الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

موسكو لم تنجح في اذابة جليد الخلافات الفلسطينية

نشر بتاريخ: 18/02/2019 ( آخر تحديث: 18/02/2019 الساعة: 20:09 )

الكاتب: اللواء سمير عباهره

الدعوة التي وجهتها القيادة الروسية الى القوى والفصائل الفلسطينية من اجل ترتيب البيت الفلسطيني وانهاء حقبة طويلة من الانقسام والخلافات كانت محط انظار الكثيرين من الكتاب والمحللين والمتابعين والسياسيين الذين تساءلوا عن مغزى هذه الاجتماعات في حلقاتها الطويلة والمتعددة بحكم ان النتائج كانت معروفة بل معدة مسبقا مع توفر القناعة لديهم بصعوبة المهمة في عدم الوصول الى اتفاق يقضي بوضع نهاية للانقسامات المريرة التي عصفت بالساحة الفلسيطينية منذ عقود مضت. 
وكانت العاصمة الروسية موسكو قد احتضنت هذه اللقاءات في خطوة فسرها مراقبون بأنها تأتي في اطار محاولات موسكو العودة بقوة الى منطقة الشرق الاوسط والتي غادرتها في نهاية القرن الماضي وتراجع اهمية الشرق الاوسط في سلم اولويات السياسية الروسية وتراجعت الاهداف الايديولوجية امام مواجهة الاهداف والتحديات الاقتصادية ولم تعد تمثل قضايا دول العالم الثالث اولوية لها في سياستها الخارجية وهو ما انعكس على مواقفها السياسية ازاء العديد من الدول وكذلك في مواجهة العديد من القضايا ومنها الصراع العربي الاسرائيلي حيث كان الاتحاد السوفييتي في عصر التوازن والحرب الباردة والتي ورثته روسيا يمثل احد البدائل امام بعض الدول العربية بما فيهم الفلسطينيين لتقليص مساحة الهيمنة الغربية في السياسة الدولية. 
هذا اذا ما اخذنا بعين الاعتبار العلاقة الروسية المميزة مع الفلسطينيين والتي ارادت استثمارها في امكانية تحقيق اتفاق يعود بها بقوة الى المنطقة وخاصة بعد محاولات كثيرة من اطراف اقليمية فشلت في التأثير على الفلسطينيين لحملهم على انهاء خلافاتهم.كما ان روسيا عضوا في الرباعية الدولية التي تشرف على عملية السلام ومعنية في الاساس انهاء الخلافات الفلسطينية والتي تقف عائقا امام تطور العملية السلمية ونجاح موسكو في هذه المسألة سيقطع الطريق امام الولايات المتحدة التي تحاول التفرد بعملية السلام.
المأزق الفلسطيني يستمر حيث فشلت جولات كثيرة من الحوار حتى في احداث نوع من التقارب في المواقف وربما بقي استنساخ هذه المواقف قائما نظرا للخلافات الفكرية والسياسية التي شهدتها الساحة الفلسطينية خلال عقود مضت ولم يسعف الزمن تلك المواقف ان تتغير او تتبدل بل بقي الجدل الحاد الذي ساد الساحة الفلسطينية منذ بداية سبيعينيات القرن الماضي والخلافات على البرامج السياسية هو سيد الموقف حيث عجزت تلك القوى منذ تلك الفترة من وجودها في توحيد مواقفها وايجاد استراتيجية واضحة الاهداف حتى مع وجود منظمة التحرير الفلسطينية التي اصبحت اطارا شكليا يجمع الفصائل الفلسطينية على الحد الادنى من الاتفاق رغم وجود بعض المشاركين في حوارات موسكو خارج هذا الاطار ولكل منها ايديولوجيته وسياساته وتحالفاته مع بعض الجهات الاقليمية متأثرة بمواقفها وتدخلاتها في الشأن الفلسطيني. هذه المعطيات فرضت نفسها في حوارات موسكو حيث ان بعض القوى ذهبت الى هناك مسلحة بمواقف الرفض واصطناع التعارض في التوصل الى اي اتفاق كان او اي صيغة توافقية من شأنها اخراج الحالة الفلسطينية من مأزق الانقسام والتشتت السياسي وكأن القرار كان معد مسبقا بعدم الوصول الى توافق وكانت موازين الفشل اقرب من موازين النجاح في استراتيجيات بعض القوى. 
واتضح بعد لقاءات موسكو ان الخلافات غير خاضعة للزمان والمكان بل هي خلافات ايديولوجية مستفحلة يبدو من الصعب تجاوزها. وكان من المفترض ان توضع الخلافات الفكرية جانبا وتجاوز الخلافات السياسية ايضا والتوجه الى خيارات وطنية صادقة تنطلق نحو هدف وحيد يتعلق بمواجهة التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية ومشروعها الوطني، فاصطناع التعارض لن يمكن اي من الاطراف الفلسطينية من تحقيق الاهداف وبات المطلوب برنامج اصلاح سياسي وطني شامل والحفاظ على الاطار السياسي الفلسطيني حيث ان مهمة مجابهة خطر ضرب شرعية منظمة التحرير تبدأ اساسا من الاتفاق الوطني لقطع الطريق امام المحاولات الهادفة لتصفية المشروع الوطني الفلسطيني ويساهم في تعزيز وتطور الرأي العام الدولي المساند للحقوق الفلسطينية