الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

كيف تحولت اسرائيل الى رهينة؟

نشر بتاريخ: 17/02/2019 ( آخر تحديث: 17/02/2019 الساعة: 10:32 )

الكاتب: عوني المشني

استطاعت ايران ان تحول اسرائيل الى رهينة، وسددت المسدس الى رأسها مهددة امريكيا بالضغط على الزناد حال مساس امريكيا بايران، وبالتالي شكلت لنفسها حماية شبه أكيدة من اي هجوم عسكري سواء من امريكيا او حتى من اسرائيل نفسها.
سياسة حافة الهاوية التي استخدمتها اسرائيل لدفع ايران الى التراجع لم تعطِ مفعولها، فالتهديد الاسرائيلي وعبر عشر سنوات بشن هجوم على ايران في محاولة لدفع ايران لتغيير منهجها اتجاه الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لم يعطِ اي مفعول واكثر من ذلك فان هذا التهديد لم يدفع امريكيا للمبادرة بشن هجوم على ايران لوقف تمددها في الإقليم.
العنصر الحاسم في السياسة الإيرانية هو اصرار ايران على الاستمرار في تطوير منظومتها الصاروخية معتمدة على ذاتها في الصناعة، وان كانت ايران قد استفادت من خبرات كوريا الشمالية وعلماء من الاتحاد السوفيتي الذي تفكك فان سياسة التطوير العسكرية قد انجزت هذا الهدف على نحو يثير الإعجاب، جانب اخر فان تحالفات ايران في الإقليم وبالتحديد مع حزب الله والنظامين السوري والعراقي قد جعلا ايران تقترب اكثر من الحدود مع اسرائيل لتتحول على نحو عملي الى دولة مواجهة بل الى اهم واخطر دول المواجهة، وها هي ايران بتعزيز تحالفها مع الجهاد الاسلامي وتعظيم قوتها تفتح ثغرة وان كانت محدودة في الجبهة الجنوبية لاسرائيل، ورغم الموانع الجغرافية فان تلك الجبهة تصبح اكثر تأثيرا مع مرور الوقت. وحتى لو قيل ان ايران لها مصالح ذاتية مذهبية وليست القضية الفلسطينية سوى ورقة تستخدمها لتحقيق تلك الأهداف فذلك لن يغير من حقيقية ان ايران بطموحاتها تشكل تهديدا للهيمنة الاسرائيلية، اذن ايران حققت أهدافها بجعل اسرائيل ومن اكثر من موقع وبأكثر من اُسلوب رهينة حقيقية بيد ايران ومهددة وعلى نحو استراتيجي، هذا الوضع جعل من كلفة مهاجمة ايران عسكريا باهظة الثمن الى الحد الذي لا تحتمله اسرائيل، محاولة اسرائيل لتطوير قدراتها في مواجهة الصواريخ لم تحقق النجاح الذي يخفف تلك الكلفة فقد فشلت كل منظومات اعتراض الصواريخ وحتى لو كان بإمكان اسرائيل تدمير ايران فان تكلفة ذلك على اسرائيل اكبر من امكانية الاحتمال.
أمام هذا الوضع فان الجهود الامريكية الاسرائيلية تنصب في اتجاهين: الضغط الاقتصادي والإعلامي والنفسي في محاولة لاستثارة الشعب الإيراني لتقويض النظام من الداخل عبر خلق قوة شعبية قادرة على إسقاط النظام، وربما انسحاب الادارة الامريكية من الاتفاق النووي وتشديد الحصار الاقتصادي يأتي في هذا السياق.
الاتجاه الثاني احتواء النظام الإيراني بطريقة ما وجعله في سياق ما عديم التأثير على اسرائيل والمصالح الامريكية في المنطقة. ربما ان النتائج هنا ايضا ليست واعدة، فبقاء اوروبا ملتزمة بالإتفاق مع ايران يشكل ثغرة كبيرة في سياسات الحصار، اضافة لتركيا التي تقترب اكثر فاكثر من ايران بحكم تقاطع المصالح، ايضا فان روسيا وبزخم حضورها الشرق أوسطي باتت عنصرا مؤثرا وتقوض الحصار بطريقة او باخرى، وهنا لا يغيب عن البال هزيمة السياسة الامريكية في كل من سوريا والى حد كبير في اليمن وهذا عزز من النفوذ الإيراني وجعل امريكيا تنسحب تدريجيا من صراعات الشرق التوسط. 
ان المقارنة وفق ميزان القوى بالتأكيد يميل لصالح اسرائيل وحلفائها، ولكن هناك "حسبة" اخرى لا تقل اهمية، وهي المقارنة بالاستعداد لتحمل كلفة الحرب، وهنا فان اسرائيل لا محالة خاسرة وهذا ما يجمد خيارات الحرب حتى الوقت الذي تصبح فيه الحرب خيارا وحيدا لا مفر منه، وهذا الوقت مؤجل الى وقت ليس بالقصير.
اننا امام وضع تفشل فيه سياسات الاحتواء كما تفشل سياسات الحصار، هذا لا يعني ان ايران قد حققت انتصارا، ربما ان ايران اصبحت اصعب من ان تحتوى، ولم يعد سيناريو الحرب الامريكية الاسرائيلية طريقة مثلى للتعاطي معها، فان المخرج الوحيد المتاح لاسرائيل للتعاطي مع هذا الوضع هو تحييد ايران، تحييدها بمعنى سحب مبررات تدخلها في الصراع، وهذا يتم فقط بايجاد حل سياسي مع الفلسطينيين يسحب مبررات تدخل اسرائيل في الصراع.
هذا المخرج هو ما يرفض اليمين الاسرائيلي وبشكل مطلق التعاطي معه او حتى الاقرار به، واكثر من هذا فان اليمين يذهب خطوة اخرى للأمام باتجاه التأزيم، عندما يذهب اليمين الى تعميق وتوسيع الاستيطان وتهويد القدس وتشريع عشرات القوانين العنصرية وعلى رأسها قانون القومية فانه - اليمين الاسرائيلي - لا يعاند المنطق فحسب بل يقطع الطريق على اي امكانية مستقبلية للحل مع الفلسطينيين، وهذا يعزز الدور الإيراني اكثر ويدفع الفلسطينيين باتجاه العودة للمربع الاول للصراع.
اسرائيل ومعها السياسة الامريكية وهرولة دول الخليج باتجاه التطبيع لا يملك حلولا، ربما هي محاولات تفشل هنا او تحقق نتائج هامشية هناك الا انها لم تحدث اختراق حقيقي، حتى مؤتمر وارسو فلم يشكل متغيرا ذو معنى، هو اجتماع فقد بريقه الى حد كبير ولك يحقق اهم أهدافه بالضغط الذي يردع ايران، وتزامن عقده مع اجتماع الرؤساء الثلاث الإيراني التركي الروسي يشير الى ان وارسو لم يشكل اكثر من رصاصة في الهواء لم تحقق لا انذارا ولا ردعا لحكام طهران.
على كل الأحوال، لا يوجد سياق ثابت، الدول تعدل سياساتها وفق النتائج، والثابت في الشرق الأوسط هو المتغير، وقد يصبح تعديل السياسة الاسرائيلية بالبحث عن حل سياسي للقضية الفلسطينية هو الاسلوب الممكن الوحيد لتحييد ايران، ولكن هذا احتمال ضعيف، على اقل تقدير على المدى المنظور. لهذا فالتأريخ وصولا لحافة الهاوية هو سيد الموقف حتى شعار اخر.