الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

حكومة لدولة فلسطين

نشر بتاريخ: 14/03/2019 ( آخر تحديث: 14/03/2019 الساعة: 10:56 )

الكاتب: د.ناجي صادق شراب

وأخيرا تم تكليف الدكتور محمد إشتيه عضو اللجنة المركزية لحركة فتح برئاسة الحكومة الـ 18 وتكليفه بتشكيل الحكومة. وبعيدا عن خطاب التكليف، فالحكومة برئاستها. وهو ما يعني منذ البداية أنها حكومة لفتح، وهذا أول التحديات، كيف يمكن أن تعبر عن الكل الفلسطيني في ظل الإنقسام السياسي، والرفض من المشاركة فيها... بل والنقد والهجوم منذ اليوم الأول على تكليفها من حركة حماس. وثانيا لا يمكن إعتبارها حكومة توافق وطني او حكومة وحدة وطنية، فالحكومة السابقة ورغم كل مظاهر الضعف والوهن وعدم قدرتها على التمكين السياسي في غزة حتى في الضفة واقصد بسبب الاحتلال، كان تعبيرا ولو شكلي عن التوافق الوطني....
فالحكومة جاءت بناء على توصية قوية من اللجنة المركزية لحركة فتح، وكأنها رسالة صريحة وواضحة كما أن حماس هي من تحكم وتسيطر على غزة، فمن حق فتح الراعية للمشروع الوطني الفلسطيني أن تحكم في الضفة، وفي هذا المعنى دلالات سياسية عميقة وخطيرة، انها إعلان رسمي عن البدء بمرحلة الإنفصال السياسي، وثانيا تأتي الحكومة مع الإقتراب من إعلان لصفقة القرن والسؤال هنا مباشرة كيف ستتعامل الحكومة معها؟ وتأتي في سياق الإنتهاء من الانتخابات الإسرائيلية، ومن ثم حكومة جديدة في إسرائيل والتوقعات ان تكونة بقيادة غانتس يسار وسط، وهو ما يعني اننا قد نكون أمام مرحلة سياسية جديدة، وقد تكون هناك وعودات برفع الحصار المالي عن الحكومة ومن ثم تتغلب على المشكلة المالية، هذا مجرد إحتمال قائم وقوى وعودة محتملة للتفاوض. وتأتي الحكومة في ظل إبتعاد غزة خطوات كثيرة بما نراه من تحركات سياسية ترمي لتعميق حالة الإنفصال السياسي. 
وفي ضوء ذلك لا يمكن لأي مراقب أن يعتبرها حكومة وحدة، او ستكون قادرة على إعادة اللحمة الوطنية، وغير قادرة على تهيئة البيئة السياسية الصالحة للإنتخابات، وهو ما يعني في المحصلة النهائية سقوط بعض التكليفات عن الحكومة منذ البداية، تكليف الوحدة الوطنية، وتكليف الانتخابات....
لا يمكن لأي مراقب للحالة السياسية الفلسطينية إلا ان يرى الحكومة في سياق سياسي آخر، وهو التهيئة لمرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس، وهي المرحلة التي قد بدأت بخطوات متدرجه أولها تعيين الدكتور صائب عريقات أمينا لسر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وفي تعيين محمود العالول نائبا لحركة فتح، وفي سياق بعض التغييرات في القيادات الأمنية، وفي اعقاب حل المجلس التشريعي والعودة للمجلس الوطني والمجلس المركزي واللذان تسيطر عليهما حركة فتح، وبتقديم إستقالة حكومة التوافق الوطني تأتى خطوة تشكيل الحكومة برئاسة فتح، وبذلك تكتمل سيطرة فتح على مقاليد ومقابض السلطة الفلسطينية.
ومع كل حكومة فلسطينية جديدة يرتفع سلم التوقعات منها بدرجة أعلى من قدرة اي حكومة على الإستجابة والتكيف السريع مما يخلق فجوة كبيرة بينها وبين المواطن. كما راينا في حكومة التوافق وغيرها كيف سلم توقعاتنا يرتفع بدرجة كبيرة. 
هذه الحكومة لا تحمل عصا سيدنا موسى عليه السلام يضرب عصاه فتنفجر منه ينابيع المياه والرزق والخير ليشرب الجميع. هذه الحكومة تأتي في سياقات فلسطينية وإسرائيلية وإقليمية ودولية تفوق ليس فقط قدرة الحكومة بل قدرة السلطة ذاتها وقدرة منظمة التحرير، فالخطوة الأولى علينا التقليل من توقعاتنا من هذه الحكومة، فهي لن يكون بمقدورها إنهاء الاحتلال، ولا إنهاء الإنقسام السياسي، ولا بمقدورها إجراء الانتخابات، ولا تلبية سلم الرواتب مثلا... فهذه قضايا تناقش خارج الحكومة وخارج سلطاتها وصلاحياتها. الحكومة تأتي في ظل أزمة مالية وإقتصادية كبيرة تفوق الموارد المتاحة....
وأنا هنا لا أقدم النصائح فرئيس الحكومة لديه من الخبرة والكفاءة والمعايشة الكثير. هي حكومة إقتصادية ومالية، وأرى أن تركز الحكومة على هذا الملف بشكل مباشر، وتجري دراسة معمقة، وتأخذ قرارات جريئة في التغلب ولو بنسبة عالية على هذه الأزمة، والقرارات كثيرة من أهمها مراجعة سلم الرواتب العالية، والإنفاق الحكومي والإمتيازات التي تمنح، ومراجعة السلك الدبلوماسي والأمنى الذي يستحوذ على نسبة كبيرة من الميزانية، هذه خطوات ليست سهلة، لكنها يمكن أن تقلل من أعراض الأزمة المالية وترفع من كفاءة الحكومة. 
ومن التحديات المهمة تشكيلة الحكومة فلا نريد حكومات دوارة، ونفس الأشخاص ووزراء حتى الموت، ووجوها مستوزرة.. التغيير مطلوب، والإختيار حسب مهام وتحديات الحكومة، وان تبتعد قدر الإمكان عن الهيمنة الأحادية لحركة فتح، وان تعبر ولو بدرجة عن الكل الفلسطيني....
المطلوب حكومة للكل الفلسطيني وليس لحركة فتح فقط. وأمنياتي للحكومة بالنجاح في زمن وعصر الصعاب والتحديات، حكومة تمثل كل الشعب وليس الفصائل، نريد حكومة دولة وتؤسس لمؤسساتها. 
لهذه الأسباب والمعطيات المطلوب حكومة إستثنائية لظرف إستثنائي، قادرة على التكيف مع كل الإحتمالات السياسية وقادرة على ملء الفراغ السياسي.... واتمنى أن نستخدم مصطلح حكومة دولة فلسطين ورئيس وزراء دولة فلسطين... حديثي عن حكومة حلم. لكن من حقي ومن حق كل مواطن فلسطيني أن يحلم بحكومة دولة فلسطين.
واخيرا أن تبدأ بمبادرة سياسية قوية، وأترك هذه المبادرة للحكومة ورئيسها.!!