الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الرؤيا الاستراتيجية للفصائل الفلسطينية

نشر بتاريخ: 11/02/2019 ( آخر تحديث: 11/02/2019 الساعة: 14:02 )

الكاتب: د. هاني العقاد

قد يكون لقاء الفصائل الفلسطينية في موسكو مناسبة تستطيع وزارة الخارجية الروسية من خلالها وقف حالة النزف الوطني التي تنذر بتدمير شامل للمشروع الوطني الفلسطينيني وتستطيع الفصائل التقاط الرسائل وفهمها استراتيجيا.. لعل وعسى يتعقل الفلسطينيون بعد هذا الحوار ويعودون للحضن الوطني ويكف البعض عن الجنوح باتجاه مشاريع الخسارة والضياع التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية وتساهم الاموال العربية في تمريرها... 
ولعل اللقاء الذي يجري في موسكو بمبادرة من وزارة الخاريجة الروسية سببه ان موسكو تدرك انه يجب ان يكون لها دور مركزي في القضية الفلسطينية ينطلق من البدء في قيادة حوارات تهدف لبناء رؤيا استراتيجية وطنية شاملة للفصائل الفلسطينية جمعاء بما فيها فتح وحماس، ولن يكون ذلك متاحا الا اذا تحققت الوحدة الوطنية الفلسطينية ولن تنجح موسكو الا اذا نجحت في الدفع باتجاه قبول تطبيق اتفاقات المصالحة الفلسطينية التي عقدت في اكثر من عاصمة عربية واخرها اتفاق القاهرة سبتمبر 2017 الذي توقف ولم يستكمل لادراك حماس انها لن تجني اي مرابح من وراء ذلك وسوف تصطف مع باقي الفصائل الفلسطينينة بعيدا عن اي صلاحيات سلوطية في النهاية وهذا ما لا يمكن ان تقبله قيادة الحركة باي شكل من الاشكال.
الانقسام الفلسطيني دمر اول ما دمر استراتيجية العمل الوطني الشامل وبالتالي خلق اكثر من وجهة نظر ورؤيا حزبية خاصة قد تتغير اذا ما تغير الراعي والداعم لهذا الفصيل او تلك الحركة، فلا استراتيجية عمل وطني لاي فصيل بعيدا عن المجموع الوطني ومن يعتقد انه يتملك استراتيجية شاملة للعمل الوطني التحرري فانه يعيش وهم القبيلة التي تعتقد انها تحمي القبائل التي تعيش في كنفها...
ومع تدمير استراتيجية العمل الوطني الشاملة باتت الفصائل الفلسطينية بلا استراتيجية حقيقية سوي اهداف الحزب السياسي او الحركة التي يعتقد اصحابها انها تنمو وتتطور دون ان يضعوا ذلك على مسطرة المعاير الوطنية الشاملة. عندما دمر الانقسام استراتيجية العمل الوطني دمر الانسان الفلسطيني لانه جزء من هذه الاستراتيجية، دمر مكوناته الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والوطنية وهذا ما كان الاحتلال الاسرائيلي يريد تحقيقه على مدار عقود الصراع المختلفة لكنه فشل الى ان حدث الانقسام وجاء له على طبق من ذهب وحقق له ما كان يحلم بتحقيقه وفشل بسبب وحدانية العمل الوطني واستراتيجية النضال الوطني التي اجمع عليها الفلسطينيون في مرحلة ما قبل السلطة. 
لا اعتقد ان ينقذ الفلسطينيون استراتيجية عملهم الوطني من الدمار المستمر ويتفقوا على ممثل شرعي واحد وسلطة واحدة ومسيرة تحرر واحدة واهداف وطنية واحدة وادوات واحدة يحققوا بها تلك الاهداف وانسان فلسطيني واحد لان الانسان الفلسطيني لم يعد واحدا....! فقد يقاس الانسان الوطني بمدى انتمائه الوطني والتفاني في خدمة اهدافه الوطنية التحررية وانهاء الاحتلال فالانسان الفلسطيني بات مختلفا عن الماضي.. فبعد ان كان يناضل من اجل الوطن والحرية اصبح يناضل فقط من اجل العيش والنجاة بنفسه واولاده في ظل الحصار الاقتصادي والسياسي الشامل الذي يتعرض له في غزة بسبب الانقسام وعدم رغبة البعض العمل تحت راية واحدة مع الكل لبناء رؤيا استراتيجية للعمل الوطني الشامل.....
حاولت بعض الفصائل في غزة العمل حسب رؤيا ذاتية وبالتالي حاولت التأثير على بعض الحركات وفصائل العمل الاسلامي وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في محاولة لتكوين جهة تمثيلية اخري غير منظمة التحرير الفلسطينية لها استراتيجيه عمل وطني شامل وهذا اخطر ما وصل اليه الانقسام الفلسطيني حتى الان دون جنوح باتجاه ديموقراطي لتوحيد الثميل السياسي والوطني بل ان هذا الانقسام اصبح يعني ان سيناريو الانقسام ذاهب الى انفصال سياسي كبير قد تتولد معه بدائل لمنظمة التحرير الفلسطينية يعترف بها بعض من الدول التي ترغب في تحقيق الخطة الامريكية بالشرق الاوسط على حساب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
ما بات مهما ان يفيق من يحاول العمل باستراتيجية بديلة او حزبية او قبلية من جبل الوهم الذي يتربع عليه وينزل لقراءة صحيحة لنصائح المخلصين بالعالم واعتقد ان روسيا تقدم نصائحها للفلسطينيين دون مقابل ولا تريد ثمن مقابل ذلك لان وحدة الفلسطينيين تعني ان المشروع الامريكي اليوم في انحصار وتلاشي وفشل ذريع لانه قام على اساس التفرقة والانقسام الفلسطيني وقام على اساس تقديم الحلول لغزة اقتصاديا بعد موتها بسبب الحصار الطويل الذي فرضته اسرائيل لينتهي بقبول حماس وبعض الفصائل في غزة بهذه الحلول المرحلية لوطن اسمة دويلة غزة بعد فترة من الزمن دون باقي ارجاء الوطن ودون القدس او اللاجئين او دون اعتراف بحدود هذه الدويلة وسيادتها واستقلالها. 
لعل فشل لقاء موسكو متوقع وعودة الفلسطينيين من هناك مطأطي الرؤوس متوقع لان الوحدة الوطنية لدى بعض الفصائل ما زالت تعني مسألة ربح وخسارة وما يمكن ان تحققه الوحدة الوطنية من ثبات لتلك الفصائل حتى لو كانت على حساب المشروع الوطني... لذلك لا اعتقد ان تكون للفلسطينيين قريبا رؤيا استراتيجية شاملة يعمل الكل الفلسطيني من اجل تحقيق اهدافها واولها التحرر من الاحتلال وبناء الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني الفلسطيني والقدس العاصمة الا ان يرتقي البعض بمستوى التفكير الوطني والعمل بعيدا عن اهداف حزبية ومصلحة ذاتية...
ولعل التشاؤم في هذا الاطار يأتي من خلال تمسك كل فصيل بما لديه من اهداف ورؤى خاصة قد تتقاطع اغلبها في اطار التحرر والانعتاق من الاحتلال الاسرائيلي لكن دون وحدانية لهذه الاستراتيجية ووحدانية تمثل تلك الاستراتيجية تتحدث باسم الفلسطينيين امام العالم ويتبنى معها كل احرار العالم الدولة الفلسطينية الواحدة.

[email protected]