السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مصر جوهرة القضية الفلسطينية

نشر بتاريخ: 22/04/2019 ( آخر تحديث: 22/04/2019 الساعة: 17:02 )

الكاتب: عز عبد العزيز أبو شنب

على مدار أكثر من نصف قرن، لم تبخل مصر بالغالي والنفيس من أجل القضية الفلسطينية، وبذلت قصارى جهدها دون النظر لاعتبارات إقليمية أو دولية أو لحسابات شخصية، بل استغلت دورها الإقليمي ومشاركتها في المحافل الدولية لدعم القضية، فالقاهرة تعتبر فلسطين جزءا لا يتجزأ من أمنها القومي.

فلا يمكن إغفال الدور التاريخي لمصر في تحقيق المصالحة الفلسطينية، وسبل التسوية النهائية للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من لقاء على أن القضية الفلسطينية مازالت على رأس أولويات السياسة الخارجية المصرية، مشيرا إلى الجهود المكثفة التي تبذلها القاهرة للتوصل لحل نهائي بإقامة دولتين بما يسمح بالحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإحلال السلام، والاستقرار في المنطقة.

لم تحاول مصر ( كما فعل العديد من الدول) أن توجد ذراعا لها في منظمة التحرير الفلسطينية لتكون لسان حالها داخل المنظمة وينطق باسمها، بل تركت للفلسطينيين إدارة شؤنهم بأنفسهم ونأت عن الانخراط في الصف الفلسطيني بالطريقة التي تعوق النضال الفلسطيني وتفرض وصاية يمكن أن تكون مضرة أكثر ما هي نافعة، وبالإضافة إلى ذلك فقد احتفظت مصر طوال هذه العقود من النضال الفلسطيني المدعوم مصريا بنظافة اليد واللسان فلم تتلوث أيدي مصر بدماء الفلسطينيين قط، وكانت ترى دائما أن السلاح يجب أن يوجه إلى من يجب وليس إلى الأشقاء مهما كانت المزايدات.

وفى المرحلة الراهنة رغم ثقل أعباء مصر وخاصة بعد الثلاثين من يونيو، ورغم مواجهتها للإرهاب ومهمات بناء الدولة والاستقرار وترسيخ قواعد النظام الجديد، لم تتوانى في خدمة القضية الفلسطينية، بل وجدت هذه القضية مكانتها الجديرة بها، في الأجندة الوطنية واستعادت القضية فاعليتها وتصدرها للمشهد المصري رسميا وشعبيا وحاولت مصر رأب الصدع الفلسطيني بين فتح وحماس ولا تزال، وحددت الخطوط العريضة لمعالجة الانقسام، وأبدت تأييدها المتوازن لمطالب معظم الأطراف في إطار الحرص على الوحدة الفلسطينية التي تظل الناظم الأكبر والأوحد لفاعلية النضال الفلسطيني ومصداقيته على الصعيد الإقليمي والدولي.

والأهم من ذلك هو أن مصر في دورها ومواقفها إزاء القضية الفلسطينية لا تستثمر هذه القضية كما يفعل العديد من الدول على الساحة الإقليمية لتعزيز مكانتها الإقليمية في صراعات المنطقة أو تغذية مشروعاتها الإقليمية التي تستهدف تدعيم مصالحها وتعظيم مكاسبها، فمصر لا تمن على أحد بدورها ومواقفها بل تعتبر أن هذه المواقف جزء لا يتجزأ من واجباتها ومهماتها إزاء نفسها وإزاء أشقائها الفلسطينيين، وترى أن ما قامت به حتى الآن جزء مما يجب القيام به حتى ينال الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة وغير القابلة للتصرف وفق المواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولي ووفق أسس حل الدولتين المستقر والمعترف به دوليا.

حرصت مصر في كافة المراحل على أن تظل القضية الفلسطينية في دائرة الضوء وألا تغيب عن مجال الإهتمام الإقليمي والدولي مهما كانت طبيعة المشكلات التي تواجه العالم وحتى عندما كانت مصر تعاني من مشكلات داخلية لم يغب عنها مطلقاً الهم الفلسطيني، وقد كان لعضوية مصر في مجلس الأمن دوراً هاماً في دعم القضية الفلسطينية في أهم المحافل الدولية ولعل التحرك المصري الأخير في مجلس الأمن من أجل مواجهة القرار المجحف الذي إتخذه الرئيس الأمريكي ترمب بإعتبار القدس عاصمة لإسرائيل يعد خير مثال على قوة وحيوية التحرك المصري في هذا المجال.

وفى نفس الوقت كانت مصر حاضرة ومبادرة وهي تواجه أخطر القضايا الفلسطينية الداخلية وأعنى بها مسألة الإنقسام الفلسطيني فقد بذلت مصر جهداً خارقاً منذ عام ٢٠٠٧ لا تستطيع أية دولة في العالم أن تبذله حتى وصلت إلى بلورة وثيقة مصالحة فلسطينية متكاملة وشاملة عالجت كافة قضايا الإنقسام وتم التوقيع عليها في القاهرة في الرابع من مايو ٢٠١١ وللأسف لم يتم تنفيذ هذه الوثيقة في أعقاب نشوب ثورات الربيع العربي، ثم إتجهت مصر إلى إستئناف جهودها الناجحة مرة أخرى في نهاية عام ٢٠١٧ وتوصلت إلى توافق مع كافة الفصائل الفلسطينية من أجل إقرار المصالحة وإنهاء أكثر من عقد من الزمن عاش فيه الفلسطينيون في ظل إنقسام لعين، ولا زالت الجهود المصرية مبذولة ومتواصلة من أجل تطبيق إتفاقات المصالحة.

ان الدور المصري لم يقتصر على جهود ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، إذ يتعداه إلى دور تاريخي بأبعاد اجتماعية، وقانونية، وإنسانية، وسياسية، وثقافية، وأمنية.

فدور مصر العروبة كبير في القضية الفلسطينية، إذ أن الدولة المصرية والشعب المصري احتضنوا وأسسوا للعمل الفدائي الفلسطيني، وهنا نتحدث عن دور الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر الذي ساهم في تأسيس منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين.

لم تكتفِ مصر بتأسيس العمل الفدائي والنضالي الفلسطيني، إذ ساهمت في دعمه دولياً من خلال التنظير له من خلال الدبلوماسية المصرية، وجادت مصر بدماء أبنائها على ثرى فلسطين، وخيرُ شاهدٍ على ذلك قبور شهداء الجيش المصري في قطاع غزة.

أن مصر حافظت على الهوية الفلسطينية، عندما أصرَّت على عدم تجنيس الفلسطينيين اللاجئين، وذلك لعدم تذويب حق العودة، فالعلاقة بين مصر وفلسطين هي ثرى أرض ارتوي بالدماء المصرية دفاعاً عن عروبة فلسطين.