الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

سُكان وأبطال (العالم الإفتراضي)

نشر بتاريخ: 31/12/2018 ( آخر تحديث: 31/12/2018 الساعة: 10:46 )

الكاتب: ماهر حسين

يشير العديد من الخبراء في دراساتهم عن العالم الإفتراضي بأن العالم الإفتراضي بات له سكــــان وأبطال، حيث أن سكان هذا العالم الوهمي يقضون أغلب أوقاتهم في التصفح والمشاركة والتعارف وكل ذلك إلكترونيا، وبنفس الوقت تجد أبطال هذا العالم الإفتراضي يكتبوا هنا ويشتموا هناك ويعلقوا على هذا وذاك وهمهم الأول والاخير هو إرضاء الذات بأكبر عدد من (اللايكات).
لقد بات البعض يعيش في هذا العالم الوهمي بشكل شبه تـــام فتجد مواقفه إفتراضية وعلاقاته إفتراضية وشكله (أقصد الصورة التي يستخدمهــا) إفتراضي وهذا حتما ضار بالمجتمع وبالفرد، فنحن ما زلنا بحاجة الى دفئ العلاقات الإنسانية وما زلنا بحاجة للعائلة وما زلنا بحاجة للتعايش مع المواقف والحياة والتعلم منها وفي السياق العام نحن ما زلنا بحاجة للتفكير بالمصلحة بواقعية بعيدة عن منطق المزايدة الغير مسؤول وهذا يقتضي منا أن نقول ما يجب وليس ما يُعجب.
بالنسبة لنا في فلسطين حتما لدينا عالم إفتراضي وبل لدى أبناء شعبنا نشاط واسع في العالم الإفتراضي حيث تعامل البعض بإيجابية مع هذا العالم الإفتراضي وجعل منه فرصة لتعزيز الإنتماء ولتقوية أواصر العلاقات الإجتماعية وجعل من العالم اللإفتراضي منصة لخلق مبادرات مجتمعية في كافة جوانب الحياة، ولقد شاهدت مبادرات مميزة وتابعت قصص نجاح رائعة منها القرية الإفتراضية المسماه (حكي القرايا) والتي باتت على وشك أن تتحول الى قرية حقيقيه على أرض الواقع حيث باتت (حكي القرايا) تجمع أبناء الشتات الفلسطيني مع أبناء الوطن بحب وتقدير وإنضباط وعلى عهد وقسم الحفاظ على القيم والتراث والإنتماء الوطني الأصيل الذي يشير فقط الى فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.
لقد باتت (حكي القرايا) مثال على قدرتنا على الإستفادة من العالم الإفتراضي فها هي (حكي القرايا) تتحول من العالم الإفتراضي الى الواقعي من خلال عمل المؤتمرات والنشاطات والليالي التراثية.
طبعا في المقابل وللأسف تحول بعض مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي الى أبطال من ورق كعالمهم الورقي الوهمي فتجد هذا يتحدث عن بطولات وهميه في معتقلات وهميه بحثا عن البطولة، وتجد كذلك من يطالب بالثورة وبمكافحة الفساد وبالقضاء على الفاسدين ليحصد المزيد من (الايك) فهذا معنى البطولة لديه ومع كوننا جميعا ضد الفساد والفاسدين إلا أن كيل التهم والتشويه وتعميم الخطأ يضر بأي مجتمع إذا لم يكن بإطار القانون والمحاسبة لأنه يشيع الشك والسلبيه القاتله.
وقد لا حظ بعض المحللين النفسيين بأن هناك حالة إنفصال تام عن الواقع يعيشها بعض سكان وأبطال العالم الإفتراضي، جعلتهم يواجهوا مواقف الحياة الحقيقية ويردوا عليها إفتراضيا بهدف الإستعراض وهذا إنفصام عن الواقع ضار بالفرد وبالمجتمع وللأسف هناك بعض الحالات التي تعيش منعزلة عن الأسرة والعائلة والمجتمع بشكل مرضي فتجد هذا البعض يجلس في البيت وحيدا ولا يشترك بأمور العائلة سواء إيجابا أو سلبا وينعزل عن المجتمع ويعيش في قضايا يجد فيها بطولته الوهمية.
الأخطر لدينا في فلسطين بأن البعض وللوصول للبطولة المطلقة في العالم الإفتراضي يقوم بممارسة أقصر الطرق للشهرة فتجده يشتم هذا ويعارض وكل ما سبق ممكن وبسيط ولن يأخذ من وقت من يكتب أو يقوم بالبث سوى دقائق معدودة يعود بعدها لشرب الشاي في العمل أو المنزل منتظرا (الايكات).
إن هذا الإستغلال لبعض مرتادي وسائل التواصل الإجتماعي هو خداع حقيقي وتضليل خطير قد يشكل خطر على المجتمعات ويجب محاربته بالوعي والكلمة وبممارسة الحظر القانوني والإلغاء ويجب أن يكون هناك منظومة قانونية تحمي مرتادي وسائل التواصل الإجتماعي من التطرف والعنصرية والإستغلال بأي من أشكاله.
أخيرا وببساطة أقول العالم الإفتراضي كما هو كل ما في الحياة ممكن أن يكون إيجابي للشخص وللمجتمع وممكن أن يكون سلبي للشخص أو المجتمع ودورنا هو تعزيز النواحي الإيجابية فيكون هناك مبادرات في مجالات الثقافة والتعليم والحفاظ على التراث وحماية حقوق الطفل والمرأة وذوي الإحتياجات الخاصة وفي الوقت نفسه علينا محاربة السلبية وهناك ضرورة لعزل المصابين بفصام الشخصية من أبطال العالم الإفتراضي حتى لا يتحولوا الى ظاهرة مؤثرة سلبا على المجتمع وهذا يقتضي الإهمال والتركيز على التوعية بخطورة بعض من يستغل وسائل التواصل الإجتماعي للبطولة الزائفة.
ومن المهم الإشارة الى أن خصوصية قضية فلسطين تقتضي منا الإيجابية والتركيز على تعزيز دوائر الانتماء العربي والإسلامي والإنساني، حيث أن فلسطين جامعة للكل ونحن بحاجة ماسة الى من يكون معنا لا ضدنـــا، ولا يجب أن نٌقحم أنفسنا أبدا في خلاف أو فتنه ويجب أن نكون دوما محافظين على كون فلسطين بحاجة لكل أحرار العالم ولهذا يجب الحذر عند التعاطي مع موضوع الديانات والقوميات والدول وخلافاتها ومواقفهــــا وهذا يفرض المسؤولية على كل فلسطيني فاعل ومشارك في العالم الإفتراضي فلا يجب أن ننحاز في خلاف ولا يجب أن نشتم ويجب أن نحافظ على فلسطيننا وقضيتها وقدسيتها.
بالمختصر....
إن أبرز عيوب سكان وأبطال العالم الإفتراضي هو الشعور الطاغي بحقهم بالاستئثار بالرأي والشعور الطاغي بأن موقفه الذي يعبر عنه هو الصحيح بالمطلق وهذا يفتح باب التشدد والتطرف والنزاع والخلاف ويعزز من ظاهرة التخوين والتكفير السياسي ويجب أن يكون هناك معالجة وطنية وقانونية للكراهية والتحريض الذي يتم تداوله على وسائل التواصل الإجتماعي.
ولكل ما سبق يجب أن يكون تفاعلنا مع العالم الإفتراضي مدروس تماما وهناك ضرورة للإستفادة من وزارة التربية والتعليم والجامعات والمساجد لتعزيز الوعي في كيفية التعامل مع هذا العالم الإفتراضي بسكانه وأبطاله.