الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

اليسار بين الانقسام الفلسطيني والربيع العربي

نشر بتاريخ: 21/04/2019 ( آخر تحديث: 21/04/2019 الساعة: 16:51 )

الكاتب: سري سمور

نواصل الحديث عن اليسار الفلسطيني وموانع تمدده، وعوامل ضعفه وعجزه عن إحداث حالة منافسة حقيقية للقطبين، أحدهما أو كليهما، ويبدو أنه لا يظهر في الأفق ما يشير إلى تغير يذكر في وضع اليسار، ما لم تحدث انعطافة دراماتيكية.
خامسا: الموقف من القطبين والانقسام
في جدال/ حوار/ نقاش بين فتحاوي وحمساوي، قال الفتحاوي:اليسار يفضلكم علينا ويتحالف معكم، والشواهد موجودة، فرد الحمساوي:بل اليسار يفضل التحالف معكم ولو بتنازلات منه لا يقدمها لنا، والأمثلة حاضرة!
لعل هذا الحوار القصير يعكس، إلى حد ما، طبيعة ونمط التفكير السياسي ليس فقط عند المنتسبين إلى فصائل وحركات، بل حتى لدى الناس العاديين، مع التنويه أن المقصود في جدل الطرفين ليس (فدا) أو حزب الشعب أو جبهة النضال مثلا، بقدر ما هو للجبهتين وخاصة ج.ش.
وحقيقة على مستوى غير المؤطرين من يرفض أو لا يعجبه مسار فتح، لن يميل إلى اليسار سواء في استحقاق انتخابي أو غيره، لأنه لا يضمن أن اليسار سيتحالف مع فتح ضمن تسوية معينة وضمن تبريرات سياسية أو غيرها؛ ومن لا يعجبه مسار حماس كذلك لا يضمن أن اليسار، سيضع يده في يدها، ضمن ائتلاف معين، أو صفقة ما، والتجارب على الطرحين المتباينين المذكورين فعلا موجودة.
لذا صار الرافض لأي من النهجين أو البرنامجين(فتح وحماس) يتجه إلى أحدهما، ولو كان لديه تحفظات أو ملاحظات لأنه لا يضمن ثبات اليسار(كبديل) على موقفه؛ ففتح خصم لحماس وبالعكس وليس ثمة خصومة سياسية حقيقية أخرى بهذا الزخم والقوة والعناد، واليسار ليس كذلك مع أيهما!
وربما يرى اليسار أن هذا دليل وبرهان واضح على حياديته، في التعامل مع حالة الانقسام، وأنه لا يرضي أحدا لأنه ليس مع أحد فعلا، ولكن اليسار حتى ضمن الفصيل الواحد، تجد أصوات القادة والمتحدثين باتجاهات مختلفة، وأي راصد أو مراقب يلحظ هذا.
طبعا ناهيك عن كون اليسار ليس له موقف واحد فصائليا، والشارع الفلسطيني يدرك أن ثمة فصائل يسارية أقرب من فتح منها إلى حماس وبالعكس، بل أحيانا تجد بعض رموز اليسار يتحدثون بمفردات وأفكار حادة في انحيازها، طبعا نستثني (ج.ش) و(ج.د) والمبادرة من حالة التناغم التام، وإلا فإن بعض ممثلي ووجوه اليسار يتبنون مواقف هجومية تجاه حماس لا تكاد تصدر حتى عن ناطقي وقادة فتح.
وفتح ترى أن لها دالّة على اليسار من زاويتين الأولى بسبب كون م.ت.ف تجمعها مع اليسار، والثانية لأن فتح -غير المؤدلجة- ترى أن على اليسار أن يراها أقرب بحكم أن أيديولوجية حماس مناقضة، وفكر حماس –برأي فتح- منغلق على الأطياف الأخرى، وفتح أكثر مرونة وليبرالية من حماس فالأولى باليسار ألا يتقارب معها، ولو اختلفت الرؤية السياسية بين فتح واليسار وتقاربت مع حماس.
ولكن تحالف فصائل من المنظمة مع حماس والجهاد الإسلامي صار أقوى وأمتن بعيد أوسلو، ولم تَحل عضوية م.ت.ف دون تشكيل أكثر من حالة ائتلافية سياسية وإعلامية وأحيانا ميدانية بين هذه الأطراف؛ ذلك أن اليسار منذ مدريد وهو يرى أن عملية التسوية لم تخضع للتوافق المطلوب داخل مؤسسات المنظمة بفعل الواقع؛ واقع يقول بأن فتح هي عصب م.ت.ف أو الأغلبية فيها، وعلى كل حال فإن ج.ش قاطعت جلسات المجلس الوطني العام الماضي التي أفرزت لجنة تنفيذية جديدة.
أما مسألة الأيديولوجيا المتناقضة بين حماس واليسار؛ فقد غلبت السياسة عليها، وصار هناك نقاط تلاقي مشتركة، أبرزها رفض مسار التسوية واتفاق أوسلو، وبالتالي جنح المختلفون أيديولوجيا للتحالف والتوافق السياسي .
وأما فيما يخص الانقسام فإن الموقف هو (دعوة طرفي الانقسام إلى تغليب المصلحة الوطنية على الحزبية) وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني والشروع فورا بإجراء تحضيرات لانتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني، وتفعيل الإطار القيادي المؤقت...إلخ.
طبعا يرافق هذا الخطاب انتقادات لتصرفات أو أحداث في الضفة أو في القطاع، يتلوها اتهام ضمني غير معلن غالبا؛ بأن سهام النقد اليسارية لا توجه إلى أحداث في الضفة بمقدار وقوة نظيرتها تجاه أحداث في القطاع، والعكس صحيح!
سادسا: الموقف من الربيع العربي
إضافة إلى ذلك فإن اليسار منذ بدء ما يعرف بـالربيع العربي، اتخذ مواقف أيضا تتناقض مع طرحه النظري الثوري، الذي كان يغالي في عدائه إلى مجمل النظام العربي الرسمي؛ وبخصوص سورية أيد النظام تحت يافطة المؤامرة، وكما أشرت سابقا حدث تقارب غريب مع الموقف الإيراني، وهو موقف مفهوم نوعا ما لوجود علاقات وطيدة بين النظام السوري وعموم اليسار الفلسطيني، سبقت علاقات النظام مع حماس، وشهدت دفئا أيام توتر أو برودة العلاقة بين نظام الأسد وفتح والرئيس ياسر عرفات.
وفي نفس الوقت أيد اليسار الانقلاب العسكري في مصر صيف 2013 وكان واضحا أن السبب يعود إلى نوع من المكايدة المتشفية بناء على الأيديولوجيا، أو هكذا سيفهم الحماس والتصفيق المبالغ فيه لهذا الأمر، ولو جرى تغليف ذلك بشعارات ضخمة كبيرة، عن الأمن القومي العربي وصد المؤامرات الإمبريالية، وغيرها من العبارات/الشعارات المكررة المعروفة.
ولكن ما مغزى قيام (ج.ش) بتهنئة مصر بافتتاح تفريعة جديدة لقناة السويس، مثلا؟هذا من اختصاص الدول والحكومات لا الحركات، وفي ظروف مختلفة خالية من الاستقطاب والأدلجة، وهل هذا أفاد اليسار أو القضية في شيء؟ووفق مبررات التهاني يجب تهنئة أي دولة عربية بأي مشروع بنية تحتية كبير تدشنه، ولو من باب المساواة...أليس كذلك؟!
ومؤخرا أيدت فصائل يسارية ما جرى من تغيير في السودان، هي نفسها ترفض التغيير في سورية، ومثل هذه المواقف تدل على انشغال ولو إعلامي ونفسي بقضايا أخرى بينما قضيتنا فيها من التفصيلات والتعقيدات ما يغنينا عن سواها.
وهنا طبعا وجب التوضيح بأننا لسنا في جزيرة معزولة عن العالم، ولا نتأثر بما حولنا، بل وكما أؤكد دوما أن نكبتنا في جزء كبير منها سببها ضعف أو تخاذل أو تواطؤ النظام العربي الرسمي، ويجب أن نهتم ونراقب ما يجري حولنا وفي العالم، وأن يكون لنا موقف –أعني على مستوى الفصائل- يزن الأمور بحذر شديد، والسكوت عن التعقيب والتعليق أفضل وأسلم كثيرا...فاتخاذ (اللاموقف) هو في أحايين كثيرة أفضل وأسلم موقف!
ومن ناحية أخرى فإن بعض المواقف تقود صاحبها إلى مربع الأيديولوجيا التي يحاول التخفيف من غلوائها لتسويق حزبه وفصيله في الفضاء الوطني، وهو أسلوب لا تحفّظ عموما عليه، وقد حقق نجاحا في السابق، ولكن الآن وكأن الأيديولوجيا مغناطيس يشد المواد أو المعادن التي تقبل الجذب إليه، فتحدث حالة الفرز التي نراها، واليسار في ميدان الأيديولوجيا لا يربح بالتأكيد.
عموما في المقال القادم إن شاء الله تعالى سأتحدث بإيجاز عن مراحل العلاقة والتحالف والبرود بين اليسار(أبرز قواه) وحماس وتشعبات وتأثيرات هذا الأمر.