الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

كتابُ "امرأة الساعة السادسة والثلاثين" حديثُ الطبقاتِ الست

نشر بتاريخ: 09/05/2019 ( آخر تحديث: 09/05/2019 الساعة: 11:26 )
كتابُ "امرأة الساعة السادسة والثلاثين" حديثُ الطبقاتِ الست
الكاتب: خليل عبد القدر عيسى
شكَّل السجنُ والأسرُ والاعتقالُ، وما زالَ، هاجسًا يسكن عيسى قراقع ولا يفارقُه؛ وما الكتابُ الأخيرُ "امرأة الساعة السادسة والثلاثين" مسبوقًا بكتبٍ أخرى محورها المأسورون والمسجونون المعذبون إلا دليلٌ واضحٌ على هذا السكون الدائمِ الذي فاضت بسببه قريحتُه وانطلقت على إثْرِهِ أدبياتُه هنا وهناك.
يَنسجُ المؤلفُ في هذا الكتابِ نصوصًا مُرقَّشةً بخيوطٍ من حريرٍ، يَحيكُ لغةً من رَحمِ الموتِ وقَعرِ الزَّنازينِ وَجَلَبَةِ السُّجونِ وعَذابَات المَظلومين.
تجربةُ الأسرِ والأسرى والتَّمكُّنِ من ناصية اللغةِ والتلاعبِ بحروفِها ومفرداتِها، كلاعبِ سيركٍ ماهرٍ خفيفِ اليد، شكَّلا مادةً ثرَّة بين يدي الكاتبِ في إضفائهما بُعدَ عدسةِ المصوَّرِ المحترفِ والفنانِ في آن، جَعَلتَاه يصوِّرُ دقائقَ الأحداثِ والمواقفِ بدقةٍ عالية، ينقلُ واقعَ الحركةِ والسكونِ، والهمسِ والبوحِ، وجعلتاه طَبيبًا يجسُّ الأوجاعَ والهمومَ والآلام؛ اسمع له وهو يقول في "الساعةُ العاشرةُ ليلاً بتوقيت المسكوبية": "زنازينُه المتراصةُ المتباعدةُ، ساحةُ الشَّبْح، أسماءُ المحققين المتعاقبين، صوتُ الحديدِ والقيود، قَرعُ الأبوابِ في منتصفِ الليل، خَربشاتُ الأسرى على الحيطانِ المدبَّبة … الزِّنزانةُ ضيقةٌ، مليئةٌ بالروائحِ الكريهةِ، الحيطانُ مُدبَّبةٌ، الفَرشةُ مبلولةٌ وقَذرةٌ، لا شُباكَ ولا فضاءَ، ضوءٌ أصفرُ باهتٌ يتَسلطُ على العينينِ والنومِ وأحلامِ اليقظةِ، جُرذانٌ وصراصيرُ في الزِّنزانةِ، بابٌ مُصفَّحٌ بالفولاذِ يُردِّدُ أوجاعَ المحشورينَ في عالم المسكوبية.
ولغةُ "امرأة الساعة السادسة والثلاثين"، في حَركاتِها وسكناتِها وفواصِلها وعلاماتِ ترقيمها، حمّالةُ هَمٍّ وألمٍ وتعبٍ وظلمٍ وقهرٍ وعذابٍ نفسيٍّ وجسديٍّ وتشظٍّ وضياعِ زمنٍ وغيابِ روحٍ وعواطفَ جياشةٍ ومشاعرَ فياضةٍ وأحاسيسَ صادقةٍ؛ وتظهر هذه اللغة في وصف رحلة البوسطة مع الأسيرة خالدة جرار: "الرحلةُ في البوسطةِ قد تستغرقُ ذهابًا وإيابًا خمسةَ أيام، تتوقفُ أمامَ بابِ كُلِّ سجنٍ، أو عندَ كلِّ مِعْبَارٍ، والأسرى في داخلها محشورون في عُلبةٍ حديديةٍ باردةٍ، مُقيَّدون ومربوطون بمقاعدَ حديديةٍ مدبَّبةٍ، مخنوقون، يتمايلونَ شِمالًا ويمينًا كلما دَعَستْ عجلاتُ البوسطةِ على مَطبٍّ في الشارعِ، تَرتطِمُ رؤوسُهُم بالمقاعدِ الفولاذيةِ، أرجلُهُم محشورةٌ ومربوطةٌ، لا حركةَ ولا راحةَ ولا هواءَ ولا شمسَ، أوجاعٌ في الأجسادِ لا تُطاق".
وتتفاعلُ نصوص "امرأة الساعة السادسة والثلاثين" مع الأحداثِ وتفاصيلِ الزمان والمكان تفاعل الأكسجين مع الهيدروجين؛ فـ "هنا دولةُ قراصنةٍ، تمارسُ الابتزازَ الماليَّ والضغطَ والتهديدَ باحتجازِ أموالِ الشعبِ الفلسطيني من عوائدِ الضرائبِ تحت ذريعةِ إعانةِ أهالي الأسرى والشهداءِ والجرحى، متناسيةً أنَّ كلَّ القتلةِ والمجرمين اليهود يتلقونَ رواتبَ ومساعداتٍ وحياةً رغيدةً من قبلِ حكومةِ الاحتلالِ ومؤسساتِها الاجتماعيةِ، بل يتلقُّون الحمايةَ والحصانةَ والافتخارَ بهم وبأعمالهم الإجراميةِ".
إنَّ قراءةً واعيةً مُدققةً مُفصِّلةً مُتأملةً لكتاب "امرأة الساعة السادسة والثلاثين"، بتقنية "التَّصوير الطَّبقي" تكشف عن طبقات أدبيَّةٍ ولغويةٍ وسرديَّةٍ ستةٍ:
أ) الطبقة الأولى: الطبقةُ التقريريةُ الإخباريةُ
تطغى اللغةُ الإخباريةُ التقريريةُ في مجموعِ نصوصٍ مبثوثةٍ في "امرأة الساعة السادسة والثلاثين" وتتضح فيها السرديّةُ المباشرةُ والوصفُ الدقيقُ لمجريات الأحداثِ، ومن أمثلة ذلك مقالته المعنونة بـ "عندما ينتفض شعب المليون أسير": "لقد تجندتْ حكومةُ الاحتلالِ العنصريةِ بكافةِ وزرائِها وجهازِها الأمنيِّ والعسكريِّ والقضائيِّ ضد الأسرى والدعواتِ البغيضةِ بقتلِهم وإعدامِهم وتركِهم حتى الموت، ورافقَ ذلكَ إجراءاتٌ لا إنسانيةٌ وقمعيةٌ بحقِّ المضربين، وكأنَّ حكومةَ الاحتلالِ فتحتْ جبهةً ثالثةً على الأسرى المعتقلينَ لتدميرِهم وتحطيمِهم وتجريدِهم من حقِّهم الوطنيِّ والإنسانيِّ والنِّضاليِّ، ومن صفتِهم القانونيةِ كرموزٍ ومناضلينَ لأجلِ الحريةِ والكرامةِ والاستقلال"
ب) الطبقة الثانية: الطبقةُ الأدبيةُ الزخرفيةُ
في كتاب "امرأة الساعة السادسة والثلاثين" نصوصٌ أدبيةٌ شبهُ كاملةٍ من طرازٍ مميزٍ وأنيقٍ يتألقُ فيها الكاتبُ؛ فَكلُّ عبارةٍ وجملةٍ وفقرةٍ تبني أيقونةً مزخرفةَ التعبيرِ والصورةِ، ففي "بيت لحم في عيدِ ميلادِها … هناك محاكمةٌ في السَّماء" يقول: "في بيت لحم العتيقةِ، ترقدُ الكنيسةُ، وأَلفُ بئرٍ وقبرٍ ولغةٍ وآيةٍ، وفيها عظامُ الأنبياءِ والأولياءِ، وفي أحشائِها التاريخُ والشهداءُ والحجارةُ والدوالي والقمحُ والعسلُ الأحمرُ، وتسمعُ فيها ألحانَ الرعاةِ، ومن عينيها يَنفَذُ النورُ إلى قلبِ البيوتِ المستكينةِ، ومِنْ على جبلٍ تُطلُّ على البحرِ والقدسِ والبساتين الحزينةِ .. في بيت لحم يلتقي الحبيبُ مع الحبيبةِ، يَفُكَّانِ قيدَهما وينزعانِ المساميرَ عن يدي اليسوعِ ويتعانقانِ في الضَوْء".
ج) الطبقة الثالثة: الطبقةُ التقريريةُ الإخباريةُ ممزوجةً بالأسلوبيةِ الأدبيةِ
وما بين الطبقةِ الأولى والطبقةِ الثانيةِ طبقةٌ وُسطَى يمزجُ فيها الكاتبُ بين لغةِ التقاريرِ والأخبارِ واللسماتِ الفنيةِ والأدبيةِ مَزْجَ الرسامِ للألوانْ، كريشةٍ بيدِ فنانْ؛ فـ "تحتَ علمِ الأممِ المتحدةِ .. سقطَ الطفلُ عبد الرحمن عبيد الله": "تحتَ علمِ الأممِ المتحدةِ المرفوعِ فوقَ بوابةِ مكتبِ وكالةِ غوثِ اللاجئينِ في مخيمِ عايدة، وتحتَ زيتونةٍ خضراءَ يانعةٍ، سقطَ الطفلُ عبد الرحمن عبيد الله (13) عاما، برصاصةِ قناصٍ إسرائيليٍّ اخترقت القلبَ، سالَ الدمُ، وسالَ الزيتُ مشعًّا على الأرضِ معلنًا حلولَ موسمَ القطافِ".
د) الطبقة الرابعة: طبقةُ تَقمُّصِ الدور
نحَتْ بعضُ نصوصِ الكتابِ، وهي قليلةٌ، نَحوَ أنْ يتقمَّصَ الكاتبُ شخوصَ نُصوصِه لينقلَ بحروفِه وكلماتِه أوجاعَهم وآلامَهم وهمومَهم حينَ تنقطعُ بهم سُبلُ القَولِ وطرقُ التعبيرِ فتراهُ مكانَهم لسانًا صادقًا أمينًا؛ يقول في "حديث المعدومين": "أطلقَ الجنودُ الإسرائيليونَ رصاصةً على قَدمِي، وقعتُ على الأرضِ، أحاطَ بي المستوطنونَ ورقصوا حولي، هَتفُوا: اقتلوه … اقتلوه، الموتُ للعربِ، تَوقعتُ أنْ تصلَ سيارةُ إسعافٍ وأنْ أُنقَلَ إلى العلاجِ بعد أنْ أصبحتُ غيرَ قادرٍ على الوقوفِ والحركةِ، أَنزِفُ الدماءَ، وفجأةً استجابَ أحدُ الجنودِ للهتافِ، واقتربَ مني، ومن مسافةِ صفرٍ أطلقَ الرصاصَ بغزارةٍ على رأسي وصدري حتى سقطتُ شهيدًا وسطَ الابتهاجِ الهستيريِّ والاحتفال بموتي".
هـ) الطبقة الخامسة: التوثيقية الأرشيفية
يبدي الكاتبُ، في هذهِ الطبقةِ، اعتناءً كبيرًا واهتمامًا ملحوظًا بوضوحٍ بالتفاصيلِ والأرقامِ والإحصائياتِ والأسماءِ؛ فلا يَتركُ شاردةً ولا واردةً إلا أحصَاهَا؛ ويظهر ذلك جليًا في "عندما يتوحد الشهداء مع الأحياء في خيام التضامن مع الأسرى المضربين" على سبيل المثال الحصر حين يقول: "زُفَّتْ الشهيدةُ الطفلةُ والأسيرةُ المحررةُ فاطمة حجيجي 16 سنة من خيمةِ التضامنِ في مدينةِ رام الله يوم 17/5/2017 والتي سقطتْ يومَ 7/5/2017 بعدَ إطلاقِ النارِ عليها في منطقةِ بابِ العامودِ في القدسِ بشكلٍ متعمدٍ ودونَ أنْ تشكِّلَ خطرًا على جنودِ الاحتلال .. الشهيد سبأ عبيد زُفَّ من خيمةِ التضامنِ في سَلفيت يومَ 12/5/2017، عاد مشتبكًا مع جنودِ الاحتلالِ في قريةِ النبي صالح".
و) الطبقة السادسة: طبقة المعرفة والثقافة والفكر
نثرَ الكاتبُ، في هذهِ الطبقةِ، قراءاتِه وثقافتَه، وأبدى فيها اطلاعًا عميقًا وواسعًا على مصادرَ أغنتْ نُصوصَه ودعَّمَت أَقوالَه وآراءَه واستطاعَ أنْ يُوظِّفهَا في مَكانِها بإتقانٍ؛ ويعبر عن هذه الطبقة في "سميحُ القاسم ولوركا .. لقاءُ ما بعد الموت" حين يقول: "رحلَ الشاعرُ الفلسطينيُّ "طَائرُ الرَّعدِ" سميحُ القاسمِ في نفسِ اليومِ الذي تُوفيَ فيه شاعرُ إسبانيا العَظيم "فيديريكو جارثيا لوركا"، وقد التقَى الشاعرانِ الكبيرانِ أخيرًا في لحظةِ الموتِ، بعد انتظارٍ طويلٍ على المسافاتِ الصعبة، وبعدَ رحيلٍ ملحميٍّ تفوَّقَ على التَّاريخٍ، وكلِّ أشكالِ الاضطهادِ السياسيِّ، عندما عَبرُوا معًا فوقَ جِسرِ القصيدةِ من الأندلسِ إلى القدسِ .. كانَ سميحُ القاسمِ يبحثُ عن لوركا في شوارعِ مدريدَ، وفي دَهشتِها، سِحرِها وحَضارِتها وقُصورِها وحدائِقِها، وفي سُجونها وقُبورِها … ظَلَّ سميحُ القاسم يَنتظِرُ في سَاحةِ غَرْناطَةَ قدومَ لوركا، ليحتفَلا معًا بزوالِ الاستعمارِ وبرحيلِ الفقرِ وانتصارِ الإنسانيةِ والديمقراطيةِ".
لقد بدا عيسى قراقع في "امرأة الساعة السادسة والثلاثين" مولعًا بالتكرارِ في كثيرٍ من نصوصِ كتابه مَسكونٌ به؛ تكرارٍ لعِنواناتِ موضوعاتِه كاملةً أو بعضِ كلماتها وكأنَّه يريد أنْ يحفرَ نقشًا لا يمَّحي ولا تطويه ذاكرةُ النسيان يومًا مَا، يَأخذُ على عاتِقِه أنْ يُذكِّرَ ويُذكِّرَ فَلعلَّ الذِّكرى تُوقِظُ أصحابَ الضمائرِ والغَافلينَ والمنشغلينَ؛ ويُلحظُ هذا التكرارُ في 38 ثمانٍ وثلاثين مقالةً من أصل مقالاته الـ 86 الستٍ وثمانين؛ بلغةِ الأرقامِ والإحصائياتِ والعدِّ باليدِّ، بلغ عددُ التِّكرراتِ في الكتاب 447 مرةً تكرارًا.
ولأنَّ عيسى قراقع يَعشقُ العربيةَ التي تسري في دمهِ فقد أكثرَ من تناصَّاته لشعراءَ معروفينَ كمحمود درويش وسميح القاسم ومعين بسيسو وأدونيس وبنايوت زيدان واسكندر الخوري وخليل توما وخليل زقطان وعبد الرحيم محمود وسميح فرج وتوفيق زياد وأحمد شوقي وشِّى بأشعارهِم نُصوصَه، وَأَسبغَ عَليها ألحانَهَمُ العَذْبَةُ؛ فمن سميح القاسم اقتبسَ عنوانَ قصيدته "الشهيد زياد أبو عين: كان قبري .. فكيف أصبح قبرك؟!" ليكونَ عنوانًا لإحدى مقالاتِ الكتابِ، وفيها يقول سميح:
كانَ قبري
فكيفَ أصبحَ قبرَكْ
وهو سرّي، أم أنه سرّكْ
غبتَ عني، هل غبتَ عني؟
وهذا طيفُك الحيُّ
بيننا يتحركْ
وكذا اختارَ مجموعةً من المقولاتِ والأغاني الوطنيةِ ليبنيَ مداميكَ جميلةً في بنيانِ نصوصهِ العديدة؛ فَهَا هو يَأخذُ بِقولِ البير كامو في "حديث المعدومين": "إنَّ الضحيةَ تدخلُ عالمَ الموتِ بسرعةٍ دونَ أنْ تعرفَ ما يحدثُ لها مهمَا كانَ ذعرُهَا من العنفِ المميتِ الذي تُعاملُ به، إنَّ لحظةَ الرُّعبِ هذه محسوبةٌ من لحظاتِ الحياةِ، والضَّحيةُ لا تَفقدُ البتةَ، على الأرجحِ، الأملَ في النَّجاةِ من الجنونِ الذي يَنهارُ عليها".
ولأنَّه يتنفسَ العربيةَ لم يكتفِ بالتناصاتِ من الشعراء بل صاغ كثيرًا من الأسطرِ الشعريةِ قَفلَ بها مقالاتِه ونَصوصَه كقوله في "بعد أنْ صرتُ أطرشَ":
أيها الناسُ: اصْرُخُوا واصْرُخُوا
اكْسِروا طَرشِي واصْرُخُوا
أريدُ أنْ أسمعَ وأَفيقَ
أسمعَ كلَّ منْ استُشهِدَ وَمنْ سُجِن
ومنْ صمدَ في غرفِ التَّحقيق
اصْرُخُوا
كَشفَ الكاتبُ عن براعةٍ في صياغةِ صورهِ الفنيةِ وتشبيهاتِه المرسومةِ بمزيجِ ألوانٍ متناسقٍ خُطَّ بإبداعٍ كما يتضحُ في نصوصٍ عديدةٍ كنَّصِهِ "عندما تورط الاحتلال مع مخيم الدهيشة" حين يقول: "خَرجَ مخيم الدهيشة من جُرحهِ وغِمدهِ إلى حقولِ الهواء، فجرٌ يلقحُ فجرًا، بِذارٌ وحكايةٌ تتناسلُ باسمِ الفقراءِ الذين يرفضونَ الاختناقَ بصمتٍ .. رأيتُ النَّاسَ يَلتحفونَ بالحاضرِ وهو يَدبُّ على عتباتِ من الدَّمِ، يَلتحفونَ سماءً حمراءَ، ويتذكَّرون، وكُلَّما تذكَّروا أَكثرَ كُلَّما توسعَ الانفجارُ وسَقطَ الوهمُ".
وأخيرًا، ولمن يسأل: لم هذا الكتاب "امرأة الساعة السادسة والثلاثين"؟ وكتبه الأخرى التي سبقته؟ فالجواب موشيٌ به في أحدِ نصوصِ كتابه حينَ أبلغَ دكتور السمعيات عيسى قراقع بأنَّه صارَ أطرشَ، "فألحَّ على الطبيبِ أنْ يَجدَ حلاً فهو يحتاجُ أنْ يَسمعَ جيدًا، ويَسمعَ كَثيرًا لأنَّ الهامسينَ كَثُروا، والمغلقةَ أفواهُهُم ازْدَادوا، وهناكَ من يحتاجُ أنْ يَسمعَ دَبيبَ دَمِهم، وأنَّاتِ أوجاعِهِم، هؤلاءِ القابعونَ في سجونِ الاحتلالِ، المحشرونَ في قبورٍ عميقةٍ لا يَسمعُهم أحدٌ سواهُ .. ليسمعَ كلَّ الذين يَطرقونَ على الأبوابِ بجوعِهِم ودَمِهم وإرَادَتِهم، وليحفظَ بدقةٍ أسماءَهم إنْ ظَلُّوا أحياءَ أو بعدَ المماتِ، مَنْ يَدله حتى لا تتعثَّرَ خُطَاه".