الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

مؤتمر البحرين بين الولادة القيصرية وموت المولود

نشر بتاريخ: 15/06/2019 ( آخر تحديث: 15/06/2019 الساعة: 11:41 )

الكاتب: سامر سلامه

يبدو أن الإدارة الأمريكية بدأت في التخبط فيما يتعلق بملف الشرق الأوسط بعدما أعلنت المرة تلو الأخرى عن تأجيل الإعلان عن صفقة القرن المزعومة. وقد قلناها قبل الإعلان الأخير عن التأجيل بأن الصفقة لن تعلن لأنه لا يوجد صفقة من الأصل وما الموضوع سوى تنفيذ مخطط قديم رأت هذه الإدارة بأن الوقت أصبح سانحا لتنفيذها. فالسؤال المطروح هنا لماذا مؤتمر البحرين الآن؟ هذا المؤتمر الذي أطلق عليه "ورشة عمل السلام من أجل الإزدهار" والهدف المعلن من ورائه تنفيذ الشق الإقتصادي من الخطة في محاولة لإغراء الجانب الفلسطيني من ناحية ولتشجيع العرب أولا والمجتمع الدولي ثانيا للمشاركة تحت شعار مساعدة الفلسطينيين للعيش برفاهية ولدعم السلطة الفلسطينية التي تعاني من أزمة إقتصادية ومالية خانقة!.
بالرغم من أن الأفكار التي يتم تداولها من قبل المسؤولين الأمريكيين عما أسموه بصفقة القرن غير واضحة المعالم حتى الآن، إلا أن المكتوب يقرأ من عنوانه كما نقول بالعامية العربية. فإعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتها إليها، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن العاصمة، ووقف التمويل عن الأونروا بهدف إنهاء قضية اللاجئين، والإعتراف بضم الجولان السوري المحتل لإسرائيل، وإطلاق يد إسرائيل في التوسع الإستيطاني في الضفة الغربية وبعدها ضم تلك الكتل لإسرائيل، وإسقاط مبدأ حل الدولتين، ما هو إلا تطبيق واضح لتلك الأفكار والخطط القديمة. فلم يبق شيء سوى إرغام الفلسطينيين على القبول بما تم تخطيطه لهم إما بالترغيب أو بالترهيب. وما مؤتمر البحرين سوى محاولة لترغيب الفلسطينيين بالقبول بحجة أن السلطة تمر بأزمة إقتصادية ولا تملك أي خيار سوى القبول بالمقترحات الأمريكية التي ستنعش حياة الفلسطينيين وتمدهم بمقومات الحياة الكريمة!
ولكن السؤال الذي أود أن أطرحه على الإدارة الأمريكية: هل ينجح الإزدهار الإقتصادي في غياب السيادة السياسية للفلسطينيين على أرضهم؟ وما هي الضمانات التي ستقدم للفلسطينيين بأن الإزدهار الإقتصادي المزعوم سيستمر؟ ومن الضامن؟. هذه الأسئلة لم تأتي من فراغ بل جاءت من تجارب فاشلة عديدة مررنا بها خلال الأعوام الماضية لأن مفتاح الإزدهار سيبقى بيد إسرائيل وليس كنتيجة لأداء الإقتصاد الفلسطيني!. ففي أي وقت يمكن أن تعمل إسرائيل على وقف الإزدهار المزعوم بكبسة زر واحدة! كما أن الإدارة الأمريكية الضامنة لكافة الإتفاقيات الموقعة منذ أوسلو حتى الآن قد تنكرت لجميع تلك الإتفاقيات وألغتها بالكامل بفعل ما قامت به منذ الإعتراف بالقدس عاصة لإسرائيل وحتى الآن. فهل تعتقد الإدارة الأمريكية أن الفلسطينيين سذج إلى هذا الحد ليتفاعلوا مع أفكار غامضه ولا تحقق الحد الأدنى من تطلعاتهم السياسية؟
ومن جانب آخر فإن ما يتم تخطيطه سيكون له إنعكاسات دولية من الواضح أن العالم يجمع على رفضه لأنه يعطي للولايات المتحدة وإبنتها المدللة إسرائل السيطرة الكاملة دون منازع على المنطقة إقتصاديا وعسكريا لذلك أعلنت روسيا والصين والأمم المتحدة صراحة عدم مشاركتهم في مؤتمر البحرين في حين أن أوروبا قد أعلنت أنها تدعم حل الدولتين هذا الحل الذي أسقطته الولايات المتحدة وبذلك يعني أن الأوروبيين ليسوا متشجعين للإنخراط في الخطة الأمريكية لما لذلك من إنعكاسات سلبية على الأمن والإقتصاد الأوروبي.
ومن جانب آخر فإن ما إستوقفني في الأيام الماضية هو فشل نتنياهو بتشكيل حكومته اليمينية المتطرفة بالرغم من نجاح أحزاب اليمين في الإنتخابات الأخيرة والإتفاق على الذهاب لإنتخابات مبكرة جديدة في أيلول المقبل. إنني أعتقد ومن قرائتنا لتاريخ وممارسات الحكومات والأحزاب الإسرائيلية المختلفة فإن إسرائيل تذهب دائما لإنتخابات مبكرة عندما تستشعر أن خطرا قادما أو ضغطا سيأتي عليها من الولايات المتحدة الأمريكية. فهذا ما حدث عندما إقترب أولمرت من الوصول إلى تفاهمات مع الرئيس أبو مازن حول الحل النهائي حيث تم إتهام الأول بالفساد وبالتالي إقالته من رئاسة الحكومة والدعوة إلى إنتخابات مبكرة. وهذا ما حصل أيضا مع رابين عندما إقترب من التوصل إلى إتفاق سلام مع الرئيس الراحل أبو عمار حيث تم إغتياله والذهاب إلى إنتخابات مبكرة جاءت بنتنياهو إلى الحكم. إن ما يحدث الآن في إسرائيل يبدو في نفس السياق فالذهاب إلى إنتخابات مبكرة حتى قبل تشكيل الحكومة الجديدة وتأجيلها إلى أيلول فيها رائحة الهروب إلى الأمام من ضغوطات معينه لا يريد نتنياهو الإلتزام بها. فبعد أيلول تدخل الولايات المتحدة في الإستعداد للإنتخابات الرئاسية التي سيخوضها ترامب بصعوبة هذه المرة أمام الديمقراطيين الذين هزموه في الإنتخابات النصفية في العام الماضي الأمر الذي سيؤجل تطبيق أي أفكار لا ترضي إسرائيل.
ويبقى الموقف العربي وهو الموقف الأكثر هلامية أو ميوعة إذ نرى تناقضات واضحة في المواقف العربية. ففي حين نسمع الخطب الرنانة التي تؤيد وتدعم موقف القيادة الفلسطينية في القمم العربية والإسلامية من ناحية، فإننا نرى أن بعض الدول العربية تتساوق مع الخطط الأمريكية بحجة وقف زحف وتوسع النفوذ الإيراني في المنطقة. وإن ممارسات بعض الدول العربية على الأرض لا تبشر بالخير. فعدم إلتزام بعض الدول العربية بتسديد إلتزاماتها المالية للحكومة الفلسطينية ما هو إلا وسيلة ضغط على القيادة، وإن إعلان بعض الدول العربية عن نيتها المشاركة في مؤتمر البحرين ما هو إلا طعنة في الخلف، وإن إستضافة المؤتمر من قبل البحرين ما هو إلا تماهي في إرضاء الأمريكيين. كل ذلك يضع العرب دائما في المواقع الخلفية. إلا أن مواقف بعض الدول العربية الأخرى مثل الأردن والمغرب والجزائر ومصر ولبنان وغيرها الرافض قطعا وبشكل معلن للتعاطي مع الخطط الأمريكية يعطي للقيادة دفعة قوية بالإستمرار في تمسكها بالثوابت الوطنية الفلسطينية الأمر الذي يحرج الأمريكيين ويعطل تنفيذ مخططاتهم.
فأمام هذه التعقيدات الإقليمية والدولية، هل بقي أي مبرر أو قدرة للإدارة الأمريكية على عقد مؤتمرها المشبوه في البحرين. إنني أعتقد أن المؤتمر لن يكتب له أن يعقد، وإن عقد فسيكون مؤتمرا هزيلا ولن يتولد عنه شيء لأن الوليد سيولد ميتا.