السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

دروس مستفادة من اجتماع موسكو

نشر بتاريخ: 27/02/2019 ( آخر تحديث: 27/02/2019 الساعة: 20:56 )

الكاتب: السفير حكمت عجوري

قيل الكثير عن اجتماع موسكو قبل وبعد انعقاده ومع ذلك فهو ما زال لم يعطَ حقه للاستفادة من دروسه، كونه كان اخر منارات بحر الظلمات الذي تتقاذف امواجه النظام السياسي الفلسطيني من كل حدب وصوب، وعليه لا ندري ان كان ما حصل في موسكو هو فشل ذريع ونقطة سوداء ام انه نجاح ولكنه تجمد.
حيث ان مجرد اجتماع كافة الوان الطيف السياسي الفلسطيني حول مائدة واحدة في موسكو بدعوة من دولة عظمى وصديقة في نفس الوقت، وبحسب قانون المصالح كان بدون شك مصلحة فلسطينية اكثر منها روسية، وبالتالي فان انعقاد الاجتماع كامل النصاب بحد ذاته يعتبر نجاح كون هذا النصاب كان في زمن ما قبل الخلاف وبحسابات التمثيل، يعتبر حضور يمثل قرابة تسعة اعشار الفلسطينيين، وعليه كان من المفروض ان يتلقف المجتمعون هذا اللقاء كهدية من السماء كعلاج اخير للسرطان الذي اصاب الجسد الفلسطيني الا وهو الانقسام وتبعاته.
لاننا وبعد كل هذا الضعف والهوان الذي سببه الانقسام توقعنا ان يفاجأنا الحضور في توظيف كل ما لديهم من قدرات وطنية وسياسية واخلاقية من اجل ان يتوجوا نجاح عقد اللقاء باعلان النهاية لفصل الانقسام الاكثر سوادا في التاريخ السياسي الفلسطيني المعاصر..
اقول تتويج على اعتبار ان مجرد انعقاد الاجتماع كما اسلفت يعتبر نجاح بعد ان دب اليأس في نفوس كل الفسطينيين وبعد ان استشرى سرطان الخلاف والانقسام في دم الفصائل التي تغذي النظام السياسي الفسطيني للاسف تجمد هذا النجاح في صقيع موسكو بالرغم من كل الدفء الذي منحه المضيف للمجتمعين والذي كان يفوق دفء مياه النفط وتحديدا من خلال التحذيرات الصادقة التي وجهها الديبلوماسي المحنك والصديق لافروف من "ان الانقسام الفسطيني يمثل ذريعه للترويج لصفقة القرن الاميركية"......
ومضى يذكّر المجتمعين بكل ما هو صالح لشعبهم بالرغم من ادراك يقيني لدى المضيف بأنهم جميعا على دراية كاملة بصحة ما يقول حتى ومن قبل حضورهم الى موسكو الا ان المضيف يبدو انه لم يكن على نفس الدرجة من اليقين لما بلغته انانية الفصيل وارتباط البعض بأجندات غير فلسطينية وتغليب ذلك على المصلحة الوطنية الامر الذي ادى الى استحالة تتويج نجاح اللقاء بقرار انهاء الانقسام.
وعليه، فقد كانت رسالة المضيف تميل اكثر لتحقيق مصلحة فلسطينية منها لمصلحة بلاده روسيا كون رسالته كانت صادقة ومنسجمة مع ما يدور في ذهن كل فلسطيني عادي كان او سياسي او نخبوي اربكه قانون الانقسام، حيث هم جميعا يتوقون لتحويل الدعوة لانهاء الانقسام الى واقع وحدوي ملموس على الارض حتى يتحسسه الاعمى والبصير في فلسطين من اجل ان تعود ثقة الشعب في هؤلاء الذين فوضهم بدماء وارواح من اجل ان يصونوا امانة حماية الامل وابقائه مشتعلا يحرق اقدام المحتل حتى يرحل .
الا انه يبدو ان اجتماع موسكو اثبت وبما لا يقبل الشك في ان هذه القيادات اصبحت في واد والشعب في واد اخر وان الانقسام اصبح عنوان العلاقة الفلسطينية الفلسطينية، وربما اب روحي للمصالح الحزبية والفصائلية، وهو ان بقي على حاله فسوف يستشري كما ذكرت كالسرطان في جسد النظام السياسي الفلسطيني مقدما بذلك خدمة مجانية لاسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال والتي كانت المستفيد الوحيد من النتائج المعيبة لاجتماع موسكو التي كانت بمثابة خيانة للعهد وللشهداء ....
وهذه بدورها بعثت بتطمينات اضافية لحكومة اسرائيل المتطرفة عن تردي الحالة الفلسطينية وربما شجعها اكثر على اتخاذ قرار استقطاع منح عائلات الشهداء من قيمة الضرائب التي تجبيها مقابل اتعاب ادارية بقيمة 3% والذي لا اعتقد ان حكومة التطرف في اسرائيل ستتوقف عند استقطاع مبلغ الخمسمائة مليون شيكل وانما سيقفز الاستقطاع الى ما هو اكثر من ضعف ذلك بحسب ما ادعت صحيفة يديعوت قبل ايام، وهو المتعلق بمنح الاسرى اضافة للشهداء والذين هم افضل ما فينا خصوصا وان ضريبة الدم الفلسطيني ما زالت لم تسدد كرشاوى انتخابية كما تعودنا عليه في الانتخابات الاسرائيلية السابقة.
الامر الذي يظهر جليا ان تعامل اسرائيل مع الحالة او الكيانية الفلسطينية الجديدة التي ولدت من رحم اوسلو تجري من خلال حسابات دقيقة وضعت اسرائيل اسسها بحيث تمكنها من السيطرة على مفاتيح ادارة الصراع وبالطبع ليس حله بحيث تبقى اسرائيل القوة القائمة بالاحتلال هي المحددة لسقف ردود الافعال الفسطينية، وبالتالي تبقى الردود ضمن السيطرة الاسرائيلية بحيث لا تخرج ردود الفعل الفلسطينية عن هذه السيطرة الامر الذي يبقي على عزل العالم الخارجي وبالتالي يبقي على اي امكانية لأي تدخل خارجي ذو قيمة لصالح انهاء الاحتلال كما حصل حيال نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا يبقيه بعيد الاحتمال طالما بقي الحال على ما هو عليه.
اسرائيل وعلى الرغم من قدرتها على حسم اي معركة كلاسيكية في المنطقة لصالحها الا انها تعي جيدا انها لن تستطيع حسم ذلك مع الفلسطينيين ولكن فقط في اللحظة التي يتمكنون فيها من انهاء خلافاتهم وتوحيد صفوفهم تحت قيادة وطنية واحدة، يباركها الشعب بالانتخاب او بالتوافق بعد ان اصبحوا يشكلون قنبلة ديمغرافية اقوى بكثير من القنبلة الصهيونية النووية التي احالها الفلسطينيون الى قنبلة ورقية.
وبناء على ما ذكر نرى ان الرسالة المستفادة من موسكو موجهة للقيادات التي عادت من هناك بخفي حنين وخذلت شعبها في انها لو اصرت على حرف بوصلة الصراع على غير الاتجاه الوطني الذي يحدده شعب الجبارين عليها من اجل ذلك ان تستبدل شعبها بشعب اخر تقوده وذلك قبل ان يستبدلها شعبها بقيادات جديدة قادرة على حماية احلام وطموحات هذا الشعب وليس احلام وطموحات فصائلهم وتكون قادرة على حمل الامانة بمسؤولية اكثر وقدرة اكبر على تحقيق الانتصار وانهاء الاحتلال واقامة الدولة ذات السيادة.