الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

كي لا نفقد البصيرة

نشر بتاريخ: 13/01/2020 ( آخر تحديث: 13/01/2020 الساعة: 09:16 )

الكاتب: د.مصطفى البرغوثي

ما زال بعض الناس يتعاملون مع الواقع السياسي وكأننا ما زلنا نعيش في القرن العشرين، وهم في ذلك يتجاهلون أن إنهيار الإتحاد السوفياتي، وما كان معروفا بالمعسكر الاشتراكي، أنهى عصر ثنائية القطبية، وأنشأ عالما تحكم فيه قطبٌ واحدٌ لردح من الزمن، إلى أن دخلنا المرحلة التي نعيشها اليوم في بداية عصر تعدد الأقطاب.
ولعل أهم ما يميز عصرنا، للأسف الشديد، أن سياسات الدول إرتدت إلى مفاهيم وقيم القرن التاسع عشر.
وما يحكم سياسات الدول، والأقاليم، هو شيء واحد: المصالح.
وفي عصر انكفاء القيم والمبادىء، من المهم لكل شعب أن يحدد مواقفه وسياساته، بما يحقق مصالحه وأهدافه.
ومن يدافع عن القيم والمبادىء في عصرنا، هو من له مصلحة فيها، ولذلك ندافع نحن كفلسطينيين عن القانون الدولي وقيم الحرية والعدالة، لأنها تنسجم مع مصالحنا، ولكننا نخطىء إن ظننا أن الآخرين سيفعلون نفس الشيء من أجل سواد عيوننا.
وما يعنيه ذلك، أن مواقفنا من كل الأطراف والدول والقوى يجب أن تستند إلى تحليل، وفهم عميق، لمصالح هذه الأطراف والدول.
والثابت الوحيد في هذا التحليل يجب أن يكون قياس مدى تحالف أو تصادم كل طرف وكل دولة مع العدو الرئيس الذي يهدد حياتنا، وأرضنا، وشعبنا، ومستقبلنا، وهو الإحتلال و نظام الأبرتهايد العنصري الإسرائيلي.
هذه هي القاعدة الأولى، التي يجب فهمها حتى لا يتوه بعض الناس في غياهب استقطابات لا علاقة لنا بها، ولن تفيدنا، ولن يعني الغوص فيها إلا السماح للآخرين بإستغلالنا من أجل مصالحهم.
أما القاعدة الثانية في خوض وإدارة كل صراع، فهي التمييز الدقيق بين التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية.
تناقضنا الرئيس كان، وما زال، وسيبقى حتى تتحقق حريتنا الكاملة، مع الاحتلال، وحكام إسرائيل، ومنظومة الأبرتهايد التي أنشأوها، ومع من يدعمونهم ويتواطئون معهم.
وما من كارثة يمكن أن تلحق بحركة تحرر وطني، وشعب يناضل من أجل حريته، أسوأ من الوقوع في غياهب صراعات مع أطراف، وتناقضات ثانوية، بالنسبة لقضيتنا.
والقاعدة الثالثة، لنجاح كل نضال، هي التمييز بين من يمكن أن يكونوا في معسكر الحلفاء، ومن سيكونون في معسكر الأعداء.
وإذا كانت معادلات التحالفات سهلة في عصر القطبين، فإنها معقدة للغاية في عصر تعدد الأقطاب، لأسباب عدة، أهمها أن مصالح الدول تتغير، وتتحول، وتتغير معها مواقفها.
وهذا ما يفسر تغير مواقف دول كانت تصوت لصالحنا، فصارت تعارضنا، أو تختبىء خلف ستار الغياب، أو الإمتناع عن التصويت.
خصمنا ذكي، ولا يفوت فرصة لفتح ونسج علاقات مع كل من يستطيع الوصول إليه، وخاصة من كانوا داعمين تاريخيا للشعب الفلسطيني، ولذلك نراه ينشط بكثافة تجاه بلد صديق كالصين، والهند والدول الإفريقية، ويحاول فرض وتمرير تطبيع مع دول المحيط العربي، لأنه يريد أن يعزلنا.
ونحن يجب أن نحاول عزله، ليس فقط بافتراض قوة عدالة قضيتنا، بل بالنشاط المثابر، والذكاء الحقيقي في التعامل مع الأزمات المتتالية التي تدور حولنا.
ومن نفس المنطلق لا يمكن فهم، أو قبول، مواقف تهاجم من يقفون إلى جانبنا، ويدعمون نضالنا، ويصطدمون مع أعدائنا.
كما لا يمكن أن نقبل كشعب يناضل من أجل حريته أن نكون في جيب أحد، أو أن نسمح بتكرار مآس سابقة، عندما كان الآخرون يستغلون ويستخدمون قضيتنا، ثم يديروا ظهورهم لنا عند كل منعطف هام.
ما من شعب تمسك و يتمسك بقيم الحرية، والكرامة والعدالة، مثل الشعب الفلسطيني، وما من شعب بذل تضحيات غالية كالشعب الفلسطيني دفاعا عن استقلالية قراره الوطني، وهذا ما يجب أن نحافظ عليه، عندما نقود سفينة كفاحنا في بحر متلاطم بالصراعات، والخيانات، و الانتهازية، والتناقضات، ودون أن نفقد قدرتنا على رؤية الخير، والخيّرين، في هذا العالم الفسيح.
أزمة الكهرباء
تجتاح أزمة الكهرباء الضفة الغربية، كما اجتاحت، بصورة أبشع بما لا يقاس، قطاع غزة.
وخلاصتها واضحة، إسرائيل، تتحكم بمصادر الطاقة، والكهرباء، وقد حولت معظم الشركات المحلية إلى مجرد موزع للكهرباء التي تُنتج في إسرائيل، وهي تستغل كل ذلك لإحكام قبضتها على اقتصادنا، الذي يستورد من إسرائيل ما لا يقل عن خمسة مليارات دولار سنويا، تمثل مصادر الطاقة أربعين بالمئة منها (40%).
وقد قصرت الشركات مع المواطنين الذين يدفعون من عرق جبينهم، ليس فقط ثمن الكهرباء، بل وتكاليف الشركات التي توزعها، لأنها لم توضح بصورة منهجية، حقيقة الأزمة المتصاعدة وأسبابها، ومن واجبها أن تصحح ذلك.
المخرج الفعال من هذا الوضع، هو إيجاد مصادر طاقة بديلة تدريجيا، وتوسيع استخدام الطاقة الشمسية، والعمل الجاد، والإصرار على إيجاد مصادر طاقة بديلة، تحررنا من عبودية واستغلال الإحتلال.