الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

درس (نيوزلندي)

نشر بتاريخ: 24/03/2019 ( آخر تحديث: 24/03/2019 الساعة: 10:04 )

الكاتب: ماهر حسين

في مقالي السابق تحدثت عن الحراك الشعبي في غزة وأشرت الى ضرورة التمييز بين الحراك الشعبي وبين المؤامرة، فالمؤامرة تقتضي مواجهة أما الحراك الشعبي فيقتضي أن نفهم الأسباب الدافعة لهذا الحراك ونتعامل معها.
لم أرَ أي قدرة سياسية أو إجتماعية لدى حماس بإعتبارها سلطة الأمر الواقع في غزة للتعامل مع الحراك الشعبي في غزة بل على العكس شوهت حماس نفسها ووجهت ضربة قاصمة الى (أسطورة) و(قدسية) المقاومة وباتت أخطاء حماس بلا ستار المقاومة وظهرت تجربة حماس في الحكم على حقيقتهـــا لكل متابع.
وكنت قد أشرت بمقالي الى أن حماس كان يمكن لها أن تتعامل بإيجابية مع الحراك الشعبي لتجعل الكل الوطني مسؤول عن أوضاع غزة والصعوبات التي يعانيها أبناء شعبنا هناك ولكن حماس للأسف اثرت العنف والقمع بالتعامل مع الحراك الشعبي.
طبعا لن أطيل الحديث عما يحدث في غزة ولكن أكرر من جديد – لقد خسرت حماس الكثير من مكانتها بسبب ردة فعلها على الحراك الشعبي في غزة وهذا هو الدرس المستفاد من غزة ومن حراك غزة.
بالمقابل وفي بلاد بعيدة وبل بعيدة جدا حيث نتحدث عن نيوزيلندا، تم الإعتداء على مصليين مسلمين وحدثت وفيات وإصابات بفعل هذا العمل الإرهابي الحقير ونرجو من الله العلي القدير أن يرحم الأموات ويحتسبهم لديه شهداء ونرجو من الله أن يُصبر العائلات التي فقدت أحبتها بدون ذنب.
بالنسبة لي، الإعتداء على كل أماكن ودور العبادة مرفوض ويشمل هذا الأمر كل الديانات، فدور العبادة مكان للمصالحة مع الذات ومكان لتحسين السلوك ومراجعة النفس وحتما هي أماكن للإستغفار وللتقرب من الله.
منذ اليوم الأول للحادث الإرهابي في نيوزيلندا سعى البعض ليجعل من هذا العمل الإرهابي سببا للتحريض الديني على المسيحية والمسيحين وكأنها حرب بين المسلمين والمسيحيين، طبعا قلنا ونكرر الإرهاب لا دين له فإذا كان الإرهابي مسلم فأنا أُدين العمل الإرهابي وأُدين الإرهابي وأرفض إقحام الدين الإسلامي الحنيف في الأمر ولهذا قلنا مثلا أن أفعال داعش الإرهابية تمثل من يقوم بها ولا تمثل الإسلام الحنيف وهذا ينطبق تماما على ما حدث في نيوزيلندا فنحن نٌدين العمل الإرهابي ونٌدين الإرهابي ولكن لا يجب أبدا أن نجعل من هذا مبررا لتحريض ديني.
وعندما نحارب التحريض الديني فنحن نقوم بذلك من أجلنا ومن أجل الحفاظ على مجتمعنا ومن أجل تعزيز التنوع الديني لدينا وبشكل خاص على الفلسطيني أن يقدم هذا النموذج الراقي من رفض الإرهاب ورفض التهجم على أي ديانة.
لقد تعاملت الحكومة النيوزيلندية بشكل تناسب مع حجم المأساة الناتجة عن هذا العمل الإرهابي الموجه ضد المصلين المسلمين فتم إعتقال الإرهابي المجرم وتم تتبع علاقاته وحصرها وبنفس الوقت سعت الحكومة النيوزلندية لجعل هذا العمل الإرهابي أساس لتعديل قوانين حيازة السلاح وتعزيز حماية التجمعات الدينية وحماية الأقليات والأهم عملت الحكومة مع وسائل الإعلام ومع المجتمع هناك على دعم وحدة وبنية المجتمع في نيوزيلندا فجعلت الجميع يتفاعل إيجابا مع ضحايا العمل والإرهابي وأظهرت الحكومة هناك للمسلمين هناك بأنهم ليسوا أقليه فباتت نيوزيلندا دولة الأقليه وبات الكل نحن ولا يوجد نحن وهم ، وظهر تعاطف من الدولة ومن المجتمع مع المسلمين ومع أسر الضحايا مما عزز وحدة المجتمع.
لقد تعلمنا الكثير من (التجربة النيوزلندية) الراقية في التعامل مع العمل الإرهابي ولقد تعلمنا الكثير من (جاسيندا أردرن) رئيسة وزراء نيوزيلندا التي شكلت أساس في مواجهة تبعات هذا العمل الإرهابي وفي إظهار حقيقة أن الإرهاب لا دين له.
تعلمنا من كيفية تعامل نيوزيلندا مع هذا العمل الإرهابي درس وكان الدرس هذه المرة (درس نيوزلندي) وهو يستحق الدراسة والتعميم.