الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

أي زمانٍ نبكي وأي زمانٍ نفرح

نشر بتاريخ: 06/01/2019 ( آخر تحديث: 06/01/2019 الساعة: 11:48 )

الكاتب: سليم النفار

لا أعرف ماذا أستطيع قوله الآن لأولادي ونحن نفرم عاماً آخر ، من أعوام وجودنا فوق هذه الأرض ، وفي هذا الفضاء الملوث بفساد العقول والضمائر ؟
هل ترانا نفرم رزنامة الزمن ، أم نفرم ذواتنا على نطع الزمن ، الذي تجاوزنا في كل شيء
وهل نفرح لانقضاء عام أم ترانا نبكي مثلما كانت تفعل عجائز الزمن القديم ؟
الشعوب تفكر الآن كيف تخترع الوسائل الأكثر راحة لها ، تفتش عن رفاهيتها وعن ضخ المزيد من الأمل بغدٍ أجمل ، بغدٍ خالٍ من العذابات ، ونحن مازلنا نخترع الوسائل الأكثر جدوى في إدامة فرقتنا وعذابنا .
ماذا ترانا نقول لأولادنا الذين سمعوا وقرأوا عن نضالنا منذ خمسة عقود ونيف : هل ما نحن فيه الان يجيب عن استفساراتهم ، ويعطي صورة لواقع رحلتنا ودمنا الذي سال على الطريق هنا وهناك ؟
أي صورة نريد أن نعلقها على جدران الذاكرة ، المكتظة بالعذابات والخيبات والأحلام المجندلة
منذ زمان كنت أحبُّ الاستماع الى حكايات أمي وجدتي عن أحلامهم بالعودة الى بلاد ساحرة ، الى لقاء التراب الذي تفوح منه روائح المحبة ، وكان يسكنني الحنين الى ذلك كله ، الذي من أجله دفع أبي روحه هو وصحبه لعلنا نحن الابناء نستظل بيوم وارف العز والكبرياء ، ولكن ذهبوا جميعاً ونحن كبرنا و لكن صغرت أحلامنا الان ... يا الهي كم انها رحلة قاسية !
كنا نحلم بيافا فصارت غزة وبقايا الضفة تكفي ... والان صار يكفي البعض غزة وربما جزء منها ، كنا ندفع الدم من أجل أن نرى تراب الوطن ،اليوم ندفع الاموال كي نغادر" الوطن" ونسعى الى ترحيل أولادنا الى هناك ... هناك حيث يجدون ضالتهم في حياة تضمن حريتهم وتبني مستقبلا لهم ... لم يجدوه في بقايا الحلم الممزق .
فهل هناك مستقبلهم حقا؟
كانت دماؤنا تسيل على أرصفة العواصم ، وتلك المواقع التي ندافع منها عن الحلم ، وكنا نبكي على ما نفقد من رجال ومن زمان يديم بُعدنا ، ولكن كنا نفرح بحبنا ووحدتنا وزماننا الصلب الذي لا يساوم ، الان نساوم على الحلم من أجل كسرة خبز ، وكرسيّ مخلع لأوهام حاكم يعتقد بأنه يحكم ، الان نسفك دمنا من أجل ثلة ٍ تريد ما تريد لها ، وليس الا لها ووفق هواها ، فيا هوان ما نحن فيه ... وهل بقي ما يُفرح القلب كي يستطيع الايمان بعام أجمل يكشط هذا السواد؟
مضى العام في هذه الغلالة السوداء ، وأنا لا أعرف ماذا أقول لأولادي ، ولكن ما زلت أختلي بنفسي أحاول استعادة صوت جدتي وحكاياتها الجميلة ، وروحها المتفائلة ، لعلني أستطيع اضاءة شمعة في هذه الدهاليز المعتمة.