الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

اسماعيل هنية يتحدث إلى نفسه!

نشر بتاريخ: 18/03/2019 ( آخر تحديث: 18/03/2019 الساعة: 16:07 )

الكاتب: زاهر أبو حمدة
يعرف جزء منكم، يا شعبي العظيم، أني مُجاز في الادب العربي وأن اللغة طيعة بين فكيّ وسلسة على اقوى عضلة في الجسد وهي اللسان؛ لكني اخترت الصمت حالياَ. تعرفون، يا قوم، أني أفضل من صعد على المنابر، والخطابة موهبتي وترتيب الايات والاحاديث مَلـِكتي الأحب؛ لكن بماذا اخاطبكم؟ ليس القرار بيدي. الظروف غير ملائمة، والكتمان سر قضاء الحوائج.
مذ كنت كادراً في الرابطة الاسلامية، منافساً ونداً لمحمد دحلان، في الثمانينات، واحاول ان اثبت لنفسي ولاترابي أني قائد. حالفني الحظ مرات كثيرة: نجوت من صواريخ عديدة والرعيل الاول استشهد اغتيالا او خرج من دائرة صنع القرار. اقترابي من الشيخ احمد ياسين، جعلكم يا ابناء حركتي تثقون بي، فمن مثلي كتم سر المؤسس في حضوره وغيابه؟ ولعلكم تذكرون ان ابعادي خارج الوطن (مرج الزهور) أبرز اسمي اكثر على وسائل الاعلام، وكنت حينها حكما ً اثناء صراع المبعدين بلا قميص اسود، والجميع يُجمع على حكمتي في تدوير الزوايا وركل الكرة او تثبيتها حيث اشاء في الملاعب الوطنية والحزبية، ولذلك كنت اول رئيس وزراء لحماس، وإني بكل اقتدار رجل التوازن بين جهازي الحركة الامني والعسكري. وإني الزئبق بين بيضة الخارج وحجر الداخل؛ وبين قوة اللاجئين ونفوذ المواطنين. إني الطائر بجناحي تركيا وايران في الجماعة. لا تستغربون، فإني على رأس حركة فيها رؤوس كثيرة، ولا استطيع تجاوزها. ومع ذلك اتمنى ان افصح عن الحقائق الكبرى والصغرى.
إني الان في منزلي او قصري داخل مخيم الشاطئ، الكهرباء على مدار ايام السنة؛ اداعب احفادي واخبرهم عن عسقلان (بلدتي الاصلية) وكيف صواريخنا تصلها بسهولة. واتحدث الى نجلي عبد السلام، حول علاقته بجبريل الرجوب التعاونية وكيفية فصلها عن خلافات فتح وحماس؛ فأبو رامي سخياً مع ولدي والتحويلات المادية لا تتوقف. وعلى الرغم من استنشاقي اوكسجين نهر النيل قبل ايام قليلة، واعادتي لبعض ابناء الحركة المخطوفين؛ الا أن انتظار رأي مجلس الشورى ومحمد الضيف، بموضوع التهدئة الدائمة يكبت انفاسي. التظاهرات المضادة وتقارير اللواء ابو نعيم، لا تطمئن. وقرارات فتحي حماد، تزيد الطين بلة. وتنامي نفوذ يحيى السنوار، ومروان عيسى زاد التشرذم. ماذا افعل؟ وماذا اقول لكم؟
سأخرج في مؤتمر صحافي او في خطاب جماهيري، اشرح لكم ان جناحا نافذا في الحركة الربانية لا يريد المصالحة مع فتح. أو اخبركم أن مسألة الهدنة مع اسرائيل اصبحت قريبة جدا، الا اذا تراجع نتنياهو، في الوقت الضائع. ويُحتمل ان احدثكم عما تفعلوه بنا، ما هذه التظاهرات ضد حكومة "هي لله"؟ ماذا يعني "بدنا نعيش"؟ نحن نعيش مثلكم مثلنا، وحذرتكم من البداية ان معيشتنا ستكون بالزعتر والزيت، أنسيتم يا ترى؟ تنظرون فقط الى ما يأكله خليل الحية واخوانه؟ لا يغرنكم ما ترون؟ فالضرائب المفروضة والخوات الاجبارية ضرورية جدا في هذه المرحلة لان المدخول الخارجي اصبح ضئيلا واحتمال نضوبه وارد جدا، لا سيما وان العمادي "يبي هدوء" مقابل حفنة من ملايين الدولارات، وللاسف لا تكفي ولا تسمن ولا تغني.
وهو يتحدث مع نفسه وإليها، قاطعه مرافقه مفتول العضلات، بسبب اتصال عاجل: شيخنا القرضاوي. إنه يريد الاطمئنان على وضع غزة ومقاومتها وتحليل ما حرمه في ساحات اخرى والافتاء ايجابيا بما يريده اخوانه والمشروع الاهم. وانتهت الخلوة التفكيرية الذاتية.
من المفيد ان يتحدث الانسان الى ذاته ويفكر بصوت عالٍ، وهذا سلوك شائع ومعالجة لغوية للافكار. ربما نتكلم مع انفسنا بلا نطق الكلمات او بنطقها. لكن في بعض الاحيان يتحول الامر لمرض نفسي ويرتبط بالفصام او تعدد الشخصية. ولو تثنى لي ابداء النصيحة لاسماعيل هنية، لاعطيته نماذج كثيرة في التاريخ تبدأ بانكار حديث "كما تكونوا يولى عليكم"، وليكن الخليفة عمر بن عبد العزيز مرشدا، فهو حكم عامين وخمسة أشهر ونقل الامة من جزر الضياع إلى يابسة الاستقرار والتقدم. وحين كتب اليه أحد عماله على أحد الأقاليم يشكو خراب مدينته ويسأله مالاً يحصنها به فكتب إليه عمر: "فهمت كتابك، فإذا قرأت كتابي فحصن مدينتك بالعدل ووثق طرقها من الظلم فإنه حرمتها والسلام".
الحل بيد اسماعيل هنية. ليمدها الى الضفة الاخرى مع مصارحة الكل الفلسطيني حول مشروع المقاومة الشامل ونقاط الضعف والقوة، وليوافق على انتخابات عامة وشاملة فورا وما يقرره الشعب، يكن. وهذا اقل الخسائر قبل طوفان فلسطيني قادم، قادم لا محالة.