الأربعاء: 17/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مواجهة المسيحية الصهيونية بالمسيحية الفلسطينية

نشر بتاريخ: 20/01/2019 ( آخر تحديث: 20/01/2019 الساعة: 21:19 )

الكاتب: سامر سلامه

منذ تولي الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2001 أخذنا نسمع بشكل كبير عما بات يعرف بما يسمى بالمسيحية الصهيونية في إشارة إلى الجماعات المسيحية اليمينية المتشددة التي تدعم إسرائيل بشكل كامل. 
ويعتقد الكثير منا في فلسطين أن هذه الجماعات هي مسيحية تأثرت بشكل كبير بالرواية الصهيونية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي لذلك تعمل هذه الجماعات على تقديم الدعم السياسي والمالي لإسرائيل بلا حدود. في حين لا يعرف الكثير منا في فلسطين تاريخ هذه الجماعات ومعتقداتها المرتبطة بإسرائيل. فهذه الجماعات هي جماعات غير مرتبطة بأي من الكنائس المسيحية المنحدرة عن رسل السيد المسيح وخاصة الكاثوليكية والأورثوذوكسية وإنما هي جماعات إنشقت عن الكنيسة البروتستنطية وأخذت تفسر الكتاب المقدس دون مرجعيات معروفة لا بل تعدت ذلك برجوعها إلى العهد القديم بشكل أكبر من العهد الجديد. فقد تأصلت في معتقدات تلك الجماعات بأن أهم شرط لعودة السيد المسيح مرتبطة بعودة اليهود إلى أرض فلسطين وإنتشارهم بها. فهذا المعتقد يستند إلى نبؤات في العهد القديم ولا يوجد لها أي أثر في العهد الجديد. لذلك نرى أن تلك الجماعات هي التي تقدم الدعم السخي لبناء المستوطنات في الضفة الغربية لمساعدة اليهود على الإنتشار في جميع الأراضي الفلسطينية ليتحقق الشرط الذي يجب أن يتوفر لعودة المسيح الثانية بحسب إعتقادهم. وقد إستغلت الحركة الصهيونية هذه المعتقدات المزيفة لتلك الجماعات لتحقيق مكاسب سياسية وتنفيذ مختطاتها بالتوسع الإستيطاني في جميع المناطق الفلسطينية. فبعيدا عن الخوض في عمق هذه المعتقدات وجذورها وخاصة أنها تستند إلى أفكار لاهوتية ليست بالجديدة فإننا هنا نتسائل كيف نواجه هذا التحدي الكبير وخاصة أن معظم رؤساء الولايات المتحدة بمن فيهم الرئيس الحالي دونالد ترامب يؤمنون بهذه المعتقدات وينتمون إلى تلك الجماعات المتصهينة؟
إنني أعتقد أنه علينا مواجهة هذه المعتقدات وهذه الجماعات باللاهوت الفلسطيني هذا اللاهوت الذي يستند إلى تعاليم الرسل والكنيسة الأم. فالأغلبية الساحقة من المسيحيين في العالم هم من أتباع الكنيسة الكاثوليكية والأروثوذكسية والبروتستنطية التي لا تؤمن بهذه المعتقدات. لا بل تعبر هذه الكنائس بشكل واضح وصريح أن الإستعمار اليهودي لأرض فلسطين مخالف تماما لإرادة الله. إذ لا يجوز ومن غير المقبول أن يتم تبرير إحتلال أرض فلسطين وتهجير أبنائها من مسلمين ومسيحيين وإحلال شعب آخر مكانه بحجج دينية وإستنادا لنبؤات قد تحققت أصلا بقدوم السيد المسيح قبل ألفي عام وفقا للإيمان المسيحي الحقيقي.
فمنذ إغتصاب فلسطين وتشريد أهلها في العام 1948 قام العديد من أبناء فلسطين المسيحيين المنتمين إلى كنيسة القدس أم الكنائس بالعمل على دحض الرواية الصهيونية ومجابهة ما يسمى بالمسيحية الصهيونية بالحجج والبراهين اللاهوتية إلا أنه وللأسف لم يتم دعم هذه المبادرات والإلتفاف حولها على المستوى الوطني مما جعلها مبادرات ذاتية شخصية لا يتعدى تأثيرها إطار ومساحة علاقات الشخص الفردية وهنا أذكر على سبيل المثال لا الحصر مبادرة الدكتور الراحل جريس خوري مؤسس ومدير مركز اللقاء في بيت لحم وكتابه الذي نشر إبان الإنتفاضة الأولى وأخذ عنوان إنتفاضة السماء وإنتفاضة الأرض. فقد أبدع الدكتور خوري في تفنيد الرواية الصهيونية لاهوتيا ودحضها بالحجج والبراهين من الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد. فهذا الكتاب وهذه الرواية اللاهوتية الفلسطينية لم يتم التعامل معها بجدية ولم يتم تبنيها شعبيا أو وطنيا لنشرها على أوسع نطاق لا بل بقي كتاب الدكتور خوري في الأدراج طي النسيان لا يعلم به سوى نخبه صغيرة من أصدقائه وأصدقاء مركز اللقاء.
ومبادرة ثانية قام بها الدكتور القس نعيم عتيق بتأسيس مركز السبيل للاهوت التحرر في القدس هذا المركز الذي أخذ على عاتقه منذ تأسيسه في العام 1990 لنشر اللاهوت الفلسطيني عبر كنائس العالم من خلال المؤتمرات الدولية التي يعقدها بشكل سنوي والندوات المحلية والدولية وتنظيم الزيارات لأعضاء ومسؤولي الكنائس في العالم لفلسطين للإطلاع على معاناة الشعب الفلسطيني بأم العين. فقد عمل مركز السبيل على نشر الرواية الفلسطينية بعمقها اللاهوتي إلى كنائس العالم التي كان لها أكبر الأثر في تغيير نظرة العديد من الكنائس للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فمركز السبيل بحاجة إلى الدعم المعنوي والمالي إلا أنه ترك ايضا يصارع لوحده في سبيل البقاء.
ومن أحدث المبادرات هي كايروس فلسطين التي قادها وأسس لها البطريرك ميشيل صباح والمطران عطاالله حنا مع عدد من رجال الدين الفلسطينيين من جميع الكنائس وبعض العلمانيين. وقد صدر عن مبادرة كايروس فلسطين وثيقة لاهوتية هامة بعنوان "وقفة حق" والتي تعبر بشكل أو بآخر عن الصوت المسيحي الفلسطيني الذي ينظر للإحتلال الإسرائيلي على أنه إحتلال يتناقض وإرادة الله. وتعبر وقفة حق بشكل واضح عن رفض المسيحيين الفلسطينيين لتبرير إسرائيل لإحتلالها للأرض الفلسطينية بإسم الله وبإسم الكتب المقدسة. فكايروس فلسطين بحاجة أيضا لإلتفاف أوسع وأقوى حوله لأداء رسالته وتأمين إستمراريته.
كل هذه المبادرات وغيرها أيضا لم يتم الإلتفاف حولها ودعمها شعبيا أو وطنيا أو رسميا الأمر الذي أضعف تأثيرها في الوقت الذي تلتف إسرائيل والولايات المتحدة حول الجماعات المسيحية المتصهينة مما زاد من تأثيرها في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى مثل بريطانيا وألمانيا والبرازيل وغيرها.
إنني أعتقد أنه حان الوقت لتأطير كافة المبادرات المسيحية الفلسطينية التي تشكل رأس حربه في فضح الإحتلال وداعميه من منطلق لاهوتي أصيل. فهذه المبادرات هي القادرة على مواجهة الفكر الصهيوني والتفسيرات اللاهوتية الشاذة التي تبرر الإحتلال والإستيطان دينيا ولاهوتيا. فإن إنشاء وحدة خاصة ومتخصصة باللاهوت الفلسطيني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية أصبح ضرورة ملحة لمواجهة الفكر اليميني المتشدد في الغرب ومواجهة صفقة القرن المرتبطة بها.