الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

مسارات تطور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

نشر بتاريخ: 11/11/2019 ( آخر تحديث: 11/11/2019 الساعة: 07:42 )

الكاتب: العميد أحمد عيسى المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن الومي
نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني، ومعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) خلال شهر تشرين أول/أكتوبر الماضي من العام الجاري 2019، دراسة بعنوان (ـتوجيهات أساسية لإستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي)، للباحثين غادي ايزنكوت رئيس الأركان الإسرائيلي السابق والباحث الزائر في معهد واشنطن منذ بداية العام الجاري، وجابي سيبوني الجنرال المتقاعد من الجيش الإسرائيلي والباحت في معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي.
من جهتها تسعى هذه المقالة إلى فحص مكانة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الإستراتيجية المقترحة، ومن ثم لالتنبؤ بمسارات تطور هذا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على ضوء هذه المكانة، وذلك من خلال قراءة الدراسة اولاً من حيث الشكل، وثانياً من حيث المضمون، ثم ستفحص في المضمون تقديم الدراسة للصراع من حيث كونه تحدي ومصدراً للتهديدات التي تهدد الأمن القومي الإسرائيلي،وفي سياق قرائتها للمضمون ستحاول هذه المقالة التنبؤ بمسارات تطور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تأسيساً على تقديم الدراسة للصراع أولاً كتحدي ومصدراً للتهديدات، وثانياً من حيث الكردود التي تقترحها الإستراتيجية لمواجهة هذه التحديات وعلى التهديدات، ولا تنوي هذه المقالة تقديم توصيات لصانع القرار الفلسطيني، إذ أنها تكتفي بإثارة نقاش في أوساط النخب الفلسطينية حول تنبؤاتها التي قد تصيب وقد تخطأ. الآنية والمتوقعة.
الدراسة من أما من حيث الشكل: فقد وقعت الدراسة في 78 ورقة، وتكونت من مقدمة وخاتمة وخمسة فصول وقائمة للملاحق، حيث حمل الفصل الأول عنوان القيم والمصالح، وتناول الفصل الثاني البيئة الجيوستراتيجية للدولة، فيما حدد الفصل الثالث تحديات وتهديدات الأمن القومي الإسرائيلي، وشرح الفصل الرابع معززات الأمن القومي، وخصص الفصل الخامس والأخير لتحديد الردود على التهديدات.
أما قائمة الملاحق فشملت ثلاثة ملاحق، إذ تناول الملحق الأول قائمة المفاهيم التي احتوتها الدراسة التي حيث بلغت (21) مفهوماً، وخصص الملحق الثاني لشرح المعايير الأساسية الذي إستندت عليها الدراسة في تحليل الأمن القومي في إسرائيل، أما الملحق الثالث فتضمن رسوم بيانية توضح مرجعية الأمن القومي خاصة الوثائق المصنفة لالجيش ووزارة الدفاع، ومن حيث البنية المؤساتية لكذلك بنية مؤسسة الأمن القومي، وأخيراً من حيث هيكلية النظام العسكري في إسرائيل، وقبل ذلك كله المرجعية الدستورية والفكرية..
ومن جهة حيث منهجية البحث التي طبقتها، فتظهر قراءة الدراسة أنها وظفت نموذج تحليلي يقوم على تحليل الأمن القومي في إسرائيل بناء على معايير محددة جرى تطويرها خصيصاً لتحقيق هذه الغاية، حيث طورت الدراسة سبعة معايير اساسية وتفرع منها سبعة معايير أخرى، ويكشف فحص هذه المعايير أنه قد جرى تطويرها وفق منهجية التفكير المنطقي (Logical Framework of Thinking)، إذ يقوم هذا المنهج على تحديد الغاية المقصودة إبتداء، ثم ينتقل لتحديد العقبات التي تعيق تحقيق هذه الغاية، ثم ينتقل ل شرح وسائل معالجة هذه العقبات وفق تسلسل منطقي تحقيقها وفق علاقة منطقية بين المعايير التي جرى تطويرها، بحيث يتأسس المعيار اللاحق على خلاصة المعيار السابق.
وقد شرعت الدراسة في تطوير المعايير تأسيساً على حقيقة مفادها أن الأمن الذي تنشده إسرائيل يكمن في تحقيق السلام مع الدول والشعوب التي تناصبها العداء، الأمر الذي يقتضي التفرقة بين معيارين اثنين يتجليان في التفرقة بين نوعين من السلام، السلام الحقيقي كمعيار أول، والسلام القانوني او السلام المحمي (Protected Peace) كمعيار ثاني، على أن تجري التفرقة وفقاً للتعريفات المتضمنة في الإستراتيجية العسكرية التي طورها العميد أبرهام تامير (إبراشا) في العام 1981، والتي لا زالت تعتبر من الوثائق المصنفة في وزارة الدفاعالتي كان قد طورها العميد أبرهام تامير (براشا) في العام 1981، والتي لا زالت من الوثائق المصنفة في وزارة الدفاع.
وكانت وثيقة (براشا) تامير قد عرفت السلام الحقيقي بالسلام الذي تختفي أو تنعدم فيه التهديدات والمخاطر الجارية منها والمحتملة، وعرفت أما السلام الديبلوماسي/القانوني او السلام المحمي فهو بالسلام الذي ينشأ بناء على معاهدات واتفاقيات بين الشعوب، ولكنه السلام الذي تبقى فيه التهديدات قائمة وكامنة، أي انه شكل آخر من أشكال المواجهة، الأمر الذي يتطلب الإبقاء على القدرة العسكرية للأمة خاصة تفوقها الإستخباري في أفضل الحالات لمواجهة التهديدات التي قد تنشأ، أو بعبارة أخرىها لحماية هذاه السلام.
وعلى ضوء نتائج التفرقة بين نوعي السلام يتضح أن السلام الديبلوماسي أو السلام المحمي هو الخيار الوحيد المتاح، الأمر الذي يقتضي توفير سبل ووسائل حماية معاهدات السلام التي جرى إبرامها مع بعض الدول العربية بما في ذلك مع الفلسطينيين، وذلك من خلال الإحتفاظ بقدرات عسكرية قادرة على إنجاز هذه المهمة. وقد استدعى ذلك تطوير خمسة معايير متفرعة عن معياري التفرقة.
ويدور أول هذه المعايير حول الواقع الجيوستراتيجي للدولة، أما ثاني هذه المعايير فتعلق بالحرية المطلقة للعمل العسكري والأمني للرد على أي تهديد محتمل، وركز المعيار الثالث على قياس دقة توزيع الموارد القومية على إحتياجات الأمن القومي، وتناول المعيار الرابع المحاور التي تقيس القوة العسكرية للدولة مثل العقيدة وتنظيم الوحدات المقاتلة، ومستوى التدريب والخبرات المتراكمة وقوة التسليح، أما المعيار الخامس والأخير فقد خصص لفحص مناعة الشعب الوطنية، وقدرة الأمة على البقاء، ومستوى الإرادة لدى الشعب وقدرة القيادة على الأداء في الظروف الصعبة.
وبعد تطوير المعايير التي تعالج المشاكل المتعلقة بالقدرة العسكرية أتي المعيار الأساسي الثالث الذي يتعلق بالفرضيات الأساسية التي يتوجب أن تقوم عليها الإستراتيجية السياسية الناظمة لإستراتيجية الأمن القومي، وهي فرضيات تقوم على إفتراض الأسوأ مثل إفتراض إنهيار معاهدات السلام القائمة بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وإنهيار قوة الردع الإسرائيلية وبدء تفعيل أعداء إسرائيل المرجعيات الأربعة للتهديد.
ولذلك جاء المعيار الرابع للتأكيد على أن المحافظة على السلام تستدعي الإستعداد للحرب وفق المثل اليوناني القديم القائل "إذا أردت السلام فاستعد للحرب".
وفي السياق ذاته جاء المعيار الخامس الأساسي مركزاً على المناعة الذاتية للشعب في إسرائيل وموضحا أن أعتماد الشعب على قدراته الذاتية حاجة ضرورية للدفاع عن الوجود وحماية المصالح الحيوية.
وحتى يكون هناك مناعة ذاتية تمكن الشعب من حماية الوجود، فهناك ضرورة لإحتفاظ إسرائيل دائما بقوة رادعة لكل أعدائها فضلاً عن محافظتها على تفوق إستخباري يمكنها من تشخيص التهديد في مراحل مبكرة من تطوره، علاوة على الإحتفاظ بقدرة دفاعية تمكن الدولة من الدفاع عن حدودها ومصالحها أمام التهديدات، ثم تعريف معنى النصر.
وأخيراً جاء المعيار السابع مؤكداً على المحافظة الدائمة على هوامش في العمل الأمني تأسيساً على حقيقة أن الإستعداد الأمثل للحرب يتطلب تدوين وتوثيق الترتيبات الأمنية وحسن إدارة الموارد القومية في خدمة الأمن القومي.

وبعد تطوير وشرح معايير التحليل الأساسية الفرعية، وظفت الدراسة المنهج التاريخي، والمنهج المقارن، والمنهج البنائي، حيث يستند هذا الأخير على توظيف خبرة الباحث بالموضوع قيد البحث، الأمر الذي زاد من أهمية الدراسة لا سيما وأن أحد الباحثين جنرال بوزن رئيس الأركان كان قد تقاعد للتو من الخدمة.
وحول الإطار النظري والمفاهيمي، فتكشف قراءة الدراسة (الوثيقة) أن الباحثان قد دمجا في دراستهم للأمن القومي الإسرائيلي بين مقاربتين نظريتين، الأولى هي المقاربة التقليدية لدراسة الأمن التي تقوم على إعتبار الدولة هي وحدة التحليل الأساسية في دراسة الأمن، وأن الأمن القومي للدولة يعتمد بالأساس على قوتها العسكرية باعتبارها الوسيلة الأنجع لمواجهة التهديدات، وأن مصدر هذه التهديدات دائماً يكون خارجي، والثانية هي المقاربة النقدية للأمن لا سيما مقاربة مدرسة كوبنهاجن التي تقارب المسألة الأمنية من خلال العلاقة بين المستويات الأفقية (الدولة، الفرد، المجتمع، الإقليم، النظام الدولي) والأبعاد العمودية (السياسية، العسكرية، الإقتصادية، الإجتماعية، البيئية، التكنولوجية، ...).
الدراسة ومن حيث جهة المضمون: فتبين قراءة الدراسة أنها مثل تعريف الدراسة للأمن القومي أول ملامح مضمونها، وكانت الدراسة قد إقتبست تعريف الأمن القومي من قاموس المفاهيم والمصطلحات الخاص بالجيش الإسرائيلي، إذ قدمت وثيقة الجيش، الأمن القومي باعتباره "خلاصة جهود الحكومة في توظيف قدرات الأمة القومية لمواجهة التهديدات التي تهدد البقاء والمصالح في كل الظروف المحتملة".
وفي السياق ذاته تبين قراءة الدراسة أنها حافظت فيما حافظت على المراجعأن الوثائق الدستورية والسياسية والفكرية التي استلهم منها مؤسسي الدولة الأوائل هي المصادر الأساسية التي تستلهم منها إستراتيجية الأمن القومي للبلاد، باعتبارها مصادر ثابثه تستلهم منها الشعوب إستراتيجياتها الوطنية لا سيما استراتيجية الأمن القومي، كما حافظت الدراسة علاوة محافظتها على المصالح الحيوية والغايات القومية (للأمة اليهودية) التي يقع في القلب منها حفظ البقاء في إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، وحافظت الدراسة كذلك محافظتها على جملة من المفاهيم والفرضيات والمرتكزات ركائز والتهديدات كما وردت في إستراتيجة الأمن القومي التي صاغها مؤسس الدولة دافيد بن غوريون لأول مرة في العام 1948.
، إلا أنها أضافت الجديد على ضوء نتائج تحليل البيئة الجيوستراتيجية للدولة وما تضمنته من نقاط قوة وضعف وفرص وتهديدات.
وكان من اللافت في هذا الشأن تأكيد الدراسة على في هذا الشأن أكدت الدراسة على المرجعيات الدستورية والوثائق التي قامت على أساسها الدولة هي المصادر الوحيدة لبناء وتطوير أي إستراتيجية للأمن القومي، كما عادت الدراسة وأكدت أن الأساس الفكري الذي وضعه زعيم التيار الإصلاحي في الحركة الصهيونية زئيف جابوتنسكيبوتنسكي في مقالته الشهيرة (الجدار الحديدي) التي نشرت لأول مرة باللغة الروسية في العام 1923، والذي التي كان إستلهم منها بن غوريون قد استلهم منها أفكاره في عند تحديد المبادئ والمرتكزات التي قامت عليها وضع على أساسها إستراتيجية الأمن القومي الأولى للدولة،، لا زالت صامدة وفاعلة وأثبتث نجاحها على مدى العقود الماضية، والتي تتمثل في كالردع، والإنذار المبكر، والتفوق النوعي الذي يضمن النصر، علاوة على تأكيد الدراسة على الفرضية الإسرائيلية الثابثة الكامنة في . وحافظت الدراسة كذلك على المنطلقات والفرضيات التي تضمنتها الإستراتيجية الأولىعبارة والتي تتجسد في مبدأ "أقلية مقابل أكثرية"، التي كانت من الأسس التي بني عليها بن غوريون إستراتيجية الأمن القومي الأولى، وتجدر الإشارة هنا أن حيث كان الباحث الإسرائيلي في شؤون الأمن القومي "يسرائيل تال" قد كتب في هذا الشأن كتابه الشهير (أقلية مقابل أكثرية، The Few Against the Many) الذي نشرته دار دفير (Dvir) للنشر باللغة العبرية في في العام 1996 .
أما من حيث دور العلاقات الدولية والسياسة الخارجية للدولة في تحديد مضمون إستراتيجية الأمن القومي، فقد أكدت الدراسة على الأهمية الإستراتيجية لعلاقة إسرائيل بالولايات المتحدة الأمريكية، واعتماد الأولى على الثانية سياسياً وديبلوماسياً وعسكرياً وإقتصادياً لتوظيف هذه العلاقة في توفير ما تحتاجه الدولة للحفاظ على أمنها القومي.
وفيما حافظت الدراسة على المرجعيات الدستورية والمنطلقات الفكرية والمرتكزات التي قامت عليها إستراتيجية الأمن القومي الأولى للدولة، إلا أن قراءة الدراسة تكشف بالمقابل أنها قد أضافت ما هو جديد من المفاهيم والمرتكزات والفرضيات والتحديات والتهديدات والردود على التهديدات وسياقات هذه الردود، وذلك على ضوء نتائج تحليل الدراسة للواقع الجيوستراتيجي للدولة وما يتضمنه هذا الواقع من نقاط للقوة والضعف والفرص والتهديدات.
ويمكن تلخيص الجديد الذي أضافته الدراسة في النقاط التالية:
أما بخصوص الجديد الذي أضافته الدراسة فكان على صعيد المحاور التالية:
• الدعوة العلنية الى صياغة إستراتيجية جديدة للأمن القومي في إسرائيل، الأمر الذي يستدل عليه من إقدام جنرالين سابقين في الجيش الإسرائيلي أحدهم بوزن رئيس الأركان على إعداد ونشر الدراسة، لا سيما وأن غايتهم من النشر كما وردت في مقدمة وخاتمة الدراسة هي إثارة نقاش عام في أوساط القيادات والنخب الأمنية والإقتصادية والإعلامية والتكنولوجية والأكاديمية والسياسية لصياغة إستراتيجية أمن قومي قادرة على حماية وجود الدولة وصيانة مصالح الأمة.
• إعتراف الجنرالين ضمناً بعدم وجود إستراتيجية واضحة للأمن القومي في إسرائيل منذ بداية القرن الجاري، أو إقرارهم بأن الإستراتيجة القائمة، إذا كانت هناك إستراتيجية،قائمة فهي بحاجة إلى تحديث وإعادة صياغة، وينبغي هنا التنويهتجدر الإشارة في هذا الشأن أن مصطلح إستراتيجية أمن قومي قد تكرر أكثر من مرة في الدراسة، إلا أن الباحثان قد ذكرا في الفقرة الأولى من خاتمة الدراسة أن بن غريون وقيادات الجيش الأوائل كانوا قد صاغوا إستراتيجيات عملانية للرد على التهديدات الصعبة المحيطة بالدولة، إلا أنه لم يجري أبداً دمج هذها الإستراتيجيات في إستراتيجية أمنية متكاملة ومتماسكة.
• ولذلك دعت الدراسة علناً الى صياغة إستراتيجية جديدة للأمن القومي في إسرائيل، الأمر الذي يمكن الإستدلال عليه من إقدام جنرالين سابقين في الجيش الإسرائيلي أحدهم بوزن رئيس الأركان على إعداد ونشر الدراسة، لا سيما وأن غايتهم من النشر كما وردت في مقدمة وخاتمة الدراسة هي إثارة نقاش عام في أوساط القيادات والنخب الأمنية والإقتصادية والإعلامية والتكنولوجية والأكاديمية والسياسية، يؤدي في نهاية المطاف الى صياغة إستراتيجية أمن قومي قادرة على حماية وجود الدولة وصيانة مصالح الأمة.
• الدعوة الدراسة الى مأسسة إستراتيجية الأمن القومي في إسرائيل من الناحيتين النظرية والإجرائية، الأمر الذي يستدل عليه من خلال الرسوم البيانية التي وردت في قائمة الملاحق.
• دعوة الدراسة الى التحول الإستراتيجية في إسرائيل من مفهوم الهجوم المطلق الى مفهوم جديد يدمج بين الدفاع والهجوم عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي، إذ فيما أكدت الدراسة أن إستراتيجية الأمن القومي يجب أن تقوم على مفهوم الدفاع، فقد أكدت بالمقابل أن الإستراتيجية العسكرية يجب أن تقوم على مفهوم الهجوم، تحول من إستراتيجية الهجوم الى إستراتيجية الدفاع، ومن المفيد هنا الإشارة الى أن إسرائيل قد أضافت ركيزة الدفاع كركيزة رابعة إضافية الى الركائز الثلاث التي كان قد وضعها لأول مرة دافيد بن غوريون كركائز تقوم عليها إستراتيجية الأمن القومي وذلك في أعقاب حرب العام 2006 على لبنان.
• إعتماد فلسفة جيش الشعب في بناء الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي يتطلب إشراك الأقلية الفلسطينية في إسرائيل والمتدينين اليهود (الحرديم) في الجوانب المدنية من الخدمة العسكرية.
• إضافة تحديات وتهديدات جديدة لقائمة التحديات والتهديات التقليدية وغير التقليدية التي تواجه إسرائيل سواء تلك الجارية، أم المتوقع بروزها في المستقبل، مثل التحديات والتهديدات الكامنة في حملة مقاطعة إسرائيل، وحملة نزع الشرعية عنها، علاوة على التهديدات التقليدية وغير التقليدية التي تمثلها إيران وحلفائها من التظيمات المسلحة اللبنانية والعراقية واليمنية والفلسطينية، وكذلك التهديدات السبرانية.
• وسلطت الدراسة الضوء عند تناولها للتحديات والتهديدات على الإنقسامات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي، بين الفقراء والأعنياء، وبين الشرقيين والغربيين والأثيوبيين، وما بين اليمين واليسار، وبين العلمانيين والمتدينيين، ومن جهة أخرى بين الأكثرية اليهودية والأقلية الفلسطينية، الأمر الذي عزز من شعور الإنتماء للمجموعة على حساب الإنتماء للوطن، وأضعف من جهة أخرى من دوافع الأفراد الإنضمام للجيش لا سيما للوحدات المقاتلة. تحديث قائمة التحديات والتهديات التي تواجه إسرائيل في المرحلة الحالية.
• ولذلك دعت الدراسة إلى دعوة الدراسة إلى إعتماد فلسفة جيش الشعب الى جانب الجيش النظامي في إطار تعزيز القدرات العسكرية للأمة، على أن يترك للجيش وحده الحق في إختيار من سيخدمون في صفوفه.
• وفي السياق ذاته دعت الدراسة الى ضرورة إشراك الأقلية الفلسطينية وفئة اليهود المتدينين (الحرديم) في الخدمات الأمنية ذات الطابع المدني كالشرطة والدفاع المدني وخدمات الإسعاف الطبي في جهاز نجمة داوود الحمراء وغيرها من الوظائف، وتجدر الإشارة في هذا الشأن أن الأقلية الفلسطينية تشكل الآن ما نسبته 21% من مجموع سكان إسرائيل، ويشكل اليهود الحرديم ما نسبته 16%، وتتوقع مؤسسة الإحصاء المركزي أن تصل نسبة اليهود الحرديم في إسرائيل الى ما نسبته 25% من مجموع السكان في العام 2048، وتاسيساً على هذه الحقائق تقدر مؤسسات البحث المتخصصة في شؤون الأمن القومي داخل إسرائيل وخارجها أن التهديد الأخطر على أمن الدولة القومي خلال العقدين القادمين يكمن في بقاء اليهود الحرديم والعرب الفلسطينيين الذين سيشكلون أكثر من 50% من مجموع السكان خارج قوة العمل وخارج الخدمة الأمنية والعسكرية.
• يفسر البند السابق تعدد المفاهيم التي وظفتها الدراسة عند تقديم الشعب في إسرائيل ومدى قوة إنتمائه للدولة، فتارة قدمته كأمة (Nation)، وتارة ثانية كسكان (Residents) وتارة ثالثة كقاطنين (Inhabitants)، وكان من اللافت أنها قرنت تعزيز الإنتماء للدولة بشعور كل مواطنيها انهم يتمتعون بحقوق كاملة ومتساوية.
• وكان من اللافت كذلك دعوة الدراسة الى تمييز المجندين في صفوف الوحدات المقاتلة في الجيش والوحدات المساندة لها ماليا، لتحفيز الشباب على الخدمة في صفوف هذه الوحدات.
• أبرزت الدراسة مسألة إعتماد المجتمع على ذاته كأحد أهم الأسس التي يقوم عليها الأمن القومي الإسرائيلي، والمهم أن هذا الإبراز قد أتي في سياق تهيئة المجتمع لتوقع الأسوأ.
• أضافت الدراسةإضافة فرضيات جديدة للفرضياتللفرضيات القائمة ومن أهم هذه الفرضيات الجديدة، فرضية فرضيتي فقدان إسرائيل لقوة الردع، أوفرضية تعرض إسرائيلها لهزيمة عسكرية واضحة في المستقبل، وقد أوضحت الدراسة في شأن الهزيمة أن إسرائيل يمكنها أن تتعرض مرة واحدة فقط للهزيمة..
• أضافت الدراسة الإقليم (الدول العربية) كمستوى أساسي من المستويات التي يقوم عليها الأمن القومي الإسرائيلي
• إعتمادت الدراسة مقياس المستويات والأبعاد الذي تقوم عليه المقاربة النقدية للأمن والذي طوره لباري بوزان في تطوير إستراتيجية الأمن القومي الجديدة.
• إضافة مفاهيم جديدة لقائمة المفاهيم المعبرة عن إستراتيجية الأمن القومي في إسرائيل، ومن أبرز هذه المفاهيم مفهوم (BDS) أو مفهوم حركة مقاطعة إسرائيل، ومفهوم نزع الشرعية (Delegitimization)، ومفهوم النصر(Victory)، أي تحديد معنى النصر سياسياً وعسكرياً، ومفهوم التفوق أو الإستعلاء الإستخباري. (Intelligence Superiority).
• سلطت الدراسة الضوء على أهمية دور الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية في خدمة الأمن القومي الأمريكي، وقد جاء هذا الإبراز في سياق الدعوة لمعالجة الأزمات والإنشقاقات التي بدأت تبرز للسطح في الأونة الأخيرة بين هذه الجاليات وإسرائيل كدولة.
الدراسة أما من حيث مكانة الصراع الفسطيني الإسرائيلي: في الإستراتيجية المقترحة، فقد قدمت الدراسة الصراع بإعتباره صراع معقد وممتد ولا يبدو أنه قابل للحل وذلك في سياق عرضها للتحديات والتهديدات التي تواجه إسرائيل في المرحلة المعاشة. منذ نهاية القرن الماضي وبداية القرن الجاري.
وأكدت الدراسة في هذا الشأن في هذا الشأن أن إسرائيل تواجه في اللحظة الراهنة بدأت في مواجهة نوعين من التهديدات، سواء من حيث مصادر هذه التهديد، أمدات ومن حيث اسلوب ونمط عمل جهة التهديدأساليب العمل، لا سيما بعد غياب التهديد التقليدي الذي كانت جيوش من الدول العربية مصدره التي كان من المحتمل ان توحد جيوشها وتشن حرباً مدمرة على إسرائيل، حيث وتتمثل المنظمات من خارج نظام الدولة (Nonstate) النوع الأول من هذه التهديدات، فيما تمثل إيران والمنظمات المتحالفة معها النوع الثاني، أما من حيث أسلوب العمل (Modus Operandi) فقد وضحت الدراسة أن كل من الجهتين تتبنى إستراتيجية عمل تتكون من مستويين الأول عملاني والثاني فكري مفاهيمي، وأضافت الدراسة أن الهدف النهائي لهذه الجهات هو .دفع إسرائيل للإنهيار وإنهاء وجودها ككيان سياسي.
وقد كان من اللافت أن قدمت الدراسة الصراع من جهة كتحدي، ومن جهة أخرى كتهديد، حيث يكمن التحدي في الطريق المسدود الذي وصلت اليه محاولات علاج هذا الصراع بالطرق السلمية وفق فلسفة (الجدار الحديدي) خاصة وأن إستمرار الصراع يعتبر مصدراً للمزيد من التحديات التي يقع في القلب منها الآثار بعيدة المدى على هوية إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية.
ويتجلى التهديد في الإستراتيجيات التي تعتنقها المنظمات الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من المنظمات الفلسطينية غير الدولتية، حيث تقوم هذه الإستراتيجية على تنفيذ هجمات عسكرية محدودة ضد الجيش والمواطنين والمنشآت المدنية والعسكرية في إسرائيل.
وكأن الدراسة هنا تقول ان على ذلك تتكون إستراتيجية الفلسطينيين وإن كانوا منقسمين فيما بينهم، إلا أن إستراتيجيتهم تتكون من مستويين الأول عملي والثاني فكري مفاهيمي، والأهم أن الدراسة تؤكد أن هذه الإستراتيجية تصيب إستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي في مقتل، لا سيما وأنها تضرب الأمن القومي الإسرائيلي في بعدين من أبعاد بطنها الرخوة، حيث يمثل المجتمع الإسرائيلي المنقسم على ذاته عميقاً والذي طال انتظاره لحسم وجوده في المنطقة البعد الأول، وتمثل صورة إسرائيل وشرعيتها الدولية المتآكلة البعد الثاني.
وفي سياق تشخيصها لتداعيات التهديدات على الوضع الجيوستراتيجي للدولة، خصصت الدراسة مساحة خاصة للضفة الغربية، حيث أكدت الدراسة على الحيوية الإستراتيجية للضفة الغربية في إستراتيجية الأمن القومي، لقربها أولاً من التجمعات السكانية والمنشآت الحيوية الإسرائيلية التي تتركز في وسط البلاد، ولكونها ثانياً تمثل العمق الإستراتيجي للدولة.
الدراسة ومن حيث الردود المقترحة لمواجهة التحديات والتهديدات الناشئة عن إستمرار الصراع:، فقد تناولتها الدراسة الردود على التحديات والتهديدات التي مصدرها إستمرار الصراع مع الفلسطينيين في معرض الإستجابات والردود الإستراتيجية على كل التهديدات التي تهدد الدولة من حيث مصادرها وطبيعتها، حيث أكدت الدراسة في هذا الخصوصشأن أنه فيما يجب أن تُبنىكون وتبقى إستراتيجية الأمن القومي لإسرائيل على اسس كإستراتيجية دفاعية (Defensive)، يجب أن تُصمم بالمقابل الإستراتيجية العسكرية وفق المقاربةبات الهجومية (Offensive)..
وقد حددت الإستراتيجية وشرحت الردود على التهديدات بناءً على الأهداف التي صممت الإستراتيجية لغايات تحقيقها، حيث حصرت هذه الأهداف في تأكيد وجود الدولة من خلال القيام بجهود إستباقية سياسية وعسكرية إستباقية تضمن إحتفاظ إسرائيل بقوة ردع فعالة تطيل قادرة على إطالة الفترة بين المواجهات، وتضمن إستئصال التهديدات التي تواجه إسرائيل حال بروزها، وتضمن كذلك إحتفاظ إسرائيل الدائم بقوة ردع فعالة..
وكان من اللافت في معرض عرضها للردود على التهديدات تأكيد الدراسة مرة أخرى على مبدأ (الجدار الحديدي) المستمد من مقالة جابوتنسكي، وترجمة بن غوريون لهذا المبدأ عندما صمم إستراتيجية الأمن القومي لأول مرة العام 1948.
وقد حرصت الدراسة على تقديم الردود وفق معادلة بوزان (المستويات والأبعاد)في سياق الأبعاد الأفقية حيث شملت بحيت تتضمن البعد الإجتماعي، والبعد الإقتصادي، وبعد التكنولوجيا والعلوم، والبعد العسكري، ثم بعد العلاقات الدولية، وأخيراً البعد السياسي (السياسة الخارجية والداخلية).
وينبغي هنا التنويه إلى حرص الدراسة على إبراز البنية التنظيمية لتسلسل القيادة عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي، حيث يقف المجلس الوزاري المصغر المعروف (بالكابينت) على راس الهرم القيادي، ويخضع للكابينت مباشرة رئيس الأركان بحيث تنحصر مسؤولياته في تحريك القوات وبناء القوة العسكرية، أما جهازي الموساد والأمن العام (الشاباك) فيخضعان لرئيس الوزراء، وتخضع الشرطة لسلطة وزير الأمن الداخلي.
ووفيما وظفت الإستراتيجية المقترحة كل الأبعاد في تفصيل الردود الإسرائيلية عندما يتعلق الأمر بالردود على التحديات والتهديدات المتضمنة في تي يعتبر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أن المساحة التي خصصتها الدراسة للبعدين العسكري والسياسي للرد على هذه التحديات كانت مثيرة للإنتباه. مصدرها فكان من اللافت أن خصصت الإستراتيجية مساحة واسعة لهذه التحديات والتهديدات لا سيما في البعدين السياسي والعسكري.
وينبغي هنا التنويه فيما يتعلق بالبعد العسكري فتجدر الإشارة الإشارة إبتداءً أن الإستراتيجية العسكرية بشكل عام قد بنيت على أربع أعمدة مكونات أساسية مثلهي: الردع، والتفوق الإستخباري، والدفاع، وأخيراً النصر.

وتظهر قراءة الصراع من زاوية الأعمدة الأربعة المشار اليها سابقاً يبدو بوضوح أن الصراع مع الفلسطينيين يهدد جدياً هذه الأعمدة لا سيما بما يتعلق بالدفاع وذلك نتيجة للواقع الجيوستراتيجي للضفة الغربية التي يقطنها أغلبية فلسطينية لا زالت تعتبر نفسها في حالة عداء مع إسرائيل على الرغم من توقيع اتفاقية أوسلو بين الطرفين في العام 1993.
وتعود الأهمية الجيوستراتيجية للضفة الغربية لسببين، الأول عند تطبيق هذه المكونات على مواجهتها للتهديدات الخارجية يبرز الصراع مع الفلسطينيين لا سيما العامل الجغرافي في هذا الصراع المتمثل بالضفة الغربية كأحد الفرضيات الأساسية التي طور بناءً عليها الجيش استراتيجيته العسكرية الهجومية، إذ تقوم هذه الفرضية على ضمان حرية إنتشار الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية بناء على تقديراته للتهديدات المحتملة سواء كان مصدرها من أطراف خارجية معادية لإسرائيل، أو من الفلسطينيين أنفسهم ضد المستوطنين الإسرائيليين.
وكانت الدراسة قد أكدت على حيوية الضفة الغربية، أولاً لجهة قربها من التجمعات السكانية والمنشآت الإستراتيجية (العسكرية والإقتصادية) والتي تقع جميعها في مثلث (القدس تل أبيب حيفا) في إسرائيل، والثانيثانياً لكونها تمثل العمق الإستراتيجي للدولة في حال بروز أي تهديد من الشرق، الأمر الذي يجعل من عدم سيطرة إسرائيل العسكرية على الضفة الغربية تهديداً صريحاً مباشرة لإستراتيجيتها العسكرية سواء كان مصدر التهديد داخلي من الفلسطينيين في الضفة الغربية أم خارجي.
وتأسيساً على ذلك أوصت بضمان إسرائيل يفرض على إسرائيل إلى جانب ضمانها حرية إنتشار الجيش في الضفة الغربيةها وقت الضرورة، إضافة لضمان إسرائيلها سيطرة كاملة على منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت، فضلاً عن ضمان عدم بروز أي كيان مسلح في الضفة الغربية في ظل أي ترتيبات مستقبلية مع الفلسطينيين وكذلك ضمان إسرائيل منع تهريب السلاح للضفة الغربية خاصة التهريب من الشرق.
أما على صعيد البعد السياسي فقد قدمت الدراسة ردود الإستراتيجة الإسرائيلية عى التحديات والتهديدات التي مصدرها الصراع مع الفلسطينيين كتهديات مقترنة مع حملة نزع الشرعية عن إسرائيل
لا سيما وأن هذه الحملة آخذة في التصاعد والاتساع حول العالم في المجالات الإعلامية والثقافية والأكاديمية والإقتصادية.
الدراسة ومسارات تطور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: تناولت الدراسة الفلسطينيين مصدراً تارة للتحديات التي يتوجب على إسرائيل مواجهتها لا سيما تلك التحديات التي تستهدف المساس بشرعية وجود الدولة في المجتمع الدولي، الأمر الذي يتمثل في حركة مقاطعة إسرائيل ونزع الشرعية عنها، وتناولته تارة أخرى كتهديد ذو طبيعة عملانية من جهة، وطبيعة فكرية مفاهيمية من جهة أخرى.
وكان من اللافت عدم إشارة الدراسة مطلقاً للحل السياسي على أساس حل الدولتين، حيث إستخدمت استخدمت الدراسة بالمقابل مصطلح الترتيبات المستقبلية مع الفلسطينيين، وفي هذا الشأن فقد أوصت الدراسة أن تضمن إسرائيل من خلال هذه الترتيبات حرية إنتشار الجيش في الضفة الغربية وقت الضرورة، علاوة على ضمان عدم قيام أي كيان فلسطيني مسلح في الضفة الغربية، وعمل كل ما يلزم لضمان منع تهريب السلاح للضفة الغربية خاصة من الشرق، كما أوصت الدراسة بإبقاء منطقتي غور الأردن وشمال البحر الميت تحت السيطرة العسكرية للأبد.
وتكشف هذه التوصيات أن قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل وفق مبدأ حل الدولتين ينطوي على تهديدات جدية للأمن القومي الإسرائيلي، مما يجعل من إقدام إسرائيل على ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها للسيادة الإسرائيلية مسألة وقت فقط، لا سيما وأن نتائج جولتي الإنتخابات التي جرت في إسرائيل خلال العام الجاري قد أظهرت من جهة، أن الأحزاب السياسية التي تؤمن بمبادلة الأرض بالسلام قد أصبحت على هامش التأثير السياسي في إسرائيل، وأظهرت من جهة أخرى أن أحزاب اليمين والوسط التي تدعو لضم الضفة الغربية هي الأحزاب المهيمنة على القرار السياسي الإسرائيلي.
وعلى ضوء ذلك من المشروع الإستنتاج أن فرصة تسوية الصراع على أساس حل الدولتين قد انتهت للأبد، وأن إسرائيل مقدمة لا محالة على ضم الضفة الغربية أو ضم أجزاء واسعة منها لسيادتها، وأنها اي إسرائيل إما سترحل الفلسطينيين من المناطق التي ستضمها لسيادتها، أو أنها ستضمهم دون أن تمنحهم جنسيتها.