الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

القدس والانفكاك عن الاحتلال

نشر بتاريخ: 25/08/2019 ( آخر تحديث: 25/08/2019 الساعة: 12:59 )

الكاتب: وليد سالم

في ضوء القرارات الفلسطينية الصائبة بشأن الانفكاك عن الاحتلال والتحرر من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والأمنية معه، قد يسأل المرء عن موقع القدس من هذه القرارات، وكيف يمكن تحقيق الانفكاك فيها في ظل كونها تعيش حالة اخضاع للاحتلال واستيطانه الاستعماري قانونيا وسياسيا واقتصاديا، وإن لم تعترف الشرعية الدولية ولا المجتمع الدولي بهذا الإخضاع.

تحاول هذه المقالة الموجزة تقديم بعض الإضاءات حول كيفية تحقيق الانفكاك في القدس انطلاقا من التفكير التحويلي ، وهو تفكير ناشئ عالميا، ولم يجد له موطئ قدم كاف في الدراسات الفلسطينية بعد.

في ضوء هذا التفكير تتم إعادة صياغة السؤال اعلاه بشكل مختلف هو: كيف يمكن تحويل الواقع المخضع للاحتلال في القدس الى واقع انفكاك عن الاحتلال؟ وما هي الصيرورة التحولية التي يمكن اعتمادها لتحقيق هذا الانفكاك؟ ما هي خطوات هذه الصيرورة وكيف يمكن بناء الخطوة التي تلي على سابقاتها بما يحدث التراكم تجاه الانفكاك ؟ كيف يمكن ربط الكفاح اليومي من أجل الخدمات والحاجات المعيشية بتثبيت الوجود وتحقيق الاستقلال الوطني وحق تقرير المصير؟ وما هي الخطوات الواجب اتباعها على المدى المنظور والأخرى على المدى الأبعد لتحقيق الانفكاك؟

تتطلب هذه الأسئلة مساهمات نظرية وفكرية، وكذلك مساهمات من الناشطين السياسييين والمجتمعيين سيما من القدس ذاتها لتطوير الإجابة الشافية عليها، وبالاعتماد ايضا على مساهمات سابقة وتطويرها والبناء عليها. وتحفيزا لهذه المساهمات تقدم هذه المقالة الموجزة بعض الإضاءات:

من الممكن الانطلاق بادئ ذي بدء من أن واقع انكشاف ما كان مستورا في دعاية الحكومة الاسرائيلية سابقا لجهة سعيها لضم الضفة كما ضمت القدس
عام ١٩٦٧، قد خلق فرصة لتطوير مسار فلسطيني بديل عن مسار الاعتماد على المفاوضات الذي ثبت عقمه وفشله، ويجد المرء نويات المسار البديل في حركات مثل حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات ، وفي الانفجارات العفوية التي شهدتها السنوات الأخيرة ومنها في القدس ألهبة التي تلت استشهاد الطفل محمد ابوخضير عام ٢٠١٤، والهبات المختلفة للدفاع عن الاقصى وحمايته. كما يجد المرء نويات المسار البديل في قرارات م ت ف في السنوات الأخيرة للانفكاك عن الاحتلال وإن لم تطبق، وأخيرا وليس آخر يمكن رؤية هذا المسار البديل في توجهات المجتمعات المحلية المقدسية للاعتمادعلى ذاتها تتمويا بما اسميه ب" عملية بناء الاستقلال والسيادة من أسفل".

تعود هذه العملية لبناء السيادة من أسفل الى الحركات الاجتماعية والجماهيرية التي انطلقت في القدس منذ عام ١٩٦٧، رافضة في حينه حل أمانة القدس في ذلك العام من قبل الاحتلال، وتلى ذلك إضراب المعلمين الطويل الذي منع فرض المنهاج الاسرائيلي على مدارس القدس، ومعركة مؤسسات القدس ضد اسرلتها وإخضاعها للاحتلال. وأعقب ذلك تاريخ من كفاح الحركات الاجتماعية والجماهيرية استمر تحت قيادة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية حتى توقيع اتفاق أوسلو عام ١٩٩٣، ثم تراجعت الفصائل بعد ذلك التوقيع عن قيادة الكفاح الجماهيري حتى وصلنا الى حالة الإنفجارات العفوية الحالية وأخذ المجتمعات المحلية لمصيرها بيديها دون دعم أو إسناد كافيين.

خلال هذه المسيرة كانت تجربة بيت الشرق منذ نهاية الثمانينيات وحتى وفاة رائدها القائد فيصل الحسيني هي ازهى الفترات في تضافر جهود الكفاح الشعبي من أسفل مع جهود الكفاح القيادي من أعلى من أجل الاستقلال وإعادة السيادة على القدس.
هذه التجربة النوعية تستحق الدراسة العميقة ، واستلهام دروسها ، سيما لجهة بناء المؤسسات التي تؤطر العمل الجمعي ولا تستند فقط الى جماعة ملتفة حول فرد وتنتهي برحيله. والبديل الذي تقترحه هذه المقالة لإعادة احياء الحراك الوطني المنظم في القدس نحو الاستقلال، هو بديل بسيط في محتواه، ولكنه يتطلب الإرادة من أجل تطبيقه، حيث أن غيابها هو ما يمثل لعنة الواقع الحالي علينا.

البديل المقترح يشمل اولا اعادة احياء أمانة القدس وفق افضل صيغة ديمقراطية وتمثيليةكما جاء في قرارات دورة المجلس الوطني، ودورتي المجلس المركزي لعام ٢٠١٨، وذلك بحيث تقوم الأمانة بتلقي الاحتياجات التنموية لمجتمعات القدس المحلية والتفاعل مع الجهات الفلسطينية والعربية والدولية لتوفيرها دعما لصمود وثبات المقدسيين. ويشمل ثانيا اعادة الاعتبار لمؤسسات القدس كافة وبنائها، وتطوير الشبكات التنسيقية بينها لخدمة أهل المدينة، وثالثا: اعادة بناء وتطوير الحركات الاجتماعية والتنموية في القدس لتأخذ دورها باتجاهين الأول هو تطوير الكفاح الشعبي السلمي ضد الاحتلال، والثاني بناء التنمية المعتمدة على المجتمع المحلي بالتعاون مع أمانة القدس بما يشمل ايضا تنمية الرأسمال البشري وإعادة بعث القيم الوطنية وتعزيز وحدة النسيج الاجتماعي وحمايته من التفكك والتشرذم والنزاعات الداخلية.
هذه الأفكار للانفكاك عن الاحتلال في القدس ليست احلاما وهي دعوة للحوار وتتطلب توفر الإرادة فقط، حيث لم تنته المعركة على القدس بانتصار الاحتلال كما يزعم البعض اليائس وإنما الأمور هي كر وفر حتى الان.