الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

جمهورية علاء الأسواني

نشر بتاريخ: 04/03/2019 ( آخر تحديث: 04/03/2019 الساعة: 12:15 )

الكاتب: رامي مهداوي

تركت الرواية بعد أن وصلت الى النهاية التي تقول "ثم ساد الصمت"، أيام كثيرة وأنا منزعج من الرواية التي بداخلها روايات على شكل فسيفساء مصرية، لماذا أختار علاء الأسواني هذه النهاية؟ وهل "جمهورية كأن" رواية؟؟ وإنا كانت رواية هل هي رواية كباقي روايات الأسواني؟ وهل يجب بالضرورة أن تكون رواية بالمفهموم الكلاسيكي للرواية العربية من حيث الهيكلية والسردية واللغة والحبكة؟!!
أسئلة كثيرة جعلتني أبتعد عن الرواية وأهجرها، وخيبة أمل أصابتني من الكاتب الذي أدمنت جميع كتاباته، وحتى أكون صريح قررت عدم الكتابة عن "جمهورية كأن" كما أفعل مع كل كتاب أنتهي من قراءته. وقررت البدء بقراءة كتاب آخر حتى أنتهي من التفكير الدائم بشخصيات رواية "جمهورية كأن".
وخلال الأيام الماضية أتابع الأخبار القادمة من مصر: تنفيذ السلطات المصرية حكم الإعدام بحق 9 أشخاص متهمين باغتيال النائب العام، هشام بركات، عام 2015. وخبر الحريق الذي اندلع في "محطة مصر" للقطارات الذي أدى إلى مصرع 20 شخصا وإصابة أكثر من 40 آخرين، مما جعل وزير النقل هشام عرفات يقدم استقالته من منصبه في أعقاب الحادث، وقبول رئيس الوزراء استقالته.
تلك الأخبار المزعجة، أعادت إحياء شخصيات الجمهورية في عقلي، هل كان أحدهم في القطار؟ هل اللواء علواني والشيخ شامل يقفون وراء الإعدام؟ هل ستبرر قناة الحاج شنواني تلك الأحداث من خلال الإعلامية نورهان؟ وأسئلة تلد أسئلة... أسئلة جعلتني أركض للرواية التي تركتها حزيناً على نهايتها وعلى قضايا خلافية كثيرة، بدأت مراجعة الرواية بشكل آخر واسقاطات مختلفة وأهمها مقالات وكتب سابقة للروائي ذاته: لماذا لا يثور المصريون؟؟ هل أخطأت الثورة المصرية؟؟ من يجرؤ على الكلام؟؟
الصمت هي الكلمة التي انهى بها الأسواني روايته، بالتأكيد ليس عبثاً اختارها وليس من أجل أن تكون النهاية مفتوحة مثل أغلب الروايات العربية على أن يضع القارئ النهاية التي يريدها، الصمت هنا عبارة أحداث مستمرة تُشكل إطار الجمهورية التي يعييش بداخلها الشعب المصري، الصمت هو الأوكسجين الذي يتنفسه الشارع المصري على الرغم من الثورة التي قام بها، الصمت هو السمة المشتركة للشعب المصري والشعوب العربية، الصمت هو الحدث بحد ذاته عن كل فعل عام في المجتمع المصري.
لكل من انتقد رواية "جمهورية كأن" النقد بحد ذاته صحي ليس للروائي وإنتاجاته وإنما للقارئ، لكن أقول لهم بأن هذا الإنتاج ليس مجرد رواية تقليدية، واذا كنت تبحث عن متعة اللغة أيضاً لن تجدها في هذا العمل، واذا أردت معرفة الحبكة فهي ليست موجود بالمفهوم الكلاسيكي للرواية لأنه يوجد 73 حبكة في 519 صفحة وفي 73 حبكة يوجد حبكة واحدة على شكل "الحدوته المصرية" التي لن تنتهي كأنها لغز دائم سيبقى دون حل بسبب حالة الصمت الدائمة للمجتمع.
جمهورية علاء الأسواني رغم كل الإنتقادات؛ إلا أنها أشجع عمل أدبي رصد المجتمع المصري بكل مكوناته، ودخل بمساحات تعتبر في ثقافتنا العربية "محرمة" "تابوهات" "ممنوعات" "عيب" "حرام"، عمل أدبي بشكل وثائقي رصد الإنتهاكات المختلفة ووثقها بشهادات بلغة الشارع المصري، هذا ما رصدته عين الأسواني وحلله عقله لفترة تاريخية تعتبر ولادة قيصرية( لجمهورية كأن) ليلد الصمت صمت آخر.... وهكذا يبقى الصمت سيد الموقف، فتمنع هذه الرواية من النشر والتوزيع لأنها تُعري ما حدث ويحدث في الجمهورية.