الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

خمسون تجربة ثقافية وإبداعية فلسطينية لـ د. حسن عبد الله

نشر بتاريخ: 11/12/2019 ( آخر تحديث: 11/12/2019 الساعة: 21:28 )
خمسون تجربة ثقافية وإبداعية فلسطينية لـ د. حسن عبد الله
بقلم: مهند طلال الأخرس
كتاب يضم لقاءات مع خمسين شخصية ثقافية وإبداعية، وهو من إصدارات مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة في جامعة القدس سنة 2018، وقد ضم الإصدار الجزء الأول ويقع في "468 صفحة" والجزء الثاني ويقع في "520 صفحة".
وهذه اللقاءات كانت في الاصل حلقات تلفزيونية قدمها الكاتب عبر محطة وتلفزيون معاً، وها هو مجدداً يمضي قدماً بمشروعه الثقافي الرائد والمتأصل بجذور هذه الأرض، ويُكمل التجربة ويضفي عليها رونقاً آخر بتفريغها لنا وتقديمها بصيغة مكتوبة، رغم ادراكنا لحجم الصعوبات الجمة التي تواجه هكذا مشروع ، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن د. حسن عبدالله صاحب مشروع ثقافي رائد في هذا المجال، فهو يسير وفقاً للحكمة القائلة:" أن تشعل شمعة خير الف مرة من أن تبقى تلعن الظلام" بالإضافة الى أن حسن وأمثاله يدركون أصل وطبيعة الصراع وهو صراع على الحكاية وأصل الرواية في مقابل الروايات الخرافية القافزة والنافرة من سطور التاريخ المُصاغ بقلم أصحاب الخُرافة وأشياعهم من السذج والمأجورين وهو ما ذهب إليه محمود درويش حين قال:" من يكتب حكايته يرث أرض الكلام".

حسن عبدالله في هذا الكتاب وبجهد فردي نادر أقدم على عمل تعجز وعجزت عن القيام به المؤسسات والهيئات، فهكذا عمل يتضمن جهداً مميزاً وضخماً بامتياز، وقد لا يعرف أسرار هذا الجهد إلا من كان قريباً أو مطلعاً على هكذا أعمال، وهذا يتضح جلياً في هذا العمل؛ فعند اطلاعك على نصوص الحوار تعلم جيداً حجم هذا الجهد، حتى يُخيل إليك ومن باب الغبطة أو الحسد انه لا يمكن القيام بمثل هكذا جهد دون هيئة إعداد وتحرير مكونة من طواقم متعددة، وعند مطالعتك لأحد فصول الكتاب دون تحديد تجد أن الكاتب والباحث المنهجي حسن عبدالله يوجه الحوار كما يريد، وهذه ليست دكتاتورية كما قد يفهم وإنما ينم عن مقدار البحث ومراجعة الكثير من المصادر ومطالعة معظم إصدارات الكاتب المُستضاف في الحلقة، هذا إن لم يكن كلها طبعا، وهذا ما منح حسن عبدالله ميزة أن تكون حلقاته مزدحمة ومركزة بالأحداث والمواقف، بحيث يستعرض الكاتب مع هذه الشخصيات لخمسين تجربة ثقافية وإبداعية، تصلح أن تكون مرجعا ومصدراً للباحثين والمهتمين بحقل الثقافية الفلسطينية بل وأكثر، فالمواضيع المطروحة ضمن سياقات الكتاب والتي تناولها الكاتب مع ضيوفه بمنهجية علمية، قد تشكل مدخلا لدراسة حالة الأدب والثقافة الفلسطينية في أطوارها وشرائحها المتعددة، هذا عداك عن إمكانية اخذها كعينة لدراسة حالة المجتمع الفلسطيني وابرز الظواهر فيه ضمن مقطع زمني معين.

على ظهر الصفحة 9 من الكتاب وفي معرض تقديمه للكتاب يقول عيسى قراقع: "يجمع اشخاصاً أم يجمع تاريخا؟ يلملم المكان والزمان في حلقات تلفزيونية تفوح منها رائحة العشق والحب لهذا الوطن الجريح، جاء بهم من كل صوب، من المخيم والسجن، من المنفى والقرية والمدينة، من المسرح والجامعة، من على الرصيف في الشارع أو من المظاهرة"، وقد أحسن قراقع هذا الوصف والتلخيص؛ ففي هذا الكتاب يستضيف حسن عبد الله خمسين شخصية ثقافية ومبدعة ويدفعها إلى أن تبوح عن صيرورة النشاة والتكوين الخاص بها والذي يسهم بدوره في تشكيل المشهد الجمعي العام لفلسطين القضية والمصير.

هناك مقولة رائجة لمالكوم اكس يقول فيها:" لن يعرف أحد ما هي هويتنا إذا لم نعرفها نحن، واذا لم نعرفها بقينا حيث نحن" هكذا يقول مالكوم وهذا ما تجده في هذا الكتاب، فالثقافة بأدواتها المتعددة هي الصيغة الحضارية الأكثر بياضاً وبقاءً والأكثر قدرة على تحديد معالم الهوية لشعب من الشعوب أو لحضارة بمجملها، وهذا ما يذهب اليه حسن عبدالله في كتابه "خمسون تجربة ثقافية وابداعية فلسطينية" (الجزء الثاني)، اذ يذهب بنا نحو تحديد معالم هذه الهوية الثقافية والوطنية، اذ يتناول الكاتب هذه التجارب مجتمعة من خلال التطرق الى ظروف النشأة وتطورها وجذور تكوينها وابراز المعالم الفارقة فيها ، وهي على تنوعها تشترك بجذر واحد وتتحرك بدافع واحد وهمها واحد وإنْ تنوعت أشكاله وأدواته.

في الكتاب محاورة متعددة شملها حسن عبد الله في حواره واحسن بالتغاضي عن اخرى واحسن اكثر بعدم الرد او الدخول في سجال مع الشخص المستضاف حرصا على امور كثيرة، وهنا تحضر شخصية المثقف الوطني المتسامي عن التناقض الثانوي لصالح التناقض الرئيس، وهو إذ أحسن هذا الدور قولاً وفعلاً استطاع بنجاح كبير أن يبقي البوصلة صوب فلسطين القضية والمصير والبعد كل البعد عن كل مؤذٍ يشوه هذه الصورة الناصعة لفلسطين ومثقفيها.

يقولون لكلٍ من اسمه نصيب، وقد يكون حسن عبد الله مثال حي على صحة هذه المقولة وصوابها؛ فهو حسن بالاسم وحسن بالصورة وحسن الطباع واللسان وحسن الحضور في المشهد الثقافي عبر قلمه الذي يكتب بالندى.

في سطور الحوار يظهر جلياً كم أن الكاتب منسجم مع نفسه ومتصالح مع نفسه ومع الآخرين، وكم هو بعيد عن الحسابات الضيقة، بالإضافة إلى تجلي الحالة الوطنية الملتزمة لديه وسموها على كل اعتبار، وهو بهذا يظهر قدراً كبيراً من النضوج بحيث يقفز عن كل الحزبية والفئوية الضيقة ويحلق بنا نحو فلسطين، ذلك الوطن الجميل العالق بأذهاننا والمتجذر بقلوبنا وعقولنا، ويعيد رسم المكان بمخيلتنا وتأكيد حضوره كبطل لا يغادر هذا الزمان.