الثلاثاء: 16/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

متوالية الازمات السياسية الفلسطينية

نشر بتاريخ: 09/01/2019 ( آخر تحديث: 09/01/2019 الساعة: 14:19 )

الكاتب: د.ناجي صادق شراب

يعيش الفلسطينيون في بيئة سياسية معقدة، تتوالد فيها الأزمات بشكل غير مسبوق لكل حركات التحرر الوطنية التي قادت للتحرر والإستقلال. قد تعزى هذه الأزمات لعوامل تتعلق بالفلسطينيين أنفسهم، وبعضها يتعلق بإسرائيل، وثالثة تتعلق بالعوامل الخارجية. وهذا كله نابع من ماهية وطبيعة القضية الفلسطينية. وفي علم إدارة الأزمات جرت العادة على التمييز بين المتغيرات الرئيسة والمتغيرات التابعة في أي أزمة، وبداية الحل تكون بتفعيل المتغير الرئيس وعدم تحوله لمتغير تابع. 
في الحالة الفلسطينية بدلا من أن يلعب الفلسطينيون دور المتغير الرئيس تحول دورهم لدور المتغير التابع، ولذلك ألقت العوامل الخارجية بما فيها المتغير الإسرائيلي دورها السلبي، وزادت من حدة التعقيدات والأزمات السياسية، الخطوة الأولى وقبل الحديث عن هذه الأزمات التأكيد على الحاجة للإطار البنيوي الذي من خلاله يتم إدارة أي أزمة، وهذا ليس متوفرا...
الإطار البنيوي او النظام السياىسي أحد أهم مبادئ إدارة وحل الأزمة، كيف لنا وهذا الإطار هو نفسه يشكل الأزمة الأساس.لا يسمح بعملية الإستيعاب والإحتواء والمشاركة. وعليه يمكن القول أن الأزمة الأساس التي منها تتوالد وتبرز العديد من الأزمات، الفشل في بناء نظام سياسي توافقي ديموقراطي يعبر عن خصائص البيئة السياسية الفلسطينية، ويكون قادرا على الإستجابة والتكيف مع المعطيات والتحولات في هذه البيئة الداخلية والإقليمية والدولية المتسارعة في متغيراتها، ولعل بيئة النظام السياسي الفلسطينية مقارنة بالبيئات السياسية للنظم السياسيه المستقرة انها اكثرها تطورا وتعرضا للمتغيرات المتحولة، فعوامل التطور كثيرة، سكانيا وهذا اهم العوامل، التغير في عدد السكان بشكل ملحوظ وما يصاحب ذلك من ارتفاع سلم الإحتياجات والمطالب والتوقعات، كان أكبر من قدرة النظام السياسي وعناصر القوة المتاحه له لأسباب كثيرة منها تحكم إسرائيل في الموارد الطبيعية، ولا يمكن تجاهل أيضا عوامل الفساد والأزدواجية، والإنفاق الحكومي الكبير والبيروقراطية الإدارية المتخمة، ومن مظاهر التحول أيضا التي لم يستوعبها النظام السياسي الفلسطيني عدم قدرته على التعامل والتكيف مع ظاهرتين سياسيتين كان يمكن أن تجعل النظام السياسي الفلسطيني أكثر ديموقراطية، ظاهرة تطور مؤسسات المجتمع المدني والتي بدلا من أن تساهم في البناء الديموقراطي وتقلل من تغول النظام السياسي الفلسطيني الذي طغت عليه الأساليب الأمنية والعسكرية على المدنية، فتحول البناء المدني لحالة مترهلة تابعة، والظاهرة الثانية التعددية الحزبية المتنافسة والمتناقضة في رؤاها السياسية وخصوصا بين حركتي حماس وفتح، وبدلا من إستيعاب وإحتواء هذه القوى السياسية في إطار من نظام سياسي ملزم للجميع ومن خلاله تساهم وتشارك كل منها في صناعة القرار، خلقت كلها نظامها السياسي الخاص، وهذا قد يكون احد اهم أسباب فشل عملية المصالحة، والتي تكمن في فشل الخيار البنيوي...
فأصبحت لحماس بنية سياسية كاملة غير قادرة أن تقبل بما هو قائم، والنظام السياسي القائم لا يسمح بإستيعاب وإحتواء كل الفصائل والقوى السياسية في إطار من نظام سياسي الكل يشارك ويساهم فيه، ويشعر انه احد مكوناته. ولقد توفرت هذه الفرصة السياسية التاريخية بعد نجاح الانتخابات الفلسطينية التشريعية عام 2007 التي فازت فيها حماس، ويسجل للرئيس عباس تقبله نقل السلطة، وبدلا من ان تكون هذه الإنتخابات هي البدايه لبناء النظام السياسي الديموقراطي الفاعل، يبدو ان كل من حماس وفتح لم تتخلص من تصوراتهما ومدركاتهما السياسية، فحماس لم تبد إستعدادا كافيا للقبول بنظام سياسي تعددي والقبول بالتحول من نظام احادي تسيطر عليه لنظام أكثر تعددية، وحماس وهنا تكمن خطورة الفوز في الإنتخابات انها تعاملت مع الانتخابات لمرة واحدة وكان هدفها كيف يمكن أن تصبح هي القوة المسيطرة والمهيمنة، ولهذا لا يمكن لي أن أستبعد ان أحد اهداف سيطرتها على السلطة التي هي جزء منها هو التحول بغزة من بنية إنقسام إلى بنية مستقلة تكون النواة لحركة حماس، ولحركة الأخوان وهنا تأتي التغيرات الخارجية على المتغير الفلسطيني، وهذا يفسر لنا فشل التجربة السياسية الفلسطينية، وفشل الكل في تحقيق خياراته. 
إذن الأزمة هنا مركبه أزمة بناء سياسي، وأزمة تصورات ومدركات سياسية وبدون التغلب على هاتين الأزمتين لا أعتقد اننا سننجح في إنهاء المصالحة نحو بناء نظام سياسي ديموقراطي تشاركي، وبسبب هذه الأزمة توالدت العديد من الأزمات، وبرزت لدينا العديد من الأزمات السياسية كأزمة الشرعية والثقة السياسية، وأزمات إقتصادية كالفقر والبطالة، وعدم القدرة على بناء إقتصاد مقاوم، وأزمات إدارية بالتخمة الوظيفية التي تلتهم كل الموارد المالية، وأزمات ذات طبيعة امنية عسكرية بإضفاء طابع الهيمنة والغلبة لهذه المؤسسات مما يضعف القرار السياسي المدني، وأزمات ذات طبيعة إجتماعية تتمثل في الإنقسام المجتمعي، وأزمات ذات طبيعة ثقافية بإنتشار ثقافة العنف والتشدد والتطرف، وأزمات برامجية سياسية وأيدولوجية تتمثل في تصور كل فصيل ان خياراته وأيدولوجيته وعقيدته السياسية هي الأفضل والأمثل، كل هذا في النهاية سيولد أزمة خيارات معقدة، وستفشل كل الخيارات السياسية وخيارات المقاومة في خيار ناجح يحتاج لبيئة سياسية فاعلة قادرة على التكيف والإستجابة، وانها بدون بناء النظام السياسي الفلسطيني، وبدون إجراء الانتخابات وتجديد شرعية المنظومة السياسية القائمة سنبقى بعيدين عن خيار إنهاء الإحتلال وقيام الدولة.