الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

قدوتنا أم لا؟ إحكموا بأنفسكم!

نشر بتاريخ: 13/05/2019 ( آخر تحديث: 13/05/2019 الساعة: 10:37 )

الكاتب: جمال نزال

في نهاية كل عام من سنوات دراستي الابتدائية دأبت على الاحتفاظ بكتاب اللغة العربية على وجه التحديد. قمت بشرائه في اليوم الأخير من كل عام أعيد قراءته خلال العطلة توقا للصف والصحب أجمعين. وأحتفظ ليومنا هذا بغالبية كتب اللغة العربية المقررة لما بين الصف الثاني الابتدائي و التوجيهي. ومؤخرا وقعت بلائحة كتبتها بخط يدي عام 1989 تتضمن سجلا للمائة كتاب الأولى التي قرأتها قبل التوجيهي وكنت فقدت لائحتي منذ عشرين عاما! لم تشمل اللائحة كتابا (فيه) قصيدة لنزار قباني بعنوان مثير: "الذين يزنون بالكلام". الزنى بالكلام غدا اليوم ظاهرة متجددة ليس بسبب نشوء فرضية "الحقائق الافتراضية" و إنما بزوغ فجر الأخبار المكذوبة. في فلسطين اشتعل أوار حرب الأكاذيب والاضاليل مع الحملة الانتخابية لحماس في 2005. وأبرز مرتكزاتها حرق السمعة وبث الأكاذيب حتى الموت. اغتيال السمعة هو مقدمة لاغتيال الشخص المستهدف.

سياق تاريخي للتشويه قبل القتل:

أحد قياصرة الرومان وهو تيبيريوس استن قانونا لإيقاع عقوبة الإعدام بمرتكبي جرائم محددة ولا يستثنى من طائلته سوى منه العذارى. أي أن مذهب "النفس بالنفس" مطبق على الناس إلا اذا كان القاتل فتاة عذراء. وصادف أن قتلت إحدى العذراوات مواطنا رومانيا وتم تقديمها للمحاكمة. ولم يثق القيصر بالقضاة بعد إذ حكموا ببراءتها على أرضية كونها عذراء لا يجوز إعدامها! عمت الحيرة أوساط البلاط من محاذير إطلاق سراح قاتلة لم تنكر الجريمة بلسانها من الأساس. همس أحد المستشارين بإذن القيصر عن وصفة يمكن اتباعها لإزالة "العذر القضائي" المحصن عن الفتاة. واقترح عليه أن يتم إغواء العذراء وتجريدها بذلك من هذه "الوقاية القانونية" كي يتسنى إعدامها بحكم أنها الآن "ملوثة" آثمة!

كيف استفادت حماس من هذا في دعايتها منذ تاسيس السلطة الوطنية؟

نزع الشرعية عن الأشخاص وعن الحقائق هو ديدن سقيم.

إذا قيل للاخوان أن قيام السلطة الوطنية على جزء من تراب فلسطين هو لبنة قيام دولة فلسطينية قالوا: "هذا تنازل عن 78% من فلسطين".

وإذا قيل لحماس: إن المطار الذي بناه ياسر عرفات في غزة منصة إقلاع للاستقلال قالوا ( وهم يلهثون اليوم على سراب "مدرج" يتسع لحمار واحد لو بمقدورهم النفاذ من على صهوته إلى قطر مجاور حتى لو هو الصومال) إن هذا سيادة منقوصة!

واذا قيل لهم أن 850 ألف فلسطيني عادوا من الشتات لفلسطين بعد اوسلو قالوا (والناس تهاجر من بطشهم الى البحر): "إن هذ غير مهم"!

اليوم هم على منوال: تهدئة بعد تهدئة تتخللهما هدنة ثم "مناوشة" منسقة و يعقبها هدوء. هدوء يعقبه حقائب مال ثم حرب يتسببون خلالها باستشهاد ألف فلسطيني. ثم يوافقون على كل شيء رفضوه في الجولة الماضية يصيحون: هذا انتصار!

هم يجهلون أن "الحقيقة العذراء" لا تفقد براءتها عشرين مرة بل مرة واحدة فقط. لكنهم يزجون للرأي العام بنفس العروس في نفس الثوب كلما استمرأت نفوسهم الخداع وسولت لهم بالكذب.

هل هم القدوة؟

بل جليس السوء.

محمود عباس مفكر وأكاديمي وسياسي فلسطيني شارك في صنع فتح و صار رئيسا. كان محمود عباس يعيش وهو قائد مؤسس لحركة فتح حرية المفكر والسياسي طليق اليد في وضع دراسات واستراتيجيات. في 2004 وقعت على رأسه مصيبة كبرى وضعت حدا لحرياته الشخصية. توفي أخوه الأكبر ياسر عرفات. صارت الناس أيتاما فهرعوا إليه وجعلوه رئيسا منتخبا انتخابا ديمقراطيا لكل الشعب الفلسطيني. تم إلقاء الحمل بكامله على كاهل الرئيس محمود عباس. في عام 2005 قال عنه خصومه هذا رجل يصلح لرئاسة السويد أو بروفيسور جامعة. قالوها وذهبوا للفراش. استيقظوا في 2009 بعد المؤتمر السادس لحركة فتح ليجدوا أن أقدم رؤساء العالم قد يقف بين يدي العالم محمود عباس وقفة التلميذ. منذ حينه مر الرئيس بألف اختبار واختبار أظهر فيها شجاعة وقوة شكيمة فما لانت عريكته حتى في مجابهة ضغوط من قوى عظمى لا تظهر صغيرة إلا أمام استجابتها لمصالح إسرائيل.

ربما التقط لرئيسنا عشرات الصور في البيت الابيض وهو في زيارة بوش أو اوباما وترامب نفسه حتى ظن المستكبرون أن تحت الطاولة طبيخ. اليوم لا صور في البيت الابيض ولا حتى مكالمات. كل الصلات بيننا وبين إدارة ترامب مقطوعة. ولكن إصرار رئيسنا وإصرارنا على التمسك بالقدس والاستقلال التام والسيادة الكاملة لدولتنا صار صخرة تكسرت عندها وعليها العلاقة مع إدارة ترامب. أغلقت مكتب منظمة التحرير في واشنطن و تم وقف كافة أشكال الدعم المالي لفلسطين حتى المنح العلمية المخصصة لطلاب فلسطينيين توقفت.

انتهت الحال بعلاقتنا مع الأمريكان على أنهم قطعوا كل أشكال الدعم المادي للسلطة الوطنية والمنظمات الدولية التي تتعاون مع فلسطين كما يضغطون على الدول التي تقدم دعما لفلسطين. وذلكم هو مقدار امتعاضهم من رئيس دولة فلسطين و حركة فتح. وذلك هو شكل استعدائهم تطلعاته القائمة على السيادة الكاملة لابديل.

حماس والحقائب

من كتبي في المدرسة الابتدائية قصة عن الخليفة عمر بن الخطاب والبرود اليمانية (الأقمشة التي جاءت هدية من اليمن).

أرسل يمنيون قطعا من القماش لرجال الدولة في زمن عمر ولوحظ أن "مساحة" كل قطعة لم تكن بكافية لتفصيل ثوب كامل لرجل كامل بل جاءت قصيرة. دخل عمر الى مجلس للصحابة لابسا ثوبه اليماني الجديد طويلا كاملا! فوجى بذلك أهل المجلس وصاح رجل: يا عمر, أن قطعة القماش المخصصة لكل رجل منا لم تكن بكافية إلا لثوب قصير. فكيف ترفل أنت بثوب كامل وأنت رجل طويل القامة؟؟ فالتفت عمر إلى ابنه وقال له يا ابن عمر أوضح لهم الأمر (الاقتباس ليس حرفيا).

فقال ابن عمر: إنما وهبت ثوبي للخليفة فأنشأ من حصتي وحصته ثوبا واحدا.

بين هذه الواقعة ونشوء حماس عام 1988 لا يوجد شيء من الأحداث في وعي رجل كمحمود الزهار سوى صمت وفراغ. الصوت الوحيد المسموع في وعي حماس عن هذه الفترة البالغة 1500 عاما هو تكرار للحرف الحادي عشر من الأبجدية العربية. لا تعدوا إنه حرف "الزاي" مكرر في أذن الإخوان 28 مليون مرة كناية عن جهلهم بالتاريخ..

بعد مرور 1500 عاما على هذه الواقعة جاء إلى حماس رجل من أقصى المدينة يسعى. قال: "نبغي هدوء". فصنعوا المزيد من الهدوء. وسألوه: هل ستدخل حقائب المال؟ قيل ائتونا بكشوف أسماء الباشوات و البصمات إن كنت فاعلين. قدموا كشوف أسماء عشرات ألوف أعضاء حماس لإسرائيل مرفقة بالبصمات وصور الهوية وبعضها يحمل ابتسامات مؤنسة. مررت إسرائيل بعد التضييق و نشاف الريق حقائب المال لحماس مع شبرة ووردتين وقد اقتطعت منها ثلاثمائة الف دولار من أصل خمسة عشر مليون. فتحوا الشنطات وقعدوا يأكلون. بهدوء. خلال هذه الوجبة و على بعد ما يربو على 100 كيلو متر شرقا حصل في رام الله خطوب بعنوان:

المقاصة وقرار الفدائي الأول

بعد سنوات من التحريض على الرئيس وفتح من قبل إسرائيل والولايات المتحدة على أرضية ما تقدم السلطة الوطنية من مخصصات مالية ومعاملة تفضيلية لعشرات الألوف من أسر الشهداء والجرحى والأسرى قررت إسرائيل اقتطاع ما يعادلها من أموال المقاصة وأرسلت الباقي لحساب السلطة الوطنية فقذفه الرئيس في وجوههم ولسان حاله: إما كاملة أو لا شيء. حاول العالم كله أقناعه بقبول المتاح ورفض حتى الآن.

في هذا العام فازت حركة الشبيبة الطلابية الذراع الطلابي لحركة فتح في سبعة جامعات هزم فيها الإخوان مسلمون حتى قد قميصهم منم قبل ومن دبر وهم مقمحون. ذلك كناية عن اقتناع الجيل الشاب بحركة فتح وبمحمود عباس رئيسا.

كتاب قدوتنا رئيسنا.

وإن ظن البعض أن الإعجاب بالريس مقتصر على طلبة وشبان في سن 18 فما فوق كما تم التعبير عنه في صندوق الانتخاب فوجئ الناس بأن طالبات مدرسة دون سن 18 استجمعت من كتبات ودراسات المفكر والرئيس محمود عباس في كتاب عنوانه " قدوتنا رئيسنا".

جن جنون الآثمين وهم بانتظار حقائب مال يتخللها هدنة يعقبها حرب يتخللها جعجعات إعلامية فارطة. ثم ينحسر الغبار ونكون أمام مشهد فيه مئات الشهداء و مئات البيوت المهدمة وآلاف من الجرحى. ويغيب جماعة الهدنة والحقائب عن الناس لا يتدخلون وأيديهم في جيوبهم يصفرون وينظرون للسماء. ثم يأتي الطبيب والقائد والأب. جملك حملك ويقوم بالواجب. إن لم يكن هذا قدوة فما هي القدوة اذا ؟