الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

بيان الاتحاد الأوروبي بشأن غزة انعكاسُ تاريخهم الإستعماري

نشر بتاريخ: 13/05/2019 ( آخر تحديث: 14/05/2019 الساعة: 00:43 )

الكاتب: د. عصام عابدين:
عندما قرأت بيان الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمنية ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية، فيدريكا موغيريني، الصادر بتاريخ 5/5/2019 الساعة 17:11 بشأن، تصعيد غزة المستمر، الذي نُشر خلال الهجوم العسكري الذي شنَّه جيش إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، على السكان المدنيين في قطاع غزة المحاصر منذ سنوات، قفز إلى ذهني المستعمر الأوروبي وتاريخه الدموي الذي سبق وأن أشرت له ورقة منشورة بعنوان "عالمية حقوق الإنسان وتاريخ أوروبا الأكثر دموية". إنها أوروبا، على حقيقتها، أوروبا التي استعمرت الشعوب، وامتهنت تجارة العبيد، وأنشأت ودعمت الأبارتهايد في جنوب إفريقيا وفلسطين، وما زالت فيزياء الأبارتهايد ماثلة أمام أعين العالم.
أود تذكير الساسة الأوروبيين، أنهم مستعمرون، وأن نهج المستعمر لم يفارق مُخيلتهم، ماضياً وحاضراً، وأنهم مارسوا تجارة العبيد (الأفارقة) منذ القرن الخامس عشر عندما كانوا يُرسلونهم قسراً إلى العالم الجديد (أمريكا) تلك التجارة اللاإنسانية التي تمتهن الكرامة الآدمية، مارسها الأوروبيون والأمريكيون؛ مارستها إسبانيا وبريطانيا والبرتغال وفرنسا وهولندا والدنمارك وغيرهم، ومعهم المستعمرات الأمريكية (العالم الجديد) جميعهم مارسوا تجارة البشر.
وأود تذكير الساسة الأوروبيين، المستعمرين، باستعمارهم للسكان الأصليين، الذي جاء مع "اكتشاف" كريستوفر كولومبوس، الرحّالة الإيطالي، للعالم الجديد (أمريكا) في رحلته الثانية عندما اكتشف أرض القارة الأمريكية الشمالية عام 1498، وبالاتفاقية التي وقعها كولومبوس مع ملوك الإسبان ومُنح على إثرها رتبة "أمير البحار والمحيطات" بقرار ملكي إضافة إلى ما نسبته 10% من الذهب والبضائع التي يُحضرها معه (أمير البحار والمحيطات) وبدون ضرائب.
اعتبر الأوروبيون ولاحقاً الأمريكيون أن اكتشافهم هذا يمنحهم (كمستعمرين) حق السيطرة على الأرض الجديدة، وبسط نفوذهم الإستعماري على سكانها، كما لو أن سكانها الأصليين ليسوا بشراً في ثقافة هؤلاء المستعمرين، ولأنه كان لديهم مشكلة فيما يبدو بأن الأرض التي اكتشفوها عليها بشر، هم السكان الأصليون، لم يتردد أولئك المستعمرين في قتل أعداد هائلة من السكان الأصليين (البشر) وهم بذلك يُسَطّرون للعالم تاريخهم القبيح وثقافتهم الدموية.
الحرب العالمية الأولى، نَشَبَت بداية في أوروبا بتاريخ 28 تموز 1914 وانتهت في 11 تشرين الثاني 1918، وشارك فيها أكثر من 70 مليون عسكري، منهم 60 مليون من الأوروبيين، ولقي فيها أكثر من 7 ملايين مدني، وأكثر من 9 ملايين مقاتل عسكري، مصرعهم نتيجة الحرب، التي عكست فِكر الهيمنة الأوروبية والرغبة في السيطرة على العالم (عقلية المستعمر) ومع انتهت الحرب، وما خلَّفته من فظائع هزّت ضمير البشرية، وقَسَّمَت أوروبا التي لم تعرف الوحدة ماضياً وحاضراً، بدأت أوروبا في حساب الأرواح البشرية من ضحايا الحرب المدمرة (ضحاياهم) واتفقوا على عدم تكرار مشهد الدماء، والجنون الذي اجتاح العالم، وكأن العالمَ مسؤولٌ عن حروبهم وطموحهم الاستعماري الدموي.
كانت الحرب العالمية الأولى، بمثابة استراحة، استعداداً للحرب العالمية الثانية، وهي الأكثر دموية من حيث عدد القتلى، واختلفت التقديرات في أعداد قتلاها من المدنيين والمقاتلين العسكريين، وقد وصل العدد الإجمالي التقريبي لأعداد القتلى المدنيين في تلك الحرب ما بين 19 إلى 30 مليون إنسان، علاوة على القتلى المدنيين بفعل المجاعة والأمراض التي نجمت عن الحرب الذين وصل عددهم التقريبي بين 19 إلى 20 مليون إنسان. فيما العدد التقريبي لمجموع القتلى، وإن اختلفت التقديرات، كان بين 60 إلى 85 مليون إنسان. وقد بلغ العدد الإجمالي للقتلى في صفوف المقاتلين العسكريين بين 22 إلى 30 مليون؛ ولأوروبا النصيب الأكبر بطبيعة الحال، وكان ترتيب الدول الأوروبية المشاركة في الحرب، بحسب حجم عدد القتلى العسكريين لديها، كالتالي "ألمانيا النازية، بريطانيا، أيطاليا، رومانيا، فرنسا، فنلندا، كندا، اليونان، هولندا، بلجيكا، نيوزيلاندا، النرويج، الدنمارك ...". إضافة للولايات المتحدة الأمريكية التي كان عدد قتلاها العسكريين نحو (407,000) وهو أقرب لعدد القتلى العسكريين البريطانيين (383,800).
انتهت الحرب في أوروبا، بغزو الحلفاء لألمانيا، وسيطرة الاتحاد السوفييتي على برلين، والاستسلام غير المشروط من ألمانيا في 8 آذار 1945 وعقد مؤتمر بوتسدام قرب برلين وصدر خلاله إعلان بوتسدام في 26 حزيران 1945، وقد قامت الولايات المتحدة في 6 آب 1945 بإلقاء قنبلة نووية على هيروشيما وفي 9 آب 1945 بإلقاء قنبلة نووية على ناغازاكي، وتبع ذلك استسلام اليابان في 15 آب عام 1945. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، وفوز الحلفاء في حرب دامية في تاريخ الحروب في العالم، شكّل الحُلفاء محاكم دولية، على أرض المهزومين في الحرب، وحاكموهم.
لم تكن حربين عالميتين، وإنما حربين بين الأوروبيين، إلاّ إذا اعتبرتهم أيها المستعمرون الأوروبيون أنكم قد أصبحتم العالم. وقد شكلت الحروب، فرصة سانحة لكم للتركيز أكثر على صناعة الأسلحة الفتاكة، التي تُسَوّقونها اليوم لاستمرار القتل والدمار، وإيجاد موطىء قدم لكم على دماء الضحايا المدنيين، وبخاصة في الصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهذا ليس غريباً على ثقافتكم فقد مارستم القتل والأبارتهايد وتجارة العبيد.
لا أتوقع، من مستعمرين، أن يعتذروا، لأنهم أعطوا أرضاً، ليست لهم، لقوة احتلال، لن يعتذروا على وعد بلفور وما خلفه من مآسٍ ولجوء، لأنهم مَن صَنَعَ المأساة التي جعلت السكان الفلسطينيين الأصليين ينظرون ماضياً وحاضراً بحسرة صوب بيوتهم المحتلة، وفي أيديهم مفاتيح العودة، وفي عقلهم ووجدانهم حُلمٌ جمعيٌ بالعودة، يتناقله الفلسطينيون، كحق أصيل في القانون الدولي، وبوصلة حق تقرير المصير، للشعب الفلسطيني، غير القابل للتصرف.
إنهم، مستعمرون، والمستعمر لا يعتذر عن سلوكه وجرائمه وقتله وتشريده للسكان الأصليين، تلك خلاصة تاريخ المستعمر. هم ذاتهم، الذين بَنوا ودعموا نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وبقيت معالم مدينة جوهانسبرغ شاهدة إلى الآن على استعمارتهم القبيح، شاهدة على نظام أبارتهايد عميق بَنوه هناك وما زال حتى الآن يُشوّه معالم وفيزياء جوهانسبرغ، الشاهدة على بشاعة نظام الفصل العنصري، وقد أَمَدُوه بكلّ مقومات وسُبل الاستمرارية.
لم تكترث، فيدريكا موغريني، في بيانها الوقح الذي نشر بتاريخ 5/5/2019 بشأن "تصعيد غزة المستمر" بأن الهجوم العسكري الذي شنَّه جيش الاحتلال على السكان المدنيين في قطاع غزة ما زال مستمراً، ولم تكترث بالهجمات العسكرية السابقة التي شنَّها جيش الاحتلال على القطاع، الذي لم يعد يصلح للحياة كما تؤكد تقارير الأمم المتحدة بشأن قطاع غزة، واكتفى البيان بالانحياز التام لجيش الاحتلال الذي يشن هجوماً عسكرياً على القطاع المحاصر، وتجاهلت موغيريني الضحايا الفلسطينيين وقتل الأبرياء والنساء والأطفال، ولم تتحدث عن استهداف المنشآت والأعيان المدنية، المحظور في القانون الدولي، وتجاهلت توصيات لجنة التحقيق الدولية وقرار مجلس حقوق الإنسان الذي أكد على وجوب رفع العقوبات عن غزة فوراً، وفيما يبدو أن هذا البيان لا يعتبر سكان غزة فلسطينيين ويتحدث كما لو أنهم رعايا دولة مجاورة، إنه بلا شك بيانُ الشركاءِ في حصار وتجويع المدنيين في غزة والانحياز التام للاحتلال.
بيان موغيريني، الذي جاء بالتزامن مع ما رشح مؤخراً بشأن صفقة القرن، وفي محطة فاصلة من تاريخ الشعب الفلسطيني، يؤكد أن الأوروبيين شركاء وأياديهم ملوثة في "الصفقة" التي رفضها الفلسطينيون على المستوى الرسمي والشعبي، ويريد الأوروبيون وشركاؤهم الإسرائيليون والأمريكان، ومَن تواطىء معهم من العرب، تسويق الصفقة على شعب فلسطيني يرزخ تحت احتلال استعماري ونظام أبارتهايد (تقرير الإسكوا) ويناضل نضالاً مشروعاً في القانون الدولي لنيل حقوقه المشروعة، غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها حقه الكامل في العودة وتقرير المصير.
بيان الاتحاد الأوروبي، على لسان موغيريني، بشأن تصعيد غزة المستمر، هكذا أَسمَته، أعاد فيه الاتحاد الاوروبي "التأكيد على التزامه الأساسي بأمن إسرائيل" وأشار إلى "ضرورة الوقف الفوري للهجمات الصاروخية العشوائية التي يشنها مقاتلون فلسطينيون من قطاع غزة" وأضاف البيان أن "هذه الهجمات تتسبب في معاناة لا توصف للإسرائيليين وتخدم فقط استمرار العنف واستمرار النزاع بلا نهاية" فيما تجاهل البيان الضحايا الفلسطينيين من الهجوم العسكري الذي شنَّه جيش الاحتلال على قطاع غزة وما خلَّفه من قتل للمدنيين وتدمير للأعيان المدنية.
موغريني، التي تجاهلت كلياً توصيات تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن مسيرات العودة الكبرى، الذي تبناه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وأكد على وجوب رفع الحصار عن قطاع غزة فوراً، نَصَّبت نفسها خصماً وحكماً في ذات الوقت، وأطلقت في بيانها الهزيل أحكاماً مُسبقة، عندما اعتبرت الهجمات الصاروخية "عشوائية" دون وجود لجنة تحقيق أو تقصي حقائق دولية، أو أوروبية مثلاً، تُجري تحقيقات موضوعية وشفافة بشأن الصواريخ التي أُطلقت من غزة وما إذا كانت عشوائية أم لا؟ علماً أن إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، لم تسمح لأي لجنة تحقيق أو تقصي حقائق دولية بالقيام بعملها للتحقق من مزاعم عشوائية الصواريخ خلال جميع الهجمات العسكرية التي شنَّها جيشها على قطاع غزة المحاصر، وما يقابلها من صواريخ أُطلقت من غزة، كما ولا تسمح إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، للمقررين الخاصين في الأمم المتحدة (الإجراءات الخاصة) بالدخول إلى الأرض الفلسطينية المحتلة للقيام بمهام عملهم، ثم تأتي، موغيريني، وخلال الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر الذي يتعرض سكانه لعقوبات جماعية، محظورة في القانون الدولي، كي تُعيد التأكيد على التزام الاتحاد الأوروبي الأساسي بأمن إسرائيل وضرورة الوقف الفوري للهجمات التي تتسبب بمعاناة لا تُوصف للإسرائيليين على حد قول البيان.
أود تذكير موغيرني، والاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، بالقانون الدولي، وبأن إطلاق الصواريخ من قطاع غزة في النزاعات الدولية المُسلّحة لا يُشكل بحد ذاته انتهاكاً للقانون الدولي؛ وذلك استناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي واتفاقيات لاهاي واتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف المتعلق بحماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة التي تنطبق على الأرض الفلسطينية المحتلة.
وبالتالي، فإن السؤال المطروح هو: كيف حسَمت الممثلة العليا للاتحاد الاوروبي للسياسة الخارجية والأمنية ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية فيدريكا موغيريني بضرورة الوقف الفوري للهجمات الصاروخية "العشوائية" التي يشنها مقاتلون فلسطينيون من قطاع غزة؟ كيف توصلت موغيريني إلى أن تلك الهجمات الصاروخية "عشوائية" لأننا هنا بالضبط نكون أمام انتهاك للقانون الدولي؟ هل شكلَّت موغيريني والاتحاد الأوروبي لجنة تحقيق مثلاً خلال الهجوم العسكري الإسرائيلي الأخير على غزة وخرجت بِخُلاصة بنتيجة التحقيقات مفادها أن الهجمات الصاروخية كانت عشوائية بالفعل؟ إنْ كانت قد فعلت ذلك فمن الجيد أن تنشر تقريرها بنتيجة التحقيقات قبل نشر بيانها الهزيل.
لم تنسَ، موغيريني، أن تكرر موقف الاتحاد الأوروبي والتزامه الأساسي بأمن إسرائيل، ولكن، في المقابل، نسيت في بيانها أن تُخبرنا عن قواعد وسلوك الحرب في القانون الدولي والتزامات قوة الاحتلال تجاه السكان المدنيين الفلسطينيين والمنشآت والأعيان المدنية الفلسطينية في قطاع غزة المحتل بموجب القانون الدولي، والالتزامات الاتحاد الاوروبي، اتحاداً ودول، كأطراف ثالثة متعاقدة تحت المادة الأولى المشتركة من اتفاقيات جنيف لعام 1949 "تتعهد الأطراف السامية أن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال". والتزاماتهم تحت القانون الدولي.
أعربت، موغيريني، عن تعازيها لعائلات جميع الضحايا وللشعب الإسرائيلي وتمنياتها بالشفاء العاجل للجرحى، ولم تنسَ ذِكْر الشعب الإسرائيلي في برقية التعزية خلال الهجوم العسكري الذي شنَّه جيش الاحتلال على قطاع غزة المحاصر منذ سنوات ولم يعد يصلح للحياة، ولكن، في المقابل، نسيت أن تَذكُر الشعب الفلسطيني والضحايا الفلسطينيين بالإسم في برقية التعزية. كما وتشير موغيريني، في بيان الاتحاد الأوروبي، إلى الحاجة "لتخفيف معاناة الأشخاص في قطاع غزة الذين يدفعون ثمناً باهظاً من حيث سقوط العديد من الضحايا الذين ننعاهم" وقد تجاهلت الإشارة إلى أن "الأشخاص في قطاع غزة" هم من الشعب الفلسطيني، وبخاصة أنها ذكرت الشعب الإسرائيلي بالإسم. يبدو، أن موغيريني، ومعها الاتحاد الاوروبي، يجدون صعوبة كبيرة في إرسال برقية تعزية للشعب الفلسطيني.
لم تستخدم موغيريني، عبارة الشعب الفلسطيني، في بيان الاتحاد الاوروبي، الذي حمل عنوان تصعيد غزة المستمر، وفي المقابل حرصت على استخدام عبارة الشعب الإسرائيلي. فهل المقصود من ذلك أنها تُنكر وجودنا كشعب فلسطيني؟ هذا السؤال برسم موغيريني والاتحاد الأوروبي؟ لأن تاريخ المستعمر لا يعترف عادة بالسكان الأصليين.
استخدمت موغريني، في بيان الاتحاد الأوروبي، عبارة، الأشخاص في غزة، ولم تستخدم عبارة الفلسطينيين في غزة، علماً أنها استخدمت عبارة الإسرائيليين بوضوح في وصف المعاناة، الأمر الذي يطرح تساؤلاً فيما إذا كانت موغيريني تعتبر "الأشخاص" في غزة فلسطينيين أم لا؟ وقالت في البيان "الأشخاص في غزة الذين يدفعون ثمناً باهظاً مع العديد من الضحايا الذين نحزن عليهم" الأمر الذي يطرح تساؤلاً، يتعلق بحزن موغيريني، وهل ينسحب في تلك الحالة على عبارة الأشخاص في غزة، أم على عبارة العديد من الضحايا، التي جاءت بعدها، وقد لا تشمل الأشخاص في غزة؟
تتحدث، موغريني، في البيان، عن خطر إضافي يتعلق باحتمالات حلول طويلة الأجل، وعن ضمانات أمنية موثوقة لإسرائيل، وفي المقابل تجاهلت مجدداً ذكر التقارير الدولية التي تؤكد أن غزة لا تصلح للحياة، وتجاهلت تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن مسيرات العودة الكبرى وتوصياته التي اعتمدها مجلس حقوق الإنسان وبخاصة التوصية المتعلقة برفع الحصار عن قطاع غزة فوراً، وتجاهلت التزامات إسرائيل والاتحاد الأوروبي تجاه الأرض الفلسطينية المحتلة. لكن المؤكد أن بيان الاتحاد الأوروبي قد تزامن مع التسريبات الأخيرة للإعلام بشأن ما تُسمى صفقة العصر.
موغيريني، أشارت، من حيث لا تدري، للدور السلبي للجنة الدولية للصليب الأحمر في الأرض الفلسطينية المحتلة، الذي يُلاقي استياءاً شعبياً كبيراً، ومن بين أمور أخرى، دور اللجنة في قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب، كما أن تعليقات اللجنة الدولية للصليب الأحمر على اتفاقيات جنيف ما زالت في مرحلة زمنية سابقة لاحتلال عام 1967 ولم تصل تعليقاتهم بعد إلى تلك المرحلة، أي لا توجد تعليقات للجنة الدولية للصليب الأحمر بشأن الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، الأمر الذي شَجَّع موغيريني فيما يبدو للإشارة في الفقرة الأخيرة من بيانها إلى الدور الإغاثي الذي سيواصل الاتحاد الأوروبي العمل عليه لإغاثة جميع الذين يعانون من هذا الصراع والتعاون مع الذين يخدمون قضية السلام، على حد قولها، ولعل هذا ما يُفسّر مجدداً تزامن بيان موغيريني، مضافاً إليه ما آل إليه أداء الاتحاد الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية، مع التسريبات الإعلامية مؤخراً، بشأن ما تُسمى صفقة العصر.
يرى حقوقيون ومحللون فلسطينون، أن سلوك الاتحاد الأوروبي، كما الإدارات الأمريكية المتعاقبة، من شأنه أن يدفع الفلسطينيين في نهاية المطاف لليأس من القانون الدولي والعدالة الدولية وإنصاف الضحايا واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. ما يُقلِقُني، في هذا الطرح، وما بين سُطوره، أنه يتعامل مع حق المقاومة المشروع، وكأنه خارج معادلة القانون الدولي، رغم وجود مئات القرارات الدولية التي تؤكد على الحق في مقاومة المحتل الأجنبي والعودة وتقرير المصير. هذه المسلمات، ينبغي أن لا تكون محلاً للنقاش أساساً، وإنما ينصب النقاش على قواعد وسلوك الحرب، وما يتطلبه القانون الإنساني الدولي بشأن المحاربين، على طريق العودة وتقرير المصير.
وما يُقلِقُني، أيضاً، أنْ يبدو الحديث الفلسطيني عن اليأس بين الفلسطينيين، وبخاصة فئة الشباب، وكأنه نتيجة لم يُردها الأوروبيون (المستعمرون) وكأن الحديث يأتي على شكل تنبيه للأوروبيين ومَن سار على دربهم مِن عواقب محتملة، غير مقصودة، يمكن أن تترتب على سلوكهم تجاه القضية الفلسطينية. في حين أرى من تاريخهم وسلوكهم أنهم يريدون تلك النتائج، ويطمحون للوصول إليها، لدفع الفلسطينيين، في نهاية المطاف، تحت اليأس والإحباط، للقبول بصفقات على غرار صفقة العصر، ولن يتوقفوا عن نهجهم، لأنهم ساسةُ الحروب والصفقات وتجار العبيد.
إعلموا جيداً، إيها المستعمرون الأوروبيون، الدمويون، أننا شعبٌ لا يستسلم أبداً للغزاة المحتلين وأصحاب الصفقات وتجار العبيد. نحن، الفلسطينيون، بتاريخنا وحاضرنا النضالي نُدافع عن مبادىء وقيم حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، التي سَحَقتموها أنتم/ن بتاريخكم الدموي وأدائكم المشين، ورضوخكم لإرادة المحتل الإسرائيلي ورعونة الإدارة الأمريكية، وتنكركم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني المستندة للقانون الدولي وغير القابلة للتصرف.
واعلموا أيضاً، أيها المستعمرون الأوروبيون، أن سلوككم المشين تجاه القضية الفلسطينية، ودعمكم اللامحدود لإسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، وانصياعكم للتاجر القابع في البيت الأبيض، وتجاهلكم مسؤولياتكم كأطراف ثالثة متعاقدة، هو انعكاسُ تاريخكم الاستعماري. لا تنسوا أنكم أنتم مَن أنشأ ودعم نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا، وفي فلسطين، ومَن تاجر بالعبيد، ولا تنسوا أن تاريخكم حافلٌ بالحروب والدمار، ولا تنسوا أنكم استعمرتم الشعوب وسفكتم الدماء، ولا تنسوا أنكم غير مؤهلين للحديث معنا عن حقوق الإنسان، لأن فاقد الشيء لا يُعطيه.