الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

وارسو.. جابوتنسكي.. والتحضير لما بعد المبادرة العربية للسلام

نشر بتاريخ: 16/02/2019 ( آخر تحديث: 16/02/2019 الساعة: 12:03 )

الكاتب: وليد سالم

هل تذكرون جابوتنسكي مؤسس الحركة الصهيونية التصحيحية؟. على خلاف حركة العمل الصهيونية التي ارادت تنفيذ المشروع الصهيوني وفي ذات الوقت إرسال رسائل مطمئنة ومخادعة للفلسطينيين، فقد كتب زئيف جابوتنسكي مقالة "الجدار الحديدي" عام ١٩٢٥، وفيها طرح ما مفاده مخاطبا الصهاينة: لا تعطوا أي تنازل أيا كان للعرب، ولا تعطوا حتى أي إيحاء بأي تنازل، وبدل ذلك ركزوا على بناء كيانكم المستقل القوي والرادع، وحين تستكملون ذلك، سيأتي العرب راكعين على اعتابكم مجانا وبدون أية مطالب.
هذا ما كتبه زئيف جابوتنسكي في حينه، وهو ما دار الصراع حوله مع حركة العمل التي كان من آخر تجاربها خديعة أوسلو عام ١٩٩٣ وكل ما لحقها من فشل بعد ذلك.
اليوم يأتي نتنياهو ليقول: دعونا نجرب الطريقة الأخرى التي بشر بها جابوتنسكي، وسترون العرب يأتون إلينا زاحفين على بطونهم بدون شروط مسبقة مثل حل القضية الفلسطينية مسبقا مثلا، أو مثل الطلب من الولايات المتحدة حليف اسرائيل الأكبر بأن تعلن مثلا إلغاء نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.

فهل جاء مؤتمر وارسو الأخير مصداقا لما ذهب إليه نتنياهو؟
لا تبدو الأمور عند فحص التفاصيل بدقة على هذه الشاكلة. نعم لقد استطاع الحلف الأمريكي- الاسرائيلي جمع عشرات الدول في المؤتمر، ولكن أوروبا حضرت على مستوى منخفض، وغاب الروس، وعقدوا لقاء موازيا مع تركيا وإيران في سوتشي، كما حاولوا جمع شمل الفلسطينيين بدون نجاح للأسف كما غابت تركيا وقطر كل لأسبابها.
أما العرب الذين حضروا فقد اختلفوا، فمنهم من قال بأن العدو المركزي هو اسرائيل وإجراءاتها كما برز في موقف الأردن، ومنها من جاء ليشارك الحلف الأمريكي - الاسرائيلي الموقف ضد إيران التي أخذت برأيهم مكان اسرائيل كعدو أول للعرب، وهذه هي دول الخليج.
مع ذلك فإن هنالك عاملين قد منعا صدور بيان ختامي متفق عليه من المؤتمرين: العامل الأول هو أن دول الخليج قد ابقت على التزامها اللفظي بضرورة حل قضية فلسطين أولا، فيما يذهب التزامها الفعلي ضد الخطر الإيراني. أما العامل الثاني فهو الانقسام بين موقف دول الخليج وبين بقية الدول العربية التي حضرت، سيما في ضوء عدم وضوح الموقف الأمريكي من حل قضية فلسطين والالتباسات فيه مثل نقل السفارة الأمريكية للقدس مثلا.
في هذا الإطار قدم جاريد كوشنير وعدا بتقديم خطة صفقة القرن بعد الانتخابات الاسرائيلية، وبالتالي بقيت الخطة لغزا مكشوفا حيث باتت فلسطين تعرف مكنوناتها مما مورس وطبق منها لصالح اسرائيل على الأرض.
بناء على ما تقدم يمكن أن يصار للاستنتاج بأن إجتماع وارسو لم يثبت فرضية جابوتنسكي/ نتنياهو، حيث أن العرب الحاضرين قد انقسموا في رؤيتهم للتناقض الرئيسي، ولكنهم لم ينقسموا في رؤيتهم بأن على اسرائيل أن تحل القضية الفلسطينية أولا وذلك قبل أي تطبيع رسمي وتبادل سفارات.
نعم لقد نجح الحلف الأمريكي الاسرائيلي في جمع العرب ونتنياهو على طاولة واحدة لأول مرة منذ المحادثات متعددة الأطراف في تسعينيات القرن الماضي. نعم طرح الموضوع الإيراني ولم يطرح الموضوع الفلسطيني، ولكن كما تبين فقد كانت فلسطين هي التي حددت أجندة المؤتمر ، وكان لغيابها عنه الأثر الأكبر في منع صدور بيان مشترك عنه انطلاقا من السمو الأخلاقي الذي تتمتع به القضية الفلسطينية محليا وعالميا.