الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

ملاحظات حول تقرير الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان للعام 2018

نشر بتاريخ: 18/03/2019 ( آخر تحديث: 18/03/2019 الساعة: 11:40 )

الكاتب: د.معتز قفيشة

عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية وأستاذ القانون الدولي المشارك- جامعة الخليل
مسؤول في مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف وبيروت ورام الله سابقا
دكتوراة في القانون الدولي من معهد جنيف العالي للعلاقات الدولية


بعد قراءة تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان في "إسرائيل والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة" للعام 2018 بالكامل (113 صفحة، مرفق)، تبين ما يلي:

1- تغيير تسمية "الأراضي المحتلة" إلى "مرتفعات الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة" قد حصل منذ تقرير 2017، أي بعد وصول ترمب للحكم، وما حدث في التقرير الحالي ليس جديدا.

2- لم تقل الإدارة الأمريكية أن الضفة الغربية وقطاع غزة أراض غير محتلة أو مضمومة لإسرائيل. حتى القدس الشرقية، لم تعتبرها الإدارة جزءا من إسرائيل، وإنما قالت أن "القدس" (دون تحديد شرقية أو غربية) قد تم الاعتراف بها عاصمة (لم يقل التقرير عاصمة موحدة)، لكن حدودها سيتم ترسيمها بعد مفاوضات بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.

3- تناول التقرير انتهاكات حقوق الإنسان في إسرائيل وفي "الضفة الغربية وقطاع غزة" (أي فلسطين) في عدد متقارب من الصفحات، وهو ما تفعله الإدارة الأمريكية كل عام حول وضع حقوق الإنسان في مختلف دول العالم، حتى الدول الحليفة لها، كل عام. والطريقة التي تم فيها إدراج انتهاكات "السلطات الفلسطينية" بوزاراتها وأجهزتها المدنية والأمنية وسجونها ومحاكمها، يشبه الطريقة التي يتم فيها عرض حالة حقوق الإنسان في الدول المستقلة. وكأن في هذا الطرح اعترافا ضمنيا بأن فلسطين دولة. فيبدو هنا أن الحقائق تتكلم.

4- طبعا التقرير الأمريكي متحيز، وبشكل واضح، لإسرائيل ضد الفلسطينيين. فهو مثلا، يشبه مقتل جندي إسرائيلي واحد في مسيرات العودة باستشهاد 190 فلسطينيا، بينهم 41 طفلا، وكأن الطرفين متاكافأين. وهو يعرض وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية وتبريرها لعملياتها الإجرامية وكأنها دفاع عن النفس، سواء في غزة أو ضد عمليات إطلاق النار وقتل الفتيات والشبان الفلسطينيين بدم بارد ودون أن يتعرض الجنود لخطر داهم بحجة محاولات الطعن، أو ضد الفلسطينيين المحتجين على الانتهاكات في القدس المحتلة. وهو يضع انتهاكات حقوق الفلسطينيين داخل إسرائيل أو في الأراضي المحتلة بشكل يوازي حقوق فئات أخرى صغيرة نسبيا مثل الإثيوبيين أو المثليين أو مرضى الإيدز. فالفلسطينيون، في نظر التقرير، هم مجرد فئة من هذه الفئات، وليسوا شعبا يناهز عدده بين البحر والنهر عدد الإسرائيليين. كما أن التقرير يتجاهل تماما انضمام فلسطين لعدد يقارب العشرين من اتفاقيات حقوق الإنسان وبروتوكولاتها، كما يسكت عن التقارير المقدمة للجان الأمم المتحدة من قبل دولة فلسطين والملاحظات الختامية لتلك اللجان حول التقارير الفلسطينية؛ وكأن الولايات المتحدة هي التي تحدد ما هو القانون الدولي وكيف يطبق، في مشهد يبعث على السخرية!

5- هذا التقرير هو تقرير مهم وله وزن سياسي كبير على مستوى العالم، والدول والمنظمات الدولية تولي له أهمية كبيرة؛ حتى أننا كنا نعتبره في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان (عندما كنت أعمل في ذلك المكتب في الأمم المتحدة بمدينة جنيف) مرجعا رئيسيا لرسم سياسات المفوض السامي والأمم المتحدة تجاه مختلف الدول التي يعمل المكتب فيها أو معها. لكن هذا التقرير ليس له وزنا قانونيا ولا يعتبر مرجعا قانونيا لتغيير الوضع القائم سواء في الضفة أو غزة أو القدس أو الجولان، وإنما يعبر عن موقف سياسي لدولة من دول العالم، حتى لو كانت أقوى دولة في العالم. فالقانون الدولي يتحدد بناء على الاتفاق بين الدول أو في قرارات المحاكم الدولية أو في المبادئ الأساسية للقانون أو في قرارات جهات دولية مثل مجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان أو المنظمات المتخصصة كاليونسكو. كل هذه الجهات أجمعت، وبشكل مضطرد لا يقبل أي مجال للشك أو الاستثناء، أن الضفة الغربية والقدس الشرفية وغزة والجولان هي أراض محتلة وأن أي تغيير لوضعها القانوني ليس له أي قيمة قانونية. بل إن الاستيطان يشكل، في نظر القانون الدولي وفي نظر المنظمات الدولية ومعظم دول العالم جريمة حرب، ومن المستقر عليه أنه لا يمكن لمن ينتهك القانون أن يدعي لنفسه حقا ناتجا عن عمله الغير قانوني.

6- جاء التقرير (الجزئية الخاصة بفلسطين وإسرائيل) هذا العام بشكل هزيل وضعيف من الناحية الفنية. وهو يدل على أن من كتبه هم ربما مجموعة من المتدربين غير المتمرسين، أو بعض السياسيين (غير الأخصائيين القانونيين) الذين أمروا أن يكتبوا بهذه الطريقة بعيدا عن القانون والواقع.