الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الصين المعجزة ... تقول وتفعل

نشر بتاريخ: 20/01/2019 ( آخر تحديث: 20/01/2019 الساعة: 18:34 )

الكاتب: بسام زكارنه

عضو المجلس الثوري لحركة فتح
تعتبر الصين ممن يمتلك اقدم الحضارات، والصين قدمت اربع اختراعات عظيمة قديما وهي البوصلة والبارود وصناعة الورق والطباعة وانتقلت هذه الاختراعات للعالم، ونشأت الحضارة الصينية عبر قرى النهر الأصفر ونهر يانغتزي ويقال ان البحر الأصفر هو مهد الحضارة الصينية، وقد تطورت حضارة الصين في تاريخ مملكة التشو( ١٠٤٥-٢٥٦ قبل الميلاد)، وعاشت الصين تحت حكم إمبراطوري اكثر من ألفي عام وانقطاع كامل عن العالم الخارجي ترك ارث من التخلف والجهل.
وإذا اردنا التحدث عن التجربة التنموية للصين لا بد ان نذكر ان انها تاخرت عن العالم بسبب الأنظمة التي حكمت الصين والتي جعلتها اسيرة الجهل والفقر والتخلف مما جعلها مطمع للقوى الاستعمارية مثل بريطانيا والبرتغال واليابان وكان حتميا عليهم خلق ثورة للتغلب على الواقع المر والفقر المتقع، والشعب الذي جرب عدة أنظمة وجد بالاشتراكية النظام الأنسب الذي يتوافق مع حاجة الشعب الصيني المثقل بالهموم والجراح العميقة من الفقر والجهل .
قادة الثورة ومن خلال المسيرة الكبرى عام ١٩٣٤ كانت لهم فرصة للاختلاط بكل مكونات وطبقات الشعب الصيني وجدوا ان ٩٠٪؜ من الشعب الصيني فلاحين فكانوا هم عماد الثورة وقياداتها ، انطلقت المسيرة الكبرى من الجنوب باتجاه الشمال للجيش الأحمر للحفاظ على نفسه لتضليل مطاردة جيش حزب الصين الوطني حوالي ٨٠٠٠ ميل ، استمرت المسيرة الكبرى عام تقريبا لم يتبقى من ١٠٠٠٠٠ الف شخص شاركوا فيها سوى النصف تقريبا وأعادوا تجميع صفوفهم ضد الكومنتانغ حتى عام ١٩٣٧ حيث أعلنت الهدنة في سبيل محاربة العدو المشترك اليابان ، وتقدم القيادة آنذاك الزعيم الأممي ماوتسي تونغ .
التجربة الصينية تحتاج مجلدات للخوض في تفاصيلها لكن نريد ان ناخذ خلاصة منها انها اعتمدت على العقل المتفتح تحت شعارهم " ليس مهما لون القط وإنما المهم انه يصطاد الفئران" لذلك بدؤا إعطاء الاشتراكية صبغتها الصينية من خلال ان الفلاحين هم عمادها وليس العمال وكذلك في مراحل متقدمة استوعبوا الراسماليين ضمن الحزب الشيوعي حيث شكلوا تقريبا ٢٠٪؜ من أعضاء المؤتمر التاسع عشر ، حيث بدأت المراحل متناغمة وفق العقول المتفتحة التي كانت تتعرف على العقبات والثغرات وتعالجها وفق نظريات جديدة تنسجم مع واقع الصين ، بدؤا مرحلة البناء الاشتراكي المركزي ( ١٩٤٩- ١٩٧٨) وثم مرحلة الإصلاح والانفتاح في عام ١٩٧٨ وحتى يومنا هذا بنظرية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية التي يقودها الزعيم شي حي بينغ .
في كل مراحل الإصلاح والانفتاح الحزب الشيوعي هو الحزب القائد دون اي مزاحمة بل التفاف شعبي كامل وبوجود ثمانية احزاب تسير وفق ذلك ، وتشارك الحزب في المشاورات والتوصيات فقط دون تدخل في القرارات التي تنتج عن ذلك ، وفق وحدة وطنية راسخة .
الصين الذي بلغ عدد سكانه مليار واربعمائة مليون نسمة وتضم ٢٢ محافظة ومساحة ارض تسعة ونصف مليون كيلو متر مربع بالاضافة لمقاطعة تايوان وخمسة أقاليم تحت الحكم الذاتي وفيها ٥٦ قومية اندمجت تحت حزب واحد من اجل تقدم ونهضة جمهورية الصين لتعالج مشاكلها وتضاهي دول العالم متغلبتا على كل هذه العقبات الكبيرة .
الحزب الشيوعي تسلم البلاد منهكة مدمرة من العدوان الخارجي والفقر لكن إرادة التغير والنهوض كانت بوصلتهم منذ انطلاقتهم فقد وضعوا خطة تنموية استراتيجية من ثلاث مراحل وتم تحديد ٧٠ عام على لتنفيذها تبدء بتوفير الغذاء والكساء لكافة السكان والثانية مضاعفة الناتج المحلي أربعة أضعاف في نهاية القرن العشرين والخطوة الثالثة زيادة معدل دخل الفرد حتى عام ٢٠٥٠ وتحقيق الرفاهية للشعب ، ونقول الان ان القول ( الخطة) تبعه الفعل ( التنفيذ) للمرحلتين الاولى والثانية وجازمين من القضاء على الفقر عام ٢٠٣٥ وتحقيق الرفاهية عام ٢٠٥٠ .
الخلاف مع النموذج السوفياتي كان بتحالف الطبقات فقط بدل التناقض بينها ، ولكن الصين جعلت من هذه الفرعيات والمعيقات والتناقضات بين الطبقات نقاط قوة حيث نفذت الصين رؤيتها بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي لتحويل البلاد من بلد زراعي الى بلد صناعي وفق دعم الاتحاد السوفياتي الا انها واجهت مشاكل بسبب الواقع الصيني مما جعل قيادات الحزب في الصين لتعديلات في الخطة الخمسية الثانية بصبغة صينية وتحت شعار الاعتماد على الذات والغاء معظم الاتفاقيات مع الاتحاد السوفياتي والذي بدوره اوقف المعونات عن الصين ، وانطلقت الخطة من خلال خلق توازن بين الصناعة والزراعة وإنتاج الحرف اليدوية وتعزيز البحوث العلمية وتطوير نظام الملكية الجماعية .
بهذا نختصر ونقول الصين وخلال عشر سنوات انتقل من المرتبة ٢٦ مثلا في انتاج الفولاذ الى المرتبة ٧ عالميا وهذا ينطبق على عدة محاور حيث سارت الخطط وفق ما هو مرسوم لها من الحزب رغم عدم تحقيق تنمية وبعد ذلك بدأت الصين بخطة الإصلاح والانفتاح منذ العام ١٩٧٨ بدأت من المدن الساحلية ( تشوهاي، وشانتو، شنتشن) في جنوب الصين واستمرت لتشمل عدد اخر من المدن وتم تعزيزها من الحزب بانظمة وقوانين مساعدة من تشجيع الاستثمار وإعطاء صلاحيات لمناطق الحكم الذاتي وتوظيف الاستثمارات الأجنبية لخدمة الاقتصاد القومي وإقامة صناعات تخدم الدفاع الوطني وتسليح الجيش ودعم البحث العلمي والتكنولوجيا وتحديد النسل بطفل واحد لكل عائلة.
الصين تمسكت بطريق الاشتراكية معتمدة على النظريات والممارسة حيث ان الحزب يتخذ من الماركسية اللينينية وافكار ماوتسي تونغ ونظرية دنغ بينغ للإصلاح والانفتاح وافكار التمثيلات الثلاث وأخيرا افكار الزعيم الحالي وأمين عام الحزب شي جين بينغ والتي حققت نتائجها وفق ما خطط الحزب حيث تجاوز ما يقارب الان ٧٠٠ مليون إنسان كانوا تحت خط الفقر اصبح لديهم دخل وسكن وعمل دائم وبالعكس ساهموا في التطوير والتقدم الحاصل فقد زرنا تجمعات سكانية في عدة محافظات تم إحضارهم من الجحور في الحبال ومنحهم السكن اللائق بمشاركات زهيدة وفق قدراتهم وخلق فرص عمل لهم فأصبحوا منتجين ويعيشوا حياة كريمة وبهذا تنتقل سياسة الإصلاح من المدن الى القرى والريف تدريجيا وفق ما خطط له ولمسناه بزيارتنا لهذه القرى .
وما لمسته من تطور وتقدم في جمهورية الصين كان وفق خططهم وبرامجهم المعدة مسبقا فلم تكن النتائج فقط ناجحة وعشوائية ، بل تجاوزت النتائج المرجوة بشكل كبير نتيجة التربية الخالصة لابناء الحزب والإخلاص الانتماء المنقطع النظير وانتشار المدارس الحزبية للقيادات في مختلف المناطق والتي تقوم بتاهيلهم بشكل علمي متقدم ونشرهم بين أفراد المجتمع ليقوموا بتنفيذ المهام وفق الخطط الخمسية والاستراتيجية التي قررها الحزب .
ان تعايش الطبقات الثلاث الفلاحين والعمال والرأسماليين واتفاقهم على مركزية الحزب الشيوعي في الادارة والإشراف جعلت التكامل الشامل للنهضة والنمو والتنمية بافضل حالاتها وتلاشي الصراع الطبقي بينهم وإجراء التعديلات اللازمة على الدستور وفق قرارات الموتمر الثامن عشر والتاسع عشر للحزب ووفق نظرية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية التي تعتمد على ثلاثة ركائز الطريق ، و منظومة النظريات ، والنظرية الاشتراكية والتي تحكم الممارسات للحزب وقياداته فالطريق تعني التمسك بقيادة الحزب في كل المجالات وفق واقع الصين ، وبناء الصين كبلد ديمقراطي حديث غني واشتراكي وتحقيق التنمية والرخاء للجميع تدريجيا والركيزة الثانية تتمثل بالتمثيلات الثلاثة والتمسك بأساسيات النظام السياسي القائم على منظومة متكاملة من مجالس الشعب مرورا بالتشاور والتنسيق مع الأحزاب الاخرى تحت قيادة الحزب الشيوعي وانتهاء بنظام الحكم الذاتي في الأقاليم والقاعدة ، وتكون الركيزة الثالثة الاشتراكية المرشد للعمل والتمسك بالمبادئ وفق الواقع الصيني .
بعد مجموع الخطط الخمسية نجحت الصين حتى نهاية القرن العشرين بتقليص الفقر لنسبة عالية جدا مكن الصين من تحقيق إنجاز تاريخي ومن تصدرها قائمة الدول الأسرع نموا في العالم وبهذا تساهم بتحقيق التنمية داخليا وخارجيا وهذا يبشرنا ان الصين رمز العدالة والسلام ستتصدر العالم بأوضاعها السياسية والاقتصادية .
بلغة الأرقام حققت الصين اسرع اقتصاد نموا في العالم وأكبر مصدرة في العالم وثاني اكبر مستورد للبضائع ونما الاقتصاد المعتمد على الاستثمار والتصدير ٧٠ مره وارتفع الناتج المحلي عام ٢٠١٧ مثلا الى ١٢ تريليون دولار ومعدل مساهمة الصين في النمو الاقتصادي العالمي حوالي ٣٠٪؜ وبلغ احتياطي الصين من النقد الأجنبي ٣ تريليون دولار وتهيمن الصين على الصناعات الاستراتيجية مثل الطاقة والصناعات الثقيلة وأربع من اكبر عشر شركات في العالم صينية وهناك العديد من الأرقام التي تثبت التصور والنمو والتنمية المعجزة بنظر كل المراقبين كله نتيجة الرؤيا الثاقبة لقيادات الحزب وزعيمها شي جي بينغ .
مما سبق يتبين لنا ان الصين تقول وتفعل ، واقتصاد السوق الاشتراكي نموذج ناجح تفوق عالميا تم باليات راسمالية وفق شعارهم " لا يهم لون القط طالما يصطاد فئران ووفق نظرية زعيمها "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية" والتفاف الشعب حول حزبها الرائد الحزب الشيوعي الصيني.
فلسطين تفخر بصداقتها للمارد الصيني وتسعد بتقدمها وتطورها بقيادة الحزب الشيوعي الصيني والذي اعلن في كل المراحل وقوفه مع الحق الفلسطيني في إقامة دولته وفق قرارات ممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطيني ، وقدم للثورة الدعم المادي والتدريب لقادته وافتتح ثاني مكتب لمنظمة التحرير في بكين وأول من استقبل قادة منظمة التحرير الفلسطينية والتي تفخر بوقوفها بزعامة الرمز ابو عمار وجمهورية مصر بقوة لعضويتها الدائمة في مجلس الامن.