الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الثابت والمتحول في سياسة المشروع الاستيطاني الاستعماري

نشر بتاريخ: 16/04/2019 ( آخر تحديث: 16/04/2019 الساعة: 21:29 )

الكاتب: وليد سالم

منذ انبثاقها وحتى اليوم مثل الثابت في سياسة اسرائيل بيسارها ويمينها بأنها سياسة استيطانية استعمارية شاملة لبعدين: الأول منهما يتعلق بالسيطرة على الأرض، أما الثاني فهو استئصال الشعب الآخر، إما بالطرد، أو بالإخراج من إطار المواطنة بأشكال مختلفة.
في سياق هذا المشروع كانت أطروحة " السلام" لعبة خداع هدفها التغطية على السيطرة المتدرجة على الأرض. حيث تفاوتت هذه السياسة بين ممارسة الاستيطان الاستعماري الداخلي في مناطق فلسطين ١٩٤٨، وممارسة الاستعمار والتحكم من الخارج مع قطاع غزة( إلى حين) بعد انسحابها منها عام ٢٠٠٥، والذهاب نحو مزيج من الاستيطان الاستعماري والابارتهايد والحكم العسكري في الضفة الفلسطينية، وهذه ليست إلا تفاوتات جزئية في إطار مشروع استيطاني استعماري يسعى لقضم الأرض الفلسطينية وكذلك العربية( حيث ضمت هضبة الجولان السورية لإسرائيل والتي لها مطامع إقليمية أخرى تتجاوز حدود فلسطين مثل مطامعها القديمة في الأردن والتي يعاد بعثها من جديد).

تدعي هذه المقالة الموجزة أن قطاع غزة ليس في النهاية خارج هذا المنظور التوسعي الاستيطاني الاستعماري لإسرائيل، مثله في ذلك مثل القدس والضفة الفلسطينية وأراضي فلسطين فيما قبل عام ١٩٤٨ ، وإن تم الانسحاب من داخله عام ٢٠٠٥، وأنه يجب الحذر من اثارة أوهام تذهب بغير هذا الاتجاه.والسطور التالية موجهة للتحقق من هذا الادعاء.

يجدر الإشارة ابتداءا إلى أن التصور الاسرائيلي بشأن غزة قد كان دائما في إطارا استيطانيا استعماريا، ويكفي للدلالة على ذلك أن لواء غزة حسب تقسيم عام ١٩٤٥ والذي كان يضم قضائي بئر السبع وغزة ، قد مثل اكبر ألوية فلسطين مساحة في حينه حيث بلغ ما يزيد عن نصف مساحة فلسطين كلها. وفي عام ١٩٤٨ قامت اسرائيل بالتهام ٠٧&
39; بالتهجير الصامت' الناتج عن ضغوطات الحصار الاسرائيلي على غزة، والذي بلغ عشرات الآلاف ممن غادروا قطاع غزة في السنوات الأخيرة الى أوروبا وتركيا وغيرهما كما تشير مصادر متعددة. لذا من المناسب التحذير من هذا التفريغ المتدرج للقطاع من سكانه، وضرورة رسم سياسات وبرامج لوقفه.

من المناسب التنويه أن النهجين الاسرائيليين المذكورين اعلاه مختلفين حول إما تقديم المساعدات الإنسانية ل" سكان" غزة مترافقا مع ابقاء غزة تحت الحصار المسبب للتهجير الصامت، أو طردهم بالقوة مما يعني جعل اسرائيل غير مسؤولة بالمطلق عنهم حتى انسانيا.

أما بشأن حماس فإن هذين الاتجاهين متفقان حول ضرورة تركيعها وتجريدها من السلاح. الأول عبر ابقاء حالة الحصار والتفاوض غير المباشر في ظله معها على إجراءات إنسانية تخفيفية ، مشروطة بالتهدئة التي ستجعل سلاح حماس يتلف في المخازن على مر الزمن، كما يجعل من الممكن تركيعها وإنزال سقفها السياسي بشكل متدرج، ويخلق لها مشكلة مع فلسطينيي القطاع جراء عدم قدرتها على توفير متطلبات المعيشة كاملة لهم مما يزعزع حكمها . أما الاتجاه الثاني فيرى ضرورة إنهاء حكم حماس بالقوة. كلا الاتجاهين لا يعترف بحماس ، ولكنهما يختلفان حول وسائل إسقاط حكمها : الأول عبر مزيج من الوسائل السياسية والضربات العسكرية الموسمية سيما من الجو، أما الثاني فلا يعترف سوى بالوسائل العسكرية لاسقاط حكم حماس ، بما فيها الاجتياح البري.
في هذا الإطار يرى الاتجاهان استمرار فرض الحصار على قطاع غزة، بديلا للاعتراف بكيان في غزة تقوده حماس طالما هي مدججة بالسلاح. وكلاهما لن يعترفا بحماس كحاكمة لكيان حتى بعد أن تتجرد من السلاح وتتجه للتفاوض مع اسرائيل مدعومين بهذا الاتجاه من الادارة الأمريكية وصفقة القرن التي لا ت
تحوي اكثر من رشاوى إنسانية للفلسطينيين مقابل إسقاط الحقوق السياسية.
لنا عبرة مما فعلته اسرائيل مع السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة، فبعد أن اختارت نهج السلام الكامل ذهبت باتجاه هدفها الأصلي لإبتلاع الأرض وضمها كليا أو جزئيا الى اسرائيل بدون اعتبار للسلطة ولا لتوجهها السلمي. وهنا يجب فهم منظومة السلام في نطاق المشروع الاستيطاني الاستعماري، حيث لا تعدو دعوات السلام الاسرائيلية من أن تكون مجرد " وقت مستقطع" من أجل الاستمرار خلاله بنهب الأرض، فيما تمارس السلام كلعبة علاقات عامة من خلال وعود معسولة تعتبر مجرد ضريبة كلامية وليست للتطبيق.
على حماس أن لا تلدغ من نفس هذا الجحر، عبر التوهم بأن اسرائيل قد اعترفت بها " كرقم صعب" وكقائدة لكيان نتيجة مقاومتها كما يقال. فالتصريحات والتحليلات الأسرائيلية لا تقول بالاعتراف بحماس، وإنما تقول بتركيعها بتدرج أو إنهاء حكمها بالقوة.

يجب التنويه ايضا إلى وضع آخر طرحته اسرائيل مع الضفة في سنوات التسعينيات من القرن الماضي، حيث قيل : " سنعطيهم حكما ذاتيا، وعلما ونشيد وسلطة" وإذا أرادوا الادعاء بعد ذلك ان هذه الرموز تعني دولة فلسطينية، فلهم ذلك، وإن كانت في الواقع مجرد سلطة على السكان دون الأرض التي تبقى بيد اسرائيل". كان هذا الطرح الاسرائيلي طرحا مؤقتا للتغطية على استمرار ابتلاع الأرض، ثم ضمها إلى اسرائيل بغض النظر عن توجهات ومواقف السلطة الفلسطينية.

لحماس ايضا أن تحذر من هذا الفخ بتوهم أن اسرائيل تعطيها كيانا تحكمه، فيما لا يقول بوجود هذا الكيان غير حماس نفسها فقط، وإن توهمت إعتراف الآخرين به.

الثابت الاسرائيلي هو ابتلاع فلسطين ويليه التقدم نحو العالم العربي، أما المتحول فهو المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، وأساليب التهدئة والخداع والانسحابات المؤقتة والجزئية كما جرى في المنطقة المسماة أ من الضفة في سنوات التسعينيات من القرن الماضي، وقطاع غزة عام ٢٠٠٥. وقد علمت التجربة أن الثابت هو المستمر، أما المتحول فهو قابل للتغير والتراجع عنه، حيث أن وظيفته لا تتجاوز توفير الوقت المستقطع من أجل توطيد الثابت وتكريسه. لهذا لا تثقوا بالمتحول المطروح، ولا تحولوا الاطروحات المؤقتة الى نتائج ذات بعد بعيد المدى، مثل التصديق بأن اسرائيل وأمريكا تريدان تصفية القضية الفلسطينية عن طريق إنشاء كيان في غزة ، فحتى هذا الطرح لم يعد مقبولا على المشروع الاستيطاني الاستعماري الذي سينظر بخطورة بالغة لاستمرار وجود كتلة فلسطينية كبيرة( غالبيتها ايضا من لاجئي ٤٨ الذين يرنون لحق العودة) . ولا تصدقوا أي شيء مما تقوله اسرائيل بطابعها الاستيطاني الاستعماري ، ولكن انظروا الى افعالها على الأرض وآثار هذه الأفعال على المدى البعيد باتجاه التصفية الكاملة للشعب الفلسطيني كله طالما بقي الوضع الدولي داعما ، وبقي الوضع العربي والفلسطيني غير قادرين على عكس المسار.
وليد سالم