل معهم بالمثل؟ المغتصب مغتصب والمحتل محتل والغاشم غاشم بغض النظر ان لبس زي عسكري او بدلة رسمية او زي ديني … من لا يدين الاحتلال منهم ويطلب نهايته هو جزء من منظومة الاحتلال … هذه يجب ان تكون معادلتنا الجديدة بالتعاطي معهم …
ثانيا خروج ابناء شعبنا في معظم المدن والقرى للتصدي لقوات الاحتلال وقطعان المستوطنين برهان على ان هذا الشعب الجبار ممكن ان يرتاح قليلا في مسيرة التحرر لكنه لا ينام… وممكن ان يبطيء في ردة فعله لكنه لا يتغاضى ولا ينسى … شعب فلسطين اثبت انه ان دعت الحاجة فهو يقدم الغالي والرخيص من اجل كرامة رموز الوطن وكرامة ارض الوطن… في الماضي سمعنا العديد من هواة السياسة من ابناء النخبة وهم ينهالون على ابناء شعبنا الأصيل بشتى النعوت لانهم أعاروا في حقبة زمنية شأنهم الذاتي وأمرهم العائلي قليلا من الاهتمام على حساب المقاومة المستمرة والتصدي لقطعان المستوطنين… ومن هؤلاء من جزم ان شعب فلسطين لن تقم له قيامه حتى وان هدمت رام الله… شعب فلسطين اثبت بالأيام الاخيرة كم هو جبار اصيل وكم هؤلاء التعساء من النخبه قصيري النظر وعديمي المعرفه بشعبهم وجسارة ابناء…
ثالثا عندما تقرأ وتسمع ان المئات من العائلات تفتح أبواب بيوتها امام العالقين من ابناء شعبنا بين حواجز الاحتلال وترى كيف تتسابق هذه العائلات بين بعضها البعض لتقديم المأوى والغذاء لابناء شعبنا وتتابع كيف اصحاب الكراجات يتراكضون ليقدموا خدماتهم مجانيا لأصحاب السيارات التي تضررت من جراء اعتداء قطعان المستوطنين عليها… فهذا كله امر يجعلك تفتخر انك تنتمي لهذا الشعب المعطاء، ويجعلك في نفس الوقت تحتقر هؤلاء من ابناء جلدك، الذين ينعقون منذ سنوات ليلا ونهارا ناعتين شعبهم الفلسطيني بالمتكاسل وألاناني …
رابعا في هذه المراحل الحرجة لا مكان لركوب الامواج وتجيير اخطاء حزب او شخصية ما من أجل مكاسب سياسية ضيقة… في هذه الاوضاع يوضع التنافس السياسي الحزبي جانيا ويبدأ التنافس برص الصفوف من اجل الوقوف سدا مانعا امام جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين… هذه الأوضاع التي تعصف منذ ايّام بالوطن لا تصلح ذخيرة للمناورات السياسية الداخلية… هذه الاوضاع تصلح لبناء جسور الثقة ومد حبال التعاون من اجل الوطن …
خامسا نحن على يقين تام ان الرئيس محمود عباس اقدم في الماضي على اخطاء جسيمة بعمله السياسي، وأنه لم يكن دائما موفقا بتصريحاته ووقع في مطبات استراتيجية جسيمة… لكن كل هذا يجب تأجيله الان ووضعه في الدولاب لحين اخر ويجب استغلال الحالة التي يمر بها وطننا وشعبنا لدعم قيادة الشعب وعلى رأسها الرئيس محمود عباس في الصمود امام الخطة الصهيونية الشرسة ودعم خطة السليم عندما يأمر الأجهزة الامنية بالدفاع عن الشعب ضد هجمات المستوطنين … ويخطىء من يظن، فصيلا ام شخصاً، ان الهجوم الان على الأجهزة الامنية وعلى الرئيس سوف يلاقي دعما من ابناء شعبنا … نحن لسنا بحاجة الى انقسام اخر ولسنا بحاجة الى عنجهية داخلية اخرى … فلسطين بحاجة الان الى وحدةَ ميدانية حقيقية للوقوف امام الغطرسة الصهيونيه …
سادسا وأخيرا علينا ان ندرك ان التاريخ لا يعيد نفسه وان احداث التاريخ تحصل وتنتهي ولا تعود… ما يأتي بعدها من احداث يمكن ان يشبهها ويمكن ان يقلدها ويمكن ان يحاول ان ينسخها من جديد لكن احدا لا يستطيع إدارة عجلة التاريخ الى الوراء … الانتفاضة الاولى حصلت في حيز زمني ووضع سياسي وجيوسياسي مختلفين عما نحن به الان، وكذالك الانتفاضة الثانيه الخ… ما يحصل الان وسيرورة ما يحصل هو نتاج الوضع الذي نعيشه والحيز الذي يحيط بنا … الوضع يتغير والحيز يتغير والتجاوب معهما يتغير ايضا … هذه هي سيرورة الحياة ولا حاجة للبكاء على الأطلال … التغير علامة البقاء والتغيير بأسلوب النضال من اجل تقرير المصير هو علامة على الإبداع والصمود …

من أراد ان يبقى … عليه ان يتغير ويتطور

هانوفر 14.12.2018