الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

رواية "سبت إيلاّ"

نشر بتاريخ: 18/03/2019 ( آخر تحديث: 18/03/2019 الساعة: 15:51 )
رواية "سبت إيلاّ"
الكاتب: حذيفة دغش
صدر مطلع الشهر الماضي فبراير للشاعر بهاء رحّال روايته الثانية "سبت إيلّا" عن دار كل شيء- حيفا وتقع في 280 صفحة من القطع المتوسط وهي الرواية الثانية بعد "الخريف المرّ" التي لاقت قبولاً ونجاحاً في الوسط الأدبي على الصعيد المحلي والعربي.
حَملت الرواية الجديدة عنواناً مفتوحاً مثيراً للجدل في مكانه وتركَ الكاتب فيهِ مساحةً للقارئ عن قصدٍ أو غير قصد الوقوفَ على بُعد فيه عنصر التساؤل المفتوح وراء عنوان جدليّ مثير للدهشة بالتزامن مع لوحة الغلاف الخارجي للفنانة الفلسطينية الأصل منال ديب.
سبت إيلاّ هي رواية التجّلي الحرّ للطرقات والأزقة الضيقة والحضارة القديمة وروعه المدينة المقدسة واشتعال بخورها ولذّته رغم المعاناة والحصار والتطويق الخانق من قبل المحتل على صعيد المكان، إلا أن نافذة الأمل والتفاؤل بدتْ حاضرة رغم كل شيء؛ لذلك تعمدَّ الكاتب رحّال مزج كل شيء في شيء وترك القارئ في حيرةَ بعد استهلاله بمقدمة ملغومة حول المدن غير المستقرة أحوالها على حد وصفه وخلق عنصر التساؤل في نفس القارئ؛ في آن وظّفَ تيمة الفرح والحب باستمرار على اعتبارهما طوق النجاة الأقوى لتلك المدن وناسها والتي لا يمكن أن تغيب أو حتى إهمالها على الرغم من كل الشائكات المقلقة حول سايكولوجيا الشخصيات وخصوصياتها بالمكان؛ وكأنما يُبرهن لنا انه ليس ما هو مستحيل أمام الحالمين في المدن المقدسة ولو كانت محاصرة.
سبت إيلاّ هي رواية الإنسان وارتباطه الطبيعيّ بالمكان وبمتغيرات متقلبة بين الفرح والأمل والحزن والأسى في المجتمعات ككل ولكل حالة آثارها المتباينة وتوغلها على صعيد الشخصيات في الرواية، ويظهر ذلك من خلال نمو العمل والتنقل بين الشخصيات الرئيسية والثانوية التي رسم الكاتب ملامحها وتفاصيل حياتها وهمومها من مكانين مختلفين وثقافتين مختلفتين والمقارنة فيما بينهما على أصعدة متعددة بأسلوب غير مباشر ومن منطلق واعي مثقف؛ ويَظهر ذلك من خلال الحبكة التي تنعطف في أكثر من اتجاه والوقوف على أكثر من جانب محاولاُ تفسير تساؤلات متعددة بإجابات ذات رؤيا فلسفية من خلال شخصياته المتعددة في العمل الذي أثرى النص بالفكرة وزاد اكتماله بأسلوب الحوار المكثف حول الحاضر والماضي والمصائر إلى جانب دعم صوت الراوي بجانب شخصياته بطريقة رشيقة.
تدور حبكة الرواية داخل مقهى مكسو بالحب والأمل كما وصفته السائحة الشقراء إيلاّ الشبيه بحانات تكساس الأمريكية ويعيش فيه القارئ جزء كبير من الرواية والتطرف فيه حول الكثير من المواضيع على صعيد الحب والفرح واللذة بين غريبين متحررين يلتقيان صدفة تحت سقف أحد مقاهي بيت لحم بعد وصف المدينة على نحو مدهش جميل فترة أعياد الميلاد المجيدة. تأخذ الحبكة هناك أكثر من منعطف وتشتبك شخصيات الرواية الرئيسية القائمة على احترام الآخر حول العلاقات الإنسانية والاجتماعية والوقوف عليها بين الجنسين من خلال تجارب إيلاّ المؤلمة عن العلاقات الغير شرعية ومدى تأثيرها وانعكاسها على الصعيد الشخصي والمجتمعي في الماضي والحاضر من منطلق الواعي والمؤثر بلغة لم تخلو من الرومانسية بين حين وآخر.
من العام إلى الخاص وبشكل مكثف تدور الرواية بَينَ رائد الإنسان المشاكس المثقف الذي يهوى ملاحقة السائحات الأجنبيات بفعل مراهقته المتكررة محاولاً اكتشاف كل ما هو جديد؛ وهذا الشقاء التي وظفه الكاتب في روايته على صعيد الشخصية الرئيسية كان ذكياً كونه يمثل شريحة كبيرة في المجتمع والذي أظهر من خلاله ولمن هم في سنه همومهم وحاجاتهم كفئة قسا عليها الزمن بفعل الواقع المرير على صعيد الحالة الفلسطينية.
بعد شوط لا بأس به يتفرع الحوار برشاقة المثقف بين إيلاّ ورائد على نحو سريع والذي سرعان ما يبدأ بعكس فلسفة شخصياتهما الناضجةَ ومن خلال إلمامها بثقافة واسعة على نحو مثير حول الحياة والموت والحب والحرب والسلم والسلام والعدل والظلم؛ وعلى الرغم من فارق السن بين شخصيتين جريئتين إلا أنه ظهر بشكل واضح أن رائد المثقف ذو الفكر الاشتراكي استطاع أن يطالع إيلَّا ويحاورها كما لم تتوقع هي، بجرأة وجدارة على شتى الأصعدة المحلية والعالمية دون تلكؤ في طرح فكرته.
انعطاف رائد وإيلاّ في حبكة الرواية وحديثهم عن المصائر المجهولة والانغماس في أفكار حسّاسة لم يكن بالأمر السهل الخوض فيها والتي احتاجت لجرأة وإلمام ثقافي واسع كالحديث عما وراء الغيب والموت وعن الخلاص الذي تنتظره البلاد من منطلق واعي الذي شَكلَ لدى القارئ دهشةَ الفكرة حول رؤية رائد وإيلاّ وتصورهم في الحياة. من الرواية:
- ومن أين يأتي الخلاص؟
- من السماء
- سيكون رجلاً استثنائياً يرتدي عباءة الحق، ويقيم العدل في البلاد بين العباد وينتهي الظلم
- ولماذا لا تكون أنثى؟
- يثيره التساؤل؛ لماذا لا تكون أنثى؟
- لأنها قليلة الحظ حتى في الوعد المؤجل لا حظَ للنساء.
على صعيد الشخصيات الثانوية تعددت بين أصدقاء مقربين وأطباء نفسيين وكان من بينهم" يوسف وتالا" اللذان ظهرا في العمل كنموذجين مخلصين للحب والوطن ومثال صادق في العلاقات الإنسانية، وظهر ذلك من خلال شخصية يوسف التي جاءت على عكس رائد الذي بدا حراً في أفعاله وقناعاته التي يؤمن بها فاستطاع رائد أن يعيش حياته كما تحلو له من منظور واعي حكيم على الرغم من انتماءه إلى عائلة نموذجية تتصف بالمثالية على الصعيد الاجتماعي والمهني وذات السمعة الحسنة.
تَعمد رحّال أن يترك القارئ في مساحة الاكتشاف وتحليل المجريات للوصول إلى زمن الرواية من خلال تطور أحداث الحبكة ومجرياتها والانتقال بالشخصيات من حالة إلى أخرى باستخدام عنصر المفاجأة الذي شكل أداة تشويق وإثارة لدى القارئ في تتبع خيوط العمل بدقة وحكمة وبعين مفتوحة، وبدا ذلك حينما يصيب القلق الشخصية الرئيسة لحظة بدأ الحرب والقصف الإسرائيلي في آنها وكيف أخذت تيمة الحزن وآثارها بالسيطرة عليه في أكثر الأوقات حساسية بعلاقته بإيلاّ الأمريكية والتغير المفاجئ الذي يطرأ على نفسيته عندما تبدأ نوبات القلق تسيطر عليه تجاه الوطن.
من الرواية: كانت أم رائد تسمع أصوات القصف واضحة من خلال الاتصال الذي استمر قرابة الساعة، وبقيت تصلي باسم الصليب والمسيح والعذراء وتقرأ تعاويذ المنكوبين الباحثين عن الخلاص.
سبت إيلاّ رواية استعرضت الكثير من الجوانب الهامة من خلال شخصيات رسمها الكاتب من رحم الواقع لتكون حالة يعرض من خلالها نواحي اجتماعية سياسية ثقافية بين مجتمعين مختلفين في الثقافة والعادات وتدفع بالإنسان نحو الحياة والتغيير رغم كل شيء. رواية مليئة بفن التعامل مع صدمات الحياة وظروفها بأسلوب المنطق المفتوح على نافذة الأمل التي لا يمكن أن تغيب؛ وأي الأماكن أجمل من مدينة الكاتب حيث الحب الدائم وطهارة نبوءة المسيح لتكون رسالة محبة ونافذة تعكسُ سلام أناسها وثقافتهم للعالم أجمع.