الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

عرفات وعباس ونتنياهو وأبو العطا

نشر بتاريخ: 12/11/2019 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:11 )

الكاتب: نبيل عمرو

عنوان فيه شيء من الغرابة، الا انني سأضع هذه الأسماء في سياق واحد يفضي الى نتيجة واحدة.
نحتفل هذه الأيام بذكرى غياب ياسر عرفات وأستعير من صديقي الراحل محمود درويش مصطلح غياب بقوة الحضور.
ذلك ان ياسر عرفات ما يزال حاضرا في حياتنا، فإذا المت بنا مصيبة يسأل الناس.. ترى ماذا كان يفعل عرفات للخروج منها.
وحين وقع الانقسام واستمر لثلاثة عشر سنة، قيل هل كان ذلك سيحدث لو ان عرفات على قيد الحياة والقيادة؟ ، وحين هزمت حماس فتح في انتخابات عامة قيل.. هل كان يمكن ان يحدث ذلك في عهد عرفات؟
لا اريد الاطناب في سوق الأمثلة فهي كثيرة الا انني اختصر القول في الرجل خصوصا وانني من الجيل الذي عمل معه طويلا وعلى مقربة منه ، مكتفيا بالاجابة عن سؤال لماذا تكرس هكذا في ماضينا وحاضرنا .
الجواب بالعناويين..
أولا لأنه جسد حاجة الفلسطينيين الى استعادة الهوية السياسية التي اوشك ان يضيع دمها بين القبائل.
وثانيا لأنه زاوج بين المبدأية والبراغماتية كان مبدأيا في امر سعيه لتحصيل الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وكان براغماتيا في التعامل مع المتغيرات الدولية بحيث يبقى داخل المعادلة وليس خارجها، وهذا تطلب تنازلات لم يكن غيره قادرا على تقديمها وإقناع الناس بضرورتها لتأمين ما امكن من الحقوق .
وثالثا لأنه في الشأن الداخلي لم يكن فتحاويا متعصبا مع ان فتح هي حاضنته الأولى ونجح في ممارسة ديموقراطية البنادق بديلا عن صراع البنادق فجنب الشعب الفلسطيني حروبا داخلية كان يمكن ان تندلع عند شعب مسلح حتى الاسنان وفيه ما فيه من اختلافات فكرية وسياسية وتنظيمية.
ورابعا وهذا هو العامل الأهم انه كان محاطا برجال أقوياء من كل النواحي، ما ان تذكر اسم واحد منهم في أي محفل عربي او دولي حتى يقابل بكل الاعجاب والاحترام.
ومن ياسر عرفات انتقل الى عباس، الذي ابتلاه الله بتداول السلطة الإسرائيلية في عهده بين اكثر اثنين يكرهون الشعب الفلسطيني ويكرهون السلام شارون ونتنياهو.
محمود عباس صديق شخصي لي وقد اعلن ذلك من على منبر المجلس الوطني الذي عقد مؤخرا في رام الله، غير ان الصداقة الشخصية لم ولن تمنعني عن تقويم أفعال الرجل بمقياس موضوعي، والخلاصة انني مختلف معه حول أمور كثيرة وليس الان وقت الاستفاضة في الحديث عنها.
بوسعك ان تختلف كثيرا مع عباس، ولكن لا خلاف على انه من اكثر الفلسطينيين التزاما بقضية السلام واستعدادا لانجازه مع الإسرائيليين اما مباشرة او عبر وسطاء، لم يفصح عن ذلك بالكلام وانما بالافعال، لا يمر شهر دون ان يستقبل إسرائيليين ومن مستويات عدة لاقناعهم بالسلام، حتى انه سافر الى موسكو تلبية لدعوة من بوتين للقاء نتنياهو دون قيد او شرط، وعاد عن أبوابها بسبب تراجع نتنياهو.
وفي مسعى لاستئناف المفاوضات قبل سنوات قليلة جرى ترتيب موعد له مع شيمعون بيريز في عمان وحين وصل الرجل أبواب العاصمة الاردنية جاءه امر من نتنياهو بإلغاء اللقاء والعودة فورا الى إسرائيل.
الخلاصة ...
في مقابل ذلك كله اعتبر نتنياهو عباس ليس خطرا على امن إسرائيل فحسب وانما على وجودها، حتى قيل من لم يستطع تجرع عباس كشريك في السلام فمن سيتجرع بعد ذلك.
كتبت هذه المقالة ونحن وإسرائيل والمنطقة كلها تعيش تداعيات جبهة أبو العطا.. كان متوقعا ان تقوم إسرائيل بتصفية الرجل او المحاولة بذلك، وبوسع التكنولوجيا المتوفرة بين يدي الدولة العبرية ان تصفي رجلا يعيش ويعمل في منطقة ضيقة يمكن تصوير كل سنتيمتر فيها، والسؤال ماذا فعلت إسرائيل بنفسها من خلال تصفية أبو العطا؟
أعلنت حالة طوارئ شلّت الحياة فيها، وبحسبة أولية فإن الخسائر المنظورة وغير المنظورة جرّاء ذلك تقدر بالمليارات ، اضافة الى امر اخر معنوي وسياسي واستراتيجي هو .. ما دام الإسرائيليون يعتبرون أبو العطا استثمارا إيرانيا فهم بذلك يعترفون صراحة بأن ايران قادرة على شل الحياة في إسرائيل دون ان تطلق ولو صاروخا واحدا عن بعد، فكيف سيجد نتنياهو مسوغا لاطروحاته بأنه سيحمي الشرق الأوسط من ايران بينما يبدو عاجزا عن حماية نفسه ودولته.
يقول اكثر من نصف الإسرائيليين ان نتنياهو خطر على الدولة وكثيرون في العالم يقولون انه الأخطر على استقرار المنطقة والادهى والامر ان من هو كذلك يراهن عليه لإخراج إسرائيل من المأزق.