الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

هامش المرحلة

نشر بتاريخ: 16/01/2019 ( آخر تحديث: 16/01/2019 الساعة: 12:04 )

الكاتب: بهاء رحال

لكل مرحلة هوامش، وبعض الهوامش فيها النجاة، حين يكون المتن غير قادر على مواجهة المرحلة وتحدياتها الجسام، وحين تكون الحلول بعيدة أو مستحيلة، وحين يكون الظرف العام الوطني والاقليمي والدولي معقد، وهذه حالة يلجأ إليها الساسة لكي يجتازوا أفخاخ المرحلة، ويتجاوزا سقطات المرحلة المحاطة بكل أسباب الهبوط.
الحل في الهوامش، هامش الحوارات العقيمة والعميقة، السهلة والصعبة والممتنعة، وهامش المصالحة الوطنية والموقف الوطني، وهامش المفاوضات السياسية والتفاهمات المرحلية، وهامش الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهامش حكومة الوفاق، وهامش الحرية الشخصية، وهامش الأحزاب السياسية والحركات الوطنية والاسلامية، وهامش المحللين والسياسيين والمفكرين والناطقين، وهامش الهواة الضالعين، ففي الهوامش تسكن الحقيقة، وفيها مساحة متعافية من محاذير المتن الذي لا يحتمل الخطأ، ولا يحتمل السقوط، وغير قابل للاجتهاد. ولهذا نجد غالبية المحللين والسياسيين يرتاحون لهذه المساحة الواسعة التي تحتمل كل فرضيات الاجتهاد، ويكثر فيها التأويل، ولكن البعض لا يتخذها خطاً منهجياً واضحاً على أساس وطني واضح، ليعطي في النهاية حلولاً تحظى بالإجماع، بل يلهو في هذه المنطقة بأفكاره من باب المزايدة وتأجيج الخلاف، وهذا أمر خطير.
الحل في الهامش، لأنها منطقة الحراك الدائم، وعصف الأفكار، ومنطقة الاجتهاد التي تحتمل الخطأ والصواب، وهي مساحة حرة تخرج صاحبها من الحرج، ولكن الخطورة تكمن فيها أيضاً، إذ أنها قد تنسحب لفترات طويلة، وتمتد لأزمنة وعقود، الأمر الذي قد يدخلها في مرحلة الهامش، وهنا تكمن الخطورة، فبين مرحلة الهامش وهامش المرحلة فرق كبير، وهذا ما لا يفرقه البعض، وبالتالي فإن عدم الانتباه للأمر قد يدفع القضية برمتها إلى الهامش، وتجعلها تغرق في متاهات وعقد ودهاليز غير واضحة وغير مفهومة، وتسيطر مرحلة الهامش على هامش المرحلة، وتضيع أحلام، وتسقط مبادئ، وتمرر خطط، ويزداد السقوط، وتكثر الفتن، وتتعرى الأفكار، وينتفي المتن، وندخل في التمني، وتسيطر علينا أفكار الهزيمة والضعف، ونتوه في النفق المظلم، وتتخربش المواقف، وتضعف الهمم وهذا الأمر مقلق ويدفعنا لكي نقرع الجرس، وأن لا تطول المرحلة لأكثر مما هو ممكن، لعل وعسى تتوقف السجالات والخلافات.
هامش المرحلة ضروري، ومما لا شك فيه أن الهامش يعطي مساحة حرة في البحث عن حلول مبتكرة وجديدة وخلاقة، وأنه يدفع عجلة الاجتهاد دون أن يصيب العصب الأساسي والمتن المجمع عليه وطنياً والضامن للحفاظ على الثوابت والحقوق، وهو يتكفيل باستخلاص العبر والتجارب المثارة على الهامش، ولكن حذاري من مرحلة الهامش، وأن نتوه بين هامش المرحلة ومرحلة الهامش، خاصة ونحن نعيش ظرفاً معقداً تسعى في الولايات المتحدة الأمريكية وإدارة ترامب لجعل القضية الفلسطينية قضية هامشية في مسألة الصراع، بل إن ترامب يذهب لتجاهل القضية برمتها عبر خطته المسماة بصفقة القرن، وهو يسعى بكل جهد لطرحها. المؤسف أن هذا التلاقي الإسرائيلي الأمريكي يأتي متزامناً مع حالة الضعف والترهل العربي، وحالة التشرذم الحاصلة في المنطقة، إضافة إلى سيطرة الانقسام الفلسطيني الذي يتعمق ويبتعد عن حالة الوحدة والوفاق الوطني المنشود.