الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

وزغردي يا "انشراح"؟! حول ما يجري في غزة..

نشر بتاريخ: 20/03/2019 ( آخر تحديث: 20/03/2019 الساعة: 13:39 )

الكاتب: وليد الهودلي

بعد الحرب الاهلية في لبنان أصبح مصطلح اللبننة دالا على بشاعة هذه الحرب، ثمانية سنوات و"انشراح" تزغرد فرحة مسرورة مما يجري في لبنان لأنه حسب ادعائها أن "اللي راح أحسن من اللي جاي". وزغردت ثماني سنوات أخريات في حرب ضروس بين اعظم دولتين في المنطقة ايران والعراق. وزغردت في حرب الخليج الاولى والثانية عندما انشغل العرب أجمعين في تحرير الكويت من جارتها العراق، وزغردت كثيرا وطويلا فيما سمي بالربيع العربي والذي اختتم آخرا وليس آخرا بما جرى في سوريا !!
بموضوعية مجردة من عواطفي ما استطعت لذلك سبيلا .. وبنظرة تأخذ صورة شاملة للمشهد السياسي في المنطقة كنا نسأل بداية ما جرى في سوريا : أين هي ذاهبة سوريا؟ لا بد من الوقوف على هذا السؤال ماذا يريدون من سوريا ؟ أقصد شياطين المنطقة. وواضح أن لدور سوريا بما حققت المقاومة اللبنانية من نصر على الاحتلال من خلال ما وفرته من دعم وخط امداد مباشر، والذي أدى الى هزيمة وخروج الاحتلال من لبنان وتوّج ذلك أيضا بهزيمته ورد عدوانه الشنيع عام 2006 ، لا يشك أحد أن هذا جعل من تدمير سوريا هدفا استراتيجيا وأن شطب الدور السوري من معادلة المقاومة في المنطقة فرصة جاءتهم على طبق من ذهب .
وواضح ان شياطين المنطقة التي فعلت ما فعلت في سوريا هم المحور الامريكي والاحتلال ومن يدور في فلكهم من دول عربية لاعبة في ملفات المنطقة - الكل يعرفها -، في سوريا مع بداية اللعبة كنا نقف أمام مسارين: مسار محق للشعب السوري يطالب بالتصحيح والاصلاح ومسار آخر يريد أن يمتطي هذا ويذهب بعيدا نحو الحرب والتدمير على قاعدة : " عليّ وعلى أعدائي " وللاسف حط الشياطين كل أثقالهم وأوزارهم اللعينة في سوريا بالمال والسلاح والاعلام المسموم وجرت الامور بالاتجاه الثاني الذي دمر سوريا واشعل حروبا متعددة الاطراف والاجندات فعلت كل شيء في سوريا الا الاصلاح والتصويب الهدف الاساس للحراك وهو في براءته وقبل أن تمتطيه شياطين المنطقة التي لا تريد لسوريا الا الشر والدمار .
والان لنا أن نسأل ماذا تريد شياطين المنطقة لغزة ؟ نفس السؤال الذي سأله كل من لديه حكمة سياسية وينظر في مآلات الامور والنتائج المرجوة وامكانية تحقيقها وفق ظروف المنطقة ومتطلباتها وضروراتها ؟ وبعد ما حققت غزة على أقل ما يقال فيها أنها شوكة في حلق الاحتلال وقد حققت له خيارات صعبة وأصبحت معقلا من معاقل المقاومة الشرسة في المنطقة وأصبحت مصدر قلق دائم للاحتلال، ومن أمنياته أن يتخلص من هذا الرمح الموجع في خاصرته الجنوبية ليتفرغ لمحور المقاومة الشمالي بكامل قوته وعتاده. 
ولنا أن نصل الى خلاصة مفادها أن خلاص الاحتلال من هذا الارق الذي تحدثه له غزة هدفا من أهدافه أو أن يُصدّر المعركة لتصبح معركة داخلية تكفيه شر القتال والمواجهة ، وأن يجد معادلة الاحتواء المزدوج لكل أعدائه داخل أسوار غزة وبعيدا عنه هو أقصى ما يتمنى كما أشعل شياطين المنطقة حربا بين العراق وايران في حرب دامت ثمانية سنوات (من 1980 الى 1988) كفت الاحتلال وشياطين المنطقة شر الدولتين ثمانية سنوات ، وما تلاها من سنوات اعادة البناء الذي دمرته الحرب وزغردي يا "انشراح" .
من الواضح ان مجريات الامور في سوريا بحسن نية أو سوء نية قد انجرتّ الى حيث يريد شياطين المنطقة ، وهنا لا بد من الاستفادة من هذه التجربة التي لم تجف دماؤها بعد ، وما احتملته سوريا لا تحتمله غزة ، دماء الفلسطيني في غزة غالية ثمينة كما هي دماء السوري والعربي ، لماذا نترك لشياطين المنطقة أن يسفكوا هذه الدماء وبايدينا نحن ؟
وحول مسار التصحيح وتصويب الاوضاع المعيشية لاهلنا هناك لا ينبغي الا أن يسمع وتفتح قنوات الحوار بعيدا عن كل أشكال العنف ، هناك أزمة حقيقية بسبب الحصار الطويل والعنيف واسباب ذاتية من سوء ادارة وما شابه ذلك ، لا يوجد هناك معصوم أو مبعوث للارادة الالهية أو وكيل شرعي ووحيد للوطن ، كل مجتهد يصيب ويخطىء وبعيدا عن خطاب التخوين والكراهية ونبذ الاخر هناك لغة وطنية مشتركة ، لا بد من فتح الحوار ومشاركة الكل الوطني في الوقوف أمام حل المشكلات الحقيقية التي يعاني منها الناس ، وامام النموذج السوري الذي آلمنا جميعا هناك النموذج الجزائري مع بث مباشر نرى المسيرات الاحتجاجية المليونية ، لقد استفادت الجزائر من تجربتها في التسعينات والتي حولت الجزائر الى حمام دم رغم اتساع رقعتها ، لم تستفد من اللبننة فاعادت نفس السيناريو ، ولكنها اليوم تبدو انها على الاقل لغاية الان قد استفادت من تجربتها واعتقد ان النموذج السوري لا يغادر عقلها الجمعي في حراكها اليوم .
واليوم نحن في غزة إما أن نمضي قدما – لا سمح الله – في تطبيق النموذج السوري فنهدم بيتنا بايدينا ونضرب مقاومتنا من جذورها بما يريح عدونا وشياطين المنطقة ، او أن نمضي بسلمية الحراك وفتح كل قنوات الحوار للوصول الى بر الامان ومواصلة النضال لفك الحصار وانهاء الانقسام وصولا الى الوحدة الوطنية ودعم صمودنا في القدس وكل ما بتنا بأشد الحاجة اليه في مواجهة صفقة القرن والتصفية النهائية للقضية الفلسطينية .
أعتقد ان كل عاقل فلسطيني يجب ان يسخر ما يملك من أدوات التأثير من موقف أو كلمة أو حتى تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي في دعم ثوابت فلسطينية بتنا باشد الحاجة اليها رغم أنها أصبحت ممجوجة عند البعض الا أنها ستبقى المطلب الاساس لكل فلسطيني حر : المقاومة ، الوحدة ، نبذ حالة استمرار الانقسام ، الحوار ، الحراك السلمي حق للجميع ، رفض القمع من أي فلسطيني لأي فلسطيني . فأي كلمة أو تغريدة أو موقف من السهل تصنيفه في كفة تعميق الانقسام وتغذية الصراع الداخلي وبالتالي خدمة شياطين المنطقة وما يريده الاحتلال ، أم أنها في كفة الدعوة للوحدة وتصليب روح المقاومة وسلمية النسيج الوطني في هذا الوطن الغالي .
أهلنا أحبتنا جميعا في غزة لا تدعوا " اسرائيل " أن تحوّل ولولتها من غزة الى زغردة فوق رؤوسنا جميعا . أرجوكم تعقّلوا وانصتوا الى صوت الحكمة من حكمائكم واياكم وصوت الشياطين المدوي في المنطقة . وطلعت اشراح التي تزغرد دائما على مصائبنا هي جناب المحروسة " اسرائيل " وكلما تزغرد دائما نجد انه " اللي راح احسن من اللي جاي " .