الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

جنرالات إيران وعنزة ولو طارت

نشر بتاريخ: 19/01/2020 ( آخر تحديث: 19/01/2020 الساعة: 12:19 )

الكاتب: السفير منجد صالح

أخيرا إعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بجرح أحد عشر جنديّا أمريكيّا جرّاء الغارة الصاروخية الإيرانية على قاعدة "عين الأسد، القادسية سابقا، فجر الثامن من الشهر الجاري، يعالجون في مشافي في ألمانيا وفي الكويت من إرتجاجات بالمخ نتيجة لقوة الضربة على القاعدة الحصينة.
وهذا حسن وجيّد. حسن وجيد للأمريكان إذ يخرجون هكذا من تحت عباءة دائرة الإنكار والإستكبار والإستعلاء والإملاء والإستهزاء بقدرات إيران، التي راكمتها على مدى سنوات، مُستعينة بخبراء ومختصين روس، في كافة المجالات العسكرية والتسليحية.
وهذا حسن وجيّد بالنسبة للجمهورية الإسلامية "لإستعادة بعض من مصداقيّتها" ولكي نُخرجها من دائرة الشك والتشكيك والغمز واللمز، وخيبة الأمل والمقت "والنقد البنّاء" لهذه الضربة، التي ما زلنا نعتقد بأنها أقل بكثير كثير كرد أو "كصفعة" على مقتل، إستشهاد، رجل كالجنرال سليماني وصحبه. رحمة الله عليهم جميعا وأسكنهم فسيح جنّاته، وإنا لله وإنّا إليه راجعون.
لكن وبالرغم من أنّ المشهد الإيراني، الوضع في رحم الجمهورية الإسلامية، بدءا بسماحة المرشد ومرورا بالرئيس روحاني وعلي شمخاني وقآني، قائد فيلق القدس الجديد، و"رُجم" الجنرالات في الحرس الثوري الإيراني، يبدو متماسكا صلبا متناسقا متناغما، إلا أن هناك "مسامات" وفجوات وهفوات وإنزلاقات و"تزحلقات" وتنافر وتنابز وتغامز ما بين السياسيين والجنرالات، على أثر العدوان الأمريكي بإغتيال الجنرال قاسم سليماني وصحبه، والهجوم الصاروخي الايراني على قواعد أمريكية في بلاد ما بين النهرين، وإسقاط الطائرة الأكرانية المنكوبة.
قبل إغتيال سليماني رزحت إيران تحت "موجة عاتية" من الإحتجاجات والمظاهرات الشعبية التي إجتاحت طهران والمدن الإيرانية الأخرى. إحتجاجات مطلبية معيشية ليس إلا مع أنها ربما حملت في أحشائها أيضا مطالب سياسية وديمقراطية.
ومع أنّه لم تتبلّور صورة متكاملة عن ما كان يجري داخل جدران وحرم الجمهورية الأسلامية إلا أن الأجهزة الأمنية والحرس الثوري "قمعت" أو أخمدت أو أطفأت أو "عالجت"، بنجاح نسبي، هذه المظاهرات، مع سقوط عشرات القتلى والجرحى، التي كانت تبدو ذاتية وطنية شعبية مطلبية.
مع أن النظام الإيراني يصفها دائما بأنها مشبوهه ومدعومة من الخارخ. وقد إعتقلت الأجهزة الأمنية الإيرانية مشبوها أجنبيا كان مندسّا في المظاهرات يصوّرها ويتدخّل في شؤونها، "تبين لاحقا" وبعد حجزه وإستجوابه بأنه ليس إلا سفير المملكة المتحدة، أي بريطانيا، لدى إيران.
الخروج الشعبي الى الشوارع للمطالبة بتحسين مستوى الحياة أو للإحتجاج على بعض الممارسات الحكومية أو ضد "الفساد" في صفوف ومسامات وأجنحة الدولة لا يعني بالضرورة، ولا يعني أبدا، محاولة إسقاط النظام أو الطعن فيه، أو تبنّي "أجندات" أجنبية معادية.
قال أبو ذر الغفاري، الزاهد أبدا في عيشه وحياته: "والله إنّي لأعجب برجل لا يجد القوت في بيته، ولا يخرج في الناس شاهرا سيفه"!!! "فالجوع كافر" والقمع عاهر والنقد البنّاء عامر والمطالبة بإصلاحات وطنية زاخر وزاهر.
وفي هذا السياق، أعلن مستشار المرشد الأعلى للشؤون العسكرية، الجنرال يحيى صفوي، أن أمريسكا علمت أن الرد على إيران سيضع قواتهم وقواعدهم في خطر، لذلك تراجعوا. حيث قال الجنرال في تصريح له. "عرف الامريكان انهم اذا ردّوا على إيران، فإن الآلآف من قواتهم وقواعدهم ستكون في خطر، لذلك تراجعوا". مضيفا: "أحد الأمور التي دفعت أمريكا للتراجع عن الرد هو رعب ترامب من الحشود التي شيّعت الفريق قاسم سليماني"، حسب وكالة "تسنيم" ، حسب "سبوتنيك".
لا حول ولا قوّة إلا بالله. يبدو انّك يا جنرال "غايب فيلة". نريد أن نذكّرك يا جنرال بأن أمريكا بادرت، و"في ليلة ما فيها ضو قمر"، قتل الأمريكان، بتعليمات مباشرة من الرئيس ترامب، الفريق سليماني وصحبه. خططوا ونفّذوا بصمت وإغتالوا القائد ورفاقه. لم يرف جفن لامريكا ولم يرف جفن للرئيس ترامب عندما قتلوا سليماني. ولم يسألوا عن إيران ولا عن حلفائها ولا عن "محور المقاومة والممانعة" ولا عن الأمة الإسلامية جمعاء ولا عن العالم كلّه من أعلى رأس المحيط المتجمّد الشمالي حتى أخمص قدم المجيط المتجمّد الجنوبي. الأمريكان يتبجّحون عندما يقدمون على "حماقة"، ويتبجّحون بعدها.
أنا لا أرغب ولا يمكن أن أنوي للحظة التقليل من قدرة إيران العسكرية والتسليحية، فإيران وبعد إنهيار الاتحاد السوفييتي إستقدمت خبراء روس في تخصص الصواريخ والذرة والمعدات العسكرية ووفرت لهم رواتب وظروف مشجعة، وعملوا على مدى سنوات. وأعتقد أن إيران تعجّ بشتى أنواع الأسلحة المتقدّمة، لكنني لا زلت أعتقد بان ردها، حتى الآن، على مقتل سليماني ما زال في خانة اللون الرمادي، لم يصل الى المستوى المطلوب. وكان هناك فارق كبير بين التصريحات وبين الأفعال.
كما أن ترامب الذي لم يرف له جفن عندما أعطى التعليمات بقتل سليماني، ويتبجّح في هذه الأيام ويختلق مبرّرات وتفسيرات، فتارة يقول أن سليماني كان يخطط للمس بعسكريين ودبلوماسيين أمريكيين ولهذا وجب قتله. وتارة أخرى يدّعي بأن سليماني كان يقول كلاما سيّئا عن أمريكا ولا يمكن أن يستمروا في سماعة، لهذا قرر ترامب إستهدافه وقتله.
إذا كان الأمر هكذا يا سيادة الجنرال هل من المعقول كما تقول بأن عدم الرد الامريكي على صواريخكم هو "رعب ترامب من الحشود التي شيّعت الفريق قاسم سليماني"!!! لله درّك يا جنرال وهل ستدفعون بملايين المشيّعين الخاشعين الغاضبين على مقتل سليماني للسير مشيا على الأقدام وسباحة حتى أمريكا ومحاصرة البيت الأبيض والبنتاغون وإعتقال الرئيس ترامب وطاقمه ووزير دفاعه وإشباعهم ضربا بعصي الرمّان اللاسعة على مؤخراتهم حتى تتحوّل مؤخراتهم الى مؤخرات "سعادين" بدل مؤخّرات ناس وبشر!!!
في العلوم العسكرية يا جنرال لا علاقة لمظاهرة ولا لجنازة مليونية وطنية داخلية مع دولة أخرى خارج حدودها، لا أمريكا ولا إسرائيل. يمكن أن تبهر الحشود المشاركة في الجنازة الداخل الإيراني ولا تبهر لا أمريكا ولا إسرائيل. مع أنّه ومع الأسف الشديد يا جنرال، وأحزن لقول هذا، فقد قتل حوالي ثمانين مواطنا إيرانيا بريئا من جرّاء التدافع في هذه الجنازة . هل نذكرهم أيضا كتحدّي للولايات المتحدة، الشيطان الأكبر.
لا نريد تصريحات ولا تطمينات ولا تهديدات ولا تأجيل أجندات، أيّها الجنرال، إنّما نريد أفعالا وبصمت. إذا فعلتم فسنصفّق لكم، وإذا إستمرّيتم في أسلوب "عنزة ولو طارت"، فسننتقدكم ونزيد في أنتقادكم.