السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الملتقى العربي لكتاب الدراما: بين راهن المضمون وأفق التجربة الجمالية

نشر بتاريخ: 21/12/2019 ( آخر تحديث: 21/12/2019 الساعة: 18:14 )

الكاتب: تحسين يقين

قضايا الفرد والأسرة والجماعة، فالوطن والأمة بل والإنسانية، أكثر ما تتجلى إنسانيا وجماليا عبر الدراما، المتصلة اتصالا وثيقا بالأدب. نرى أنفسنا وغيرنا في العلاقات البشرية، ونكتشف عمق عوالمنا.
الدورة الثانية لملتقى كتاب الدراما بالدوحة الذي تنظمه وزارة الثقافة والرياضة، تسلمنا للثالثة..للتفكير والإبداع..
لو سألنا مواطنا ما المؤثرات التي ساهمت بتكوينه، فسنجد أن المقروء والمسموع والمرئي كان له الفضل الأكبر في صياغته، بل هو الشق الأكثر أهمية في الكتب المدرسية.
الرواية، المسرح، والسينما، بل إن الدراما موجودة وبعمق في كل الآداب والفنون، في القصيدة واللوحة والرقصة، كما في السرد والتمثيل.
ولعلنا هنا أيضا نركز بشكل خاص على الميلودراما؛ لأنها شكل تسلسلي متتابع، يعيّش المشاهدين على مدار أيام، حيث تجتمع الأسرة معا.
3 عقود زاهية شكلت الدراما عاملا إيجابيا مؤثرا في حياتنا، منذ السبعينيات حتى آخر التسعينيات، ولعل نشوء التلفزيون وانتشاره عربيا، كان له الفضل في تقريب السينما والمسرح للجمهور العربي.
قد تكون عوامل موضوعية كانتشار الانترنت، أو حالة التشظي التي أصلا بدأت في أزمة الخليج عام 1990 قد أثرت سلبا على الاستهلاك الجمعي للدراما، ولعل البداية كانت مع ظهور الفيديو، الذي أثر سلبا على المشاهدة الجماعية لأفلان السينما في المدن العربية، حيث أصبحت المجموعة المشاهدة ضيقة، ومتفاوتة مكانيا وزمانيا.
أما المسرح، فتلك حكاية ارتباطه بالطبقة المتوسطة والمثقفة، ودوره الطليعي فكريا، حتى أواسط السبعينيات، حينما بدأ منعطفا جديدا متخليا عن الدور التنويري في معظم إنتاجاته، مقتربا من دور التسلية والإضحاك. ولعل الجهود الحالية تأتي بما نتوقعه من ارتقاء له، ليستأنف دوره التنويري الإنساني وطنيا وقوميا.
الدراما ما الدراما إن لم تكمن قضايانا الفردية والجماعية فيها، باتجاه التغيير الإيجابي، لا مجرد أن تكون عاكسة للحال.
لم تكن الدراما بهذه الأهمية لو أنها قامت فقط لتعبئة فراغ البشر، للتسلية وتمضية الوقت، بل إنها فنيا ارتبطت بما هو مكتوب، منذ المسرح القديم، ولعل تكنولوجيا العصور قد عمقت العلاقة بين الفن والأدب.
لعلنا وصلنا إلى الدورة الثانية لملتقى كتاب الدراما بالدوحة، وهو الجهد الذي يتكامل مع حلقات أخرى في المسرح والسرد والسينما، كونها منظومة معا، داخل الفنون والآداب، وداخل الجمهور العربي القارئ والمشاهد.
"بين راهن المضمون الفكري وأفق التجربة الجمالية"، ذلك العنوان-الشعار العميق والملتزم والواعي على دور الدراما، والتي هي فعلا سرد واع يتجلى في أسلوب جميل وممتع لتقديم رسالة البقاء الإبداعي للبشر أفرادا وجماعات وأمم.
لقد وفّق وزير الثقافة والرياضة القطري سعادة السيد صلاح بن غانم العلي فوصف الملتقى بأنه يشكل فرصة ودوحة تلتقي فيها طيور الثقافة والإبداع، للبحث والنقاش في قضايا الأمة عبر الدراما داعيا الكتاب لامتلاك القدرة على الغوص في المجتمع العربي.
إنه نهج جدير بالاهتمام، وهو يذكرنا بما ذكره أيضا وزير الثقافة الأردني السابق محمد أبو رمانة في افتتاح ملتقى الشارقة للسرد في عمان حين تحدث عن التحولات ودور الرواية العربية، إنه فهم معمق سريع لدور الأدب في سياق قومي. وهنا يأتي دور كاتب الدراما في الاستجابة عبر الغوص من أجل الخلاص الجمعي لا الفردي.
ربما من المهم التذكير:
- الدراما لا تدخل كل بيت فقط، بل وكل عقل وقلب.
- تشكل عامل تكوين جمعي وفردي إنسانيا وجماليا.
- تذكر دائم أننا أيضا مخرجات شعورية وفكرية للدراما.
- دورها في الارتقاء الفكري والإنساني.
- الالتزام بقضايا الأوطان والأمة والإنسانية.
- إضافة للعامل التربوي والتوعوي.
شعار ذكي وضروري وإبداعي هو "التصورات الكبرى في الدراما العربية بين راهن المضمون الفكري وأفق التجربة الجمالية"، ذلك أن الدراما أنى كان ثوبها، فهي مرتبطة بهذين العنصرين: المضمون والشكل، ولعل كلاهما يستدعيان أحدهما الآخر؛ فهناك سردية لها رسالة، تتجلى في شكل فني جماليا، تمثيلا ونصا وإخراجا وموسيقى وباقي عناصر العمل الفني، ودور التكنولوجيا صار واضحا وضروريا للمواكبة.
سنقف عند ما وقف الملتقى عنده:
تنميط التصورات في الدراما العربية :
"تنميط التصورات في الدراما العربية"، محور مهم، أما ما ما رشح من التقرير الصحفي الذي غطى الندوة، فهو ما "استعرضه الفنان هشام عبدالحميد خلالها مجموعة من الأعمال الدرامية التي تناولت القصص والشخصيات الدينية، متناولا قضية الوعي العربي للتصور الديني في الدراما العربية، فلا بد أن يرتقي لروح العصر؛ فالفنون نوع من الإحساس بالجمال ولا يخشى أن تعود بنا إلى ماضٍ كانت فيه التماثيل أصناما ومعتقدا دينيا يعبد، وهذا حدث بفعل تطور وعي الإنسان. كذلك ما تطرقت إليه د. حنان قصاب، عميد المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق ـسابقا، إلى "وجع المجتمع و الدراما" موضحة مدى تأثر المجتمع بالدراما وليس العكس، وأن أخطر فئة معرضة لهذا التأثر هم الاطفال، وكيف صارت الأعمال (المسلسلات الكارتونية) تؤثر على سلوكيتهم التي تتسم بالعنف و المخاطرة".
ولا شك أن ما تناولاه هو أمر جوهري، حيث عانت الدراما من التنميط الذي صار ساذجا ولم يعد تقبله، حيث من المهم مراعاة سياق العصر الفكري والجمالي، ولعل الثغرات في الدراما خصوصا فيما يخص موقع المرأة يدل على أهمية الارتقاء بالكتابة فكريا، للأدوار الاجتماعية، كذلك في قراءة التاريخ من منظور معاصر؛ فهناك خطر لتأثير الدراما غير الناضجة فكريا التي تعمل على قولبة الفكر في زمن التحولات والانفتاح والرؤية النقدية للتاريخ. لذلك نتفق مع ما ذكرته الدكتورة حنان قصاب، بأنه لا يجب أن نهمل تنشئة جيل من الدراميين الذين لديهم وعي اجتماعي وتربوي وسياسي وأيديولوجي. كما يجب أن نفهم كيف يمكن أن نوجه الدراما انطلاقاً من معاهد تدريس المسرح والسينما والتلفزيون." ولعل ما أوصت به من توجيه الدراما فكريا لا يقف عند المعاهد، بل يمتد الى ورشات تثقيف تاريخي وإنساني ونوع اجتماعي للكتاب وصناع الدراما، لا ليعكسوا الايجابي فقط في المجتمع، بل ليكونوا قيادة فكرية تطويرية له.
أما رشح لدينا عن "الآخر في الدراما" فهو ما تحدث به الناقد والسيناريست الجزائري عبد الكريم قادري عن موضوع: "صورة الأخر بين التهميش والقبول"؛ حيث ذكر بأنه بالرغم أن الأفلام التي جسدت قبول الآخر في السينما حتى وإن كانت قليلة جداً، فإنها موجودة، وهذا ما يفتح الأمل في أن تتوسع الرؤية مستقبلاً، وتزداد الأفلام التي تنقل الصورة الحقيقية للآخر ليصبح لديه الحق في نقل صورته الحقيقية دون تشويهها"، وبالطبع فإن الحديث يمكن أن يكون مندرجا أيضا في سياق التنميط.
أما عن خصوصية التراث في السينما العربية، فقد تم التركيز على "الصورة التراثية وعصرنة الثقافة الجمالية" من خلال المخرج والباحث السينمائي الأردني عدنان مدانات والمخرج و الجزائري عبد الحليم بوشراكي" .
ولم تبعد توصيات الملتقى عما نتحدث به، من "استحداث ورش متخصصة لكتاب الدراما الشباب للارتقاء بكتاباتهم وتعزيز حضورهم، والعمل على تقديم تجارب إبداعية شابة لتشخيص وضعية الكتابة الدرامية لدى الأجيال الجديدة، وضرورة الاهتمام بالدراسة الميدانية للتحولات الحاصلة في المجتمعات بالتنسيق مع الجهات المتخصصة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي لتطويع نتائجها في بناء النصوص الدرامية، وتخصيص محور دائم حول قضايا الدراما، والاهتمام بدراما الأطفال"
أما عن شكل الملتقى فتمت المطالبة "بصيغ جديدة للملتقى تخفف من البعد النظري- على أهميته - وتضاعف عرض التجارب لكتاب الدراما وتعزز الجانب التفاعلي بين المشاركين."
أما التوصية الكبرى، فهي "إطلاق الحرية المسؤولة للإبداع فبدون الحرية وتهيئة بيئة مناسبة لها لن يعطي الإبداع ثمارا تفيد المجتمعات العربية وتعبر عن واقعها المعاش وتساهم في رقي العقل وتقدم المجتمعات".
ولعل التوصية الأخيرة كانت في ذهن راعي الملتقى سعادة السيد صلاح بن غانم العلي وزير الثقافة والرياضة، حين دعا الكتاب لامتلاك القدرة على الغوص في المجتمع العربي، في الوقت الذي كان صريحا في نقده حين تحدث عن تراجع النخب ثقافيا، وتراجعها عن القوانين والدساتير التي تعزز من الحريات، حيث وفقا له "بات الشباب بالشارع وحدهم الآن يطالبون بإحداث اختراق، وعبر سعادة الوزير عن أمنياته بأن يحدث اختراق بوجدان المتلقي العربي"، لذك فهو يأمل بأن يشكل الملتقى فرصة ودوحة تلتقي فيها طيور الثقافة والإبداع للبحث والنقاش في قضايا الأمة عبر الدراما."
"تعزيز الوعي وتنمية الذائقة وإثراء الوجدان الجمعي"، هو ما ركز عليه السيد حمد محمد الزكيبا مدير إدارة الثقافة والفنون بوزارة الثقافة والرياضة، ورئيس اللجنة المنظمة للملتقى، لعله هدف سام يتسق مع شعار الملتقى بين راهن المضمون الفكري وأفق التجربة الجمالية.
جميل هذا اللقاء العربي الذي ضم 14 دولة عربية، وجميلة هي الجائزة المشجعة للارتقاء بالدراما خصوصا على مستوى النص، لما تشكل ندرة النصوص عقبة أمام الابداع.
الفرجة من خلال الدراما، رحلة فكر وشعور.. باتجاه إنسانيتنا، لعل الدراما بشكل خاص تساهم في بناء توازن مع العالم المادي، حتى تستقيم الحياة وتستمر إنسانيا.