الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

صفقة القرن وأوهام السلام

نشر بتاريخ: 07/04/2019 ( آخر تحديث: 07/04/2019 الساعة: 16:57 )

الكاتب: نزار يوسف نعيم

بعد عام طويل من الأحداث الكبيرة والهامة، من الضروري أن لا تمر التطورات الأخيرة في القضية الفلسطينية والصراع المستمر مع الإحتلال مرور الكرام دون أن تُحدث أثر الصدمة في الوعي السياسي الفلسطيني في جميع الإتجاهات وفي كل المستويات بداية من حركات التحرر الفلسطينية الوطنية والإسلامية وصولاً إلى النظام السياسي الفلسطيني الحالي ممثلاً في السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير وإنتهاءً بالشعب الفلسطيني العظيم.
إعلان القدس عاصمة لدولة الإحتلال من قبل الإدارة الأمريكية، وإقرار قانون القومية لدولة الإحتلال، والعمل على إنهاء قضية اللاجئين الفلسطنيين من خلال تصفية وكالة الغوث الدولية ووقف المساعدات للمؤسسات الدولية العاملة في فلسطين وسحب الإعتراف السياسي بمنظمة التحرير الفلسطينية من قبل الإدارة الأمريكية، يجب أن يحدث صدمة عميقة لدى القيادات السياسية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، صدمة تؤدي إلى الإستفاقة من أوهام السلام الذي عاش فيها الجميع منذ ما يزيد عن 25 عاماً.
ليس المقصود بالصدمة أن تصاب القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بحالة من العجز واليأس، وإن كان هذا ما تهدف له الإدارة الأمريكية ومعها دولة الإحتلال، ولكن المقصود بالصدمة هو أن تُطرح أرضاً كل المعتقدات والأفكار والمعاهدات والإتفاقيات والتحالفات الدولية التي أوصلت القضية الفلسطينية إلى ما وصلت إليه اليوم.
المقصود بالصدمة تلك الصدمة التي تؤدي إلى لحظة من الوعي والإدراك العميق من قبل القيادات الفلسطينية والشعب الفلسطيني لأبعاد الصراع مع الإحتلال ومن وراءه القوى الإستعمارية والإمبريالة الدولية.
إنها الصدمة التي تؤدي إلى مراجعة حقيقية للتجربة السياسية الفلسطينية على مدار ما يزيد من 100عام وإستخلاص الدروس والعبر لقادم السنوات. الصدمة الإيجابية التي تؤدي إلى عودة القيادات الفلسطينية مجتمعة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين إلى جادة الصواب في العمل السياسي والمقاوم حيث لا سلام بالعمل السياسي منفرداً ولا سلام بالعمل العسكري منفرداً.
تلك الصدمة الإيجابية التي تؤدي إلى العودة إلى الشعب الفلسطيني العظيم في فلسطين المحتلة، في غزة والضفة والقدس والداخل وفي كل أماكن تواجده عبر قارات العالم وعواصم القرار الدولي، الصدمة الإيجابية التي تؤدي إلى إعادة بناء نظام سياسي فلسطيني شامل ومعاصر على أساس ديمقراطي تعددي يضمن مشاركة وتشارك كل أطياف العمل السياسي الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها في القرار السياسي الفلسطيني.
إنها الصدمة الإيجابية التي تؤدي إلى تغيير قواعد العملية السياسية وإعادة بناء العلاقات والتحالفات الدولية بما يخدم القضية الفلسطينية وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، إنها الصدمة الإيجابية التي تؤدي إلى التركيز على الإنسان الفلسطيني والعمل على تحرير الإنسان وتحقيق الكرامة، وإن تعذر تحرير الأرض إلى حين. فلا قيمة أبداً لأي عمل سياسي أو عمل عسكري لا يؤدي بالنتيجة إلى تثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه وتحقيق الحرية والكرامة للإنسان الفلسطيني.
بعد ظهور ملامح صفقة القرن المزعومة يتضح جلياً أن القيادة الفلسطينية ومعهم جزء كبير من الشعب الفلسطيني تعرضوا لواحدة من أكبر عمليات الخداع والوهم السياسي في التاريخ المعاصر من قبل الإدارة الأمريكية ومن ورائها الحركة الصهيونية العالمية صاحبة مشروع الإحتلال والدولة اليهودية. لم يكن تحقيق السلام يوماً هدف من أهداف الحركة الصهيونية والإدارة الأمريكية ولكن كان الهدف الأساسي دائماً إدارة الصراع العربي الإسرائيلي والإبقاء على حالة الحرب وعدم الإستقرار التي تضمن تدفق الأموال والموارد من المنطقة العربية بإتجاه الغرب وأمريكا. هذا هو الهدف التاريخي من إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين حيث إلتقت مصالح الإمبريالية العالمية ممثلة في بريطانيا ومن بعدها أمريكا مع مصالح الحركة الصهيونية العالمية في السيطرة على الشرق الأوسط ومن خلالها السيطرة على العالم.
كيف يمكن أن يتحقق السلام مع الحركة الصهيونية التي في عقيدتها الفكرية "أن الأسياد يخوضون الحروب والعبيد وحدهم من ينشدون السلام" (المسيري، عبدالوهاب: تاريخ الفكر الصهيوني، جذوره ومساره وأزمته، 2009). هذا لا ينفي أبداً إمكانية التعايش السلمي والمشترك مع أتباع الديانة اليهودية الذين يؤمنون بالعدالة والمساواة والسلام بين الديانات وشعوب الأرض ولكن هذا لن يتحقق أبداً قبل هزيمة الفكر الصهيوني الإستعماري الإمبريالي في فلسطين.
حتى ذلك الوقت سوف تبقى المواجهة مع الحركة الصهيونية ودولة الإحتلال مفتوحة على جميع الأصعدة الفكرية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية والعسكرية، وسوف ينتصر في هذه المواجهة من يمتلك مقومات القوة ويستطيع أن يحافظ على هذه القوة في وجه الزمان المتبدل وفي عالم متغير بشكل دائم.
* أكاديمي فلسطيني