الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

رقعة الهدهد.. رواية في الأدب السياسي للكاتب ياسر المصري

نشر بتاريخ: 27/02/2019 ( آخر تحديث: 27/02/2019 الساعة: 17:16 )
رقعة الهدهد.. رواية في الأدب السياسي للكاتب ياسر المصري
بيت لحم- معا- "لكنني يا سيدي القاضي لم اشتم ولم أقدح حتى أنني لم اغضب في تلك اللحظات وكل ما قلته ان البلاد يراها البعض مستقلة وبعض يراها مستقرة، وأنا لا اراها مستقلة ولا مستقرة، لاني لا استطيع ان اراها سوى ما هي، محتلة تعصف بها الازمات ومفتاح باب أزمتها مرات كثيرة يكون بيد الجهلاء أو الأعداء, فسالني الديك عن الذي يمكنه ان يكون مسؤولا عن هذا وذلك؟ ولم ارد على سؤاله بجواب، فكرر السؤال ورد عليه الجواب وانا لا ذنب لي اذا ما انطلق الجواب...".
رواية رقعة الهدهد "الضحايا" للكاتب ياسر المصري تعتبر من الروايات في الأدب السياسي، وجاءت ناقدة للكثير من الامور المتعلقة بالحياة العامة والسياسية للحالة الفلسطينية بكل مكوناتها التنظيمية والحزبية، وتوصيف الانقسام كحالة من الحالات السيئة التي اصابت المجتمع الفلسطيني وتتناول تبرير كل طرف من اطراف الانقسام.
وقد كانت شخصيات الرواية الرئيسية:
اولا: الهدهد كرمز للمعرفة والذي مثل الفلسطيني الذي لم يعد يطيق انقلاب المشهد وتوغل الادعاء بكل مناحي الحياة عبر توصيف انه لا يعرف ولا يعلم وجاء ذلك من باب الانكار الشديد.
ثانيا: الديك والذي يمثل رمزية مخالفة للمعهود من حيث ما يركز له الديك من رمزية.
ثالثا: الصقر والذي رمز الى القوة والسطوة كجانب من صور السياسي الذي يعرف ويحرص دوما على مصالحه بكل ما في ذلك من غياب للحقيقة المطلوبة.
حملت الرواية في طياتها العديد من الرسائل، حيث اشارت لحجم ما اصاب بعض المفاهيم والتعريفات الفلسطينية من خروج عن الغاية والدلالة لهذه المفاهيم، ورسالة بهدف اعادة صياغة المفاهيم المتعلقة في حياتنا الفلسطينية المرتبطة بالصراع مع الاحتلال بالإضافة الى النقد العميق لسلم الاولوليات الفلسطيني في تقديم الثانوي على الاولي، بالإضافة الى اتفاق اوسلو الذي غير في شكل الصراع ومازال يبعث في اثاره السلبية والقاتلة على المجتمع الفلسطيني والاختلاف في التعبير عن شكل الالم كمجتمع تحت الاحتلال ,حيث لا يعمل احد عليه (المقصود هنا بالنخب) والأصل من الاتفاق هو دحر الاحتلال وتحقيق الحلم بوجود دولة فلسطينية تليق بتضحيات شعبنا بعد 10 سنوات من توقيعه، اليوم نحن نمضى السنة 25 ولا يوجد دولة ولم ينتهي الاحتلال ولم ينته الاتفاق كما قال كاتب الرواية ياسر المصري في مقابلة مع معا.

الرواية تحتوي على محطات تاريخية متعددة مرت بها القضية الفلسطينية كوعد بلفور واتفاق اوسلو و الانقسام, وبرأي الكاتب انه لم يذهب باتجاه وضع معالجات لهذه المحطات، حيث قال ان وعد بلفور اثر كثيرا على شكل القضية الفلسطينية , وان الانقسام اثر بشكل اعمق من الوعد (البعد الذاتي حين يقوض تنهار الأسوار)، نحن كشعب فلسطيني ننظر بعين الغضب والرفض لوعد بلفور ولكن لا توجد نفس العين ونفس المستوى لاتفاق اوسلو وللانقسام.
الجديد الذي حملته الرواية بنظر الكاتب في ظل وجود عديد الكتابات حول الواقع الفلسطيني بأنها تحتوي في طياتها على مضمون واضح وصريح و تحمل نقدا للحالة الفلسطينية بطريقة الحلم الفلسطيني حيث انه هنالك تيه لدى البعض ان الحلم قد تحقق ولكن نحن مازلنا تحت الاحتلال ,و تحمل الرواية نقدا للاختلاف في الاداة النضالية المجمع عليها في مواجهة الاحتلال، هذا النقد جاء بهدف اعادة النظر بشكل جدي هل وصلنا ام لم نصل ؟ النقد جاء خلال الرواية بطريقة السؤال المعلق على الجواب فانا ابن هذا المجتمع الامي من ألامه وآمالي من اماله.
في سؤال الكاتب حول اذا ما كانت الرواية تحمل جدل؟ قال المصري: الرواية لا تحمل جدلا بقدر ما تهدف الى اعادة تعريف ما اصاب بعض المفاهيم والتعريفات الفلسطينية من خروج عن الغاية والدلالة لهذه المفاهيم والتعريفات كتعريف البطولة والنضال و الانتماء وغيرها.
جاءت الرواية بربط تاريخي لقيمة فلسطين التاريخية وما قام عليها من حضارات سابقة منذ الفلسطينيين الاوائل (الكنعانيين) وفي سؤاله حول واقع الامة العربية وانعكاسه على فلسطين؟ قال المصري: فلسطين لا يمكن ان تنسلخ عن العمق العربي والثقافي والإنساني والسياسي لا يمكن ان تنعزل عنها وهي ليست بعيدة عما يحدث في الدول العربية، وأضاف اذا كان حال العربي بخير فنحن بخير الخير والعكس.
وجه الكاتب خلال الرواية رسالة للجيل الشاب حيث قال: هذا الجيل بحاجة الى جدران من الحماية والإسناد وهذه مسؤولية النخب بكل مستوياتها السياسية والاجتماعية وغيرها، حيث ان الشباب يجب ان يمتلك الوعي السليم والمعافى والقادر على بناء رأي عام يليق بمجتمع تحت الاحتلال.
وفي سؤال الكاتب حول ما يريد ايصاله للقارئ وقدرة الرواية على التغيير في الوضع الحالي؟
قال المصري: القارئ هو متذوق لما بين يديه من نصوص تلامس قلبه وعقله حيث قال انه قدم كل ما لديه بإيمان مطلق بان تأخذ النخب موقعها الطبيعي في بناء وتكوين وإعادة صياغة الوعي الفلسطيني بما يساهم في تغيير هذا الواقع لما هو افضل وبالسعي الثابت والمستمر نحو الحرية وتحقيق الحلم وجاء على ذكر الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني والذي ما زال يؤثر في المجتمع الفلسطيني حتى اليوم في سؤاله حول الاهتمام بالراويات في فلسطين .
في تفاصيل الرواية
استخدم الكاتب الطيور كشخصيات للرواية وكان الهدهد بطل القصة وتربع على عرش العنوان , رسالة الكاتب من ذلك انه من عادة الكتل الصغيرة ان تسبح حول الكتل الكبيرة، حيث ان النقد يحتاج الى الانفكاك و قوة طرد وتحليق ولا شيء يستطيع التحليق إلا الطيور كتوصيف رمزي لضرورة الانفكاك من بعض السلبيات العميقة، وأضاف الهدهد ورد في القران بشكل جميل وأساسي، وهو حاجة كما كان الهدهد حاجة لسيدنا سليمان (عليه السلام) الذي اعطاه الله من الحكمة ما لم يعطه لأحد من خلقه، فالهدهد هو رمز للمعرفة، والفلسطيني هو اكثر من يعرف واقعه.
يتعرض الهدهد للمحاكمة خلال الرواية و يقدم بحقه 12 تهمة.
قال المصري بان الهدف من ذلك ان يكون الاتهام هو الحالة غير الطبيعية ودفاع الهدهد عن نفسه هو تسليط للضوء على ما يجب ان يكون من قضايا، فابرز التهم كانت اتهام الهدهد بإنكاره الدائم للمعرفة والفهم في الكثير من القضايا (عبارة ترافق الهدهد خلال الرواية: لا اعرف شيئا ولا افهم شيئا) والرسالة من ذلك هي شدة الانكار لما حوله حيث انه يقدم المعرفة على الفهم، وقرار المحاكمة هو بهدف النقد وتسليط الضوء على قضايا جوهرية من وجهة نظر الكاتب تتلخص في ال12 تهمة.
الرواية جاءت في 8 فصول وهي:
تفاعل الغريزة والمعرفة
برزخ الواقع والادعاء
غياب الرحلة والواقع
بدء ميلاد الرقعة
انبعاث المواجهة من الحقيقة
ثوب الحقيقة الواهمة
سقوط الوهم وانتحار بعض الادعاء
انتحار الادعاء وسقوط الوهم.
ذكر الكاتب خلال الرواية وبالتحديد فصل غياب الرحلة والواقع: "يا مسعاي انتظرني. سأصلك وأخبرك حين وصولي اليك، عن جمالك وبهائك ونقائك, وعن عظمة وجود اثارك... فسر المصري المسعى بأنه الحرية الشاملة والكافية والشافية والوافية والانعتاق من الاحتلال وكافة أثاره، وأضاف بان القارئ سيلاحظ خلال قراءته للرواية بان الهدهد يعود الى نفسه كثيرا ويتحدث معها طيلة احداث الرواية، والمقصود بذلك نحن كمجتمع بحاجة للعودة الى انفسنا في كل ما بتعلق بحياتنا، احلامنا وآلامنا وأمالنا، فآلامنا هي منبع امالنا، فعودة الهدهد الى ذاته كانت رمزية حيث اننا من وجهة نظره كفلسطينيين بحاجة للعودة الى الذات كثيرا
اولى صفحات رواية رقعة "الهدهد " تحمل عبارة للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش وهي "ما دلني احد علي، انا الدليل، انا الدليل.." وتحتوي الرواية في صفحاتها على قصائد للشاعر الراحل، في سؤال الكاتب عن ذلك قال المصري: بان درويش هو المعلم والملهم والعالم وصاحب اثر انساني عميق، وهو معلم فلسطيني حقيقي و عنوان التميز والإبداع وهو صورة انعكاسية لجمالية هذا المجتمع.
جاءت الخاتمة في الرواية مفتوحة ولم يصدر حكم بحق الهدهد لتتيح للقارئ اختيار النهاية والخاتمة التي يصيغها من مراحل تطور الاحداث وصورها التي جاءت متتالية في الرواية، وتأكيد الهدهد في هذه النهاية بانه مزيج من خليط امال والام المجتمع الفلسطيني، حيث لا يمكن لضحية ان تحاكم ضحية كما قال المصري وذلك سبب وجود كلمة "ضحايا" في عنوان الرواية.
رواية رقعة الهدهد " الضحايا" للكاتب ياسر المصري، نشرت في 15 كانون ثاني 2019، اهداها الكاتب لكل شعب يحمل الالم والأمل ويخلق من المه املنا وقال حكاية فلسطين ليست من اليوم بل منذ ألاف السنوات، فلسطين من البقع المميزة في الكون، المليئة بكل هذا التنوع والتي تمتاز ببقائها برغم كل ما تعرضت له ولن تزول، وفي ختام المقابلة دعانا المصري لترقب اصدار الجزء الثاني والثالث من الرواية خلال الاشهر القادمة.