الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

يا معشر المعتمرين انظروا في فقه الاولويات؟؟!!

نشر بتاريخ: 15/01/2019 ( آخر تحديث: 15/01/2019 الساعة: 11:30 )

الكاتب: وليد الهودلي

بعيدا عن السياسة وأين يذهب حصاد رسوم العمرة، الى هذه الالوف المؤلفة التي تنطلق من فلسطين المنكوبة الى الديار الحجازية لاداء العمرة وأغلبهم في رصيده عدة عمرات وتستهويه هذه الرحلة، فاذا كان الاجر هدفه فهل فكّر أيهما أكثر أجرا؟: تفريج كربة عائلة لا تجد ثمن جرّة غاز أو طالب علم على حافة الطرد من الجامعة لتراكم الاقساط عليه أو لربّ بيت مهدد بقطع الماء او الكهرباء او كليهما أو غارم قد أثقلته ديونه ، أو أرملة تعيل أيتاما ولا تجد ما يسد احتياجاتهم الاساسية أو أو .....
ذكر الناطق الرسمي لسلطات الاحتلال أن عشرة الاف معتمر غادروا الضفة الغربية هذا الموسم، لنحذف منهم المعتمرين اول مرة يبقى ثمانية الاف، تكلفة المعتمر الواحد 600 دينار فلو قسمنها على الف دينار معدل الاقساط السنوية لطالب الجامعة، بهذا المبلغ ندفع عن 4800 طالب أقساطهم الجامعية. اذا لا يبقى طالب فقير دون ان ندفع عنه ونفرج كربته وكربة أهله بدل رحلة يتم الوصول الى عكس مرادها هذه الايام ! كيف ذلك ؟؟
الهدف من العمرة زيارة المكان الذي تم فيه تحرير العرب من عبادة الاصنام الى عبادة الله، والدوران حول فلك واحد وهو الكعبة كتدريب عملي على الدوران حول أفكار الرسالة السماوية التي تسمو بروح الانسان وترتفع بقيمه وأخلاقه وأفكاره وأهدافه. أما العمره هذه الايام فإن الدول التي يمر من خلال بواباتها المعتمر فإنها تقوم بتدجينه وترويضه وتمارس عليه طقوسها واجراءاتها التي من شأنها أن تجعل منه طيّعا ليّنا لا يخرج قيد أنملة عن سياساتها وتغريداتها التي لا تخرج عن هوى المستعمر في بلادها، على المعتمر أن يمشي دربهم وأن يغرد داخل سربهم وأن يحاذر من أية كلمة أو همسة فهو محاط بعسسهم الذين يسمعون ما توسوس به نفسه، يشعر المعتمر اذا دخل ديار دولة يمر من خلالها أن عليه أن ينحني لصنمها وأن يراعي تعاليم ربها وأن يمسك لسانه جيدا ويلتزم بدرب الاستبداد والاستضعاف والاستحمار، هذا اذا أحب أن يعود الى أهله سالما غانما ..
عن أية عمرة يتحدثون وهي التي كانت في الاصل كي تحرر الانسان وتجعل منه عبدا خالصا لله فإذا بها تسهم في جعله عبدا ذليلا لسياسات أرذل خلق الله دون أن يتمكن من التفوه بكلمة لا تروق لهم في مكان جُعل لتحرير العباد من كل أشكال الاصنام.
نعود الى أولويات الانفاق بعيدا عن السياسة التي لا نستطيع البعد عنها ولا هي تبتعد عنا أبدا، فقد ورد في الاثر أن عبد الله بن المبارك الذي كان مع تلامذته في الطريق الى الحج فوجدوا فتاة معدمة تبحث في مزبلة ما يطعم اخوتها الايتام.. فدفع لها ما معه وامر تلامذته بذات الفعل، ثم قفل راجعا وقال لهم : لقد أدركتم الحج هذا العام (حج وليس عمرة) وكان بامكان هذا العالم الجليل ان يتصدق ببعض ماله وان يطلب من تلامذته ذات الفعل فتعود الفتاة بما يسد حاجتها ويستمر النفر الصالح في طريقه الى الحج مزهوّين بما فعلوا، الامر يختلف عند من يدرك فقه الاولويات فالصدقة تحرير لذات المتصدق من هواها وشحها وتحرير للمتصدق عليه من آفات الفقر والعوز والارتهان للمستكبرين .. بينما أداء العمرة تحرير لذات المعتمر هذا عندما بالفعل يعيش لحظات التحرر التعبدية في منشأ حرية الانسان مهد الدين الاسلامي لا ما هو عليه واقع الحال .
لو صعد اليوم عالم معروف بسعة علمه في دين الله لحافلة تقل معتمرين وعرض عليهم قائمة طلبة جامعة من الذين أثقلتهم الاقساط، وشرح لهم فقه الاولويات في الاسلام ثم قال لهم أدركوا عمرتكم بتسديد هذه الاقساط وحرروا أنفسكم من عمرة منزوعة الحرية والعبادة التي أمر الله بها؟؟ كم من الناس من يفقه فقه الاولويات وفقه العبادة ؟! أستذكر قول الامام علي : لا خير في صلاة لا فقه فيها ولا خير في تلاوة لا تدبر فيها .