الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

بيت لحم بين فيروس كورونا وصفقة القرن .. خفافيش الكهف وخفافيش ترامب

نشر بتاريخ: 26/01/2020 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:09 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

بينما ينتظر الجميع البيت الأبيض أن يطرح صفقة القرن ، هبط علينا فيروس كورونا كالصاعقة . ورغم جدار شارون الذي يحاصرها إلا أن بيت لحم مدينة مفتوحة للأجانب ويأتيها الاف السياح من جميع القارات كل يوم . ولمزيد من الإثارة وصلت وفود السياحة من الصين هذه الايام حيث نزل 39 سائحا صينيا على بعد أمتار من مقر وكالة معا . وينام في المدينة نحو 4000 سائح كل ليلة .
في ساعات الصباح كنت تنظر الى الزملاء والزميلات في معا يغطون وجوهم ويقطعون الشارع بحذر خشية من فيروس كورونا ، كان المشهد محزنا وساخرا في ذات الوقت . ولمزيد من الإثارة تم نقل أحدى السائحات الشابات الى مستشفى بيت جالا بشبهة الفيروس ، ورغم ان الجهات الرسمية لم تعلن ذلك الا أن الاعلام العبري نشرها على الفور . فانتشر الخبر وسط سكان بيت لحم عن طريق الهمسات والنظرات والعبرات والاّهات ونام السكان على لحن أغنية سكابا يا دموع العين سكايا بينما لم يغمض للمسؤولين جفن . وما أن طلع الفجر حتى جاءت نتيجة الفحوصات مطمئنة وزالت الغمة وانفرجت الأسارير .

ظهور هذا الوباء يعد درسا هاما لشعوب المنطقة ، حيث ينكشف مرة أخرى وأخرى عجز التعامل مع أي كارثة . وبإستثناء نقل الأخبار والإشاعات والتكتم وعدم قول الحقيقة ،فان دول المنطقة كلها لا تملك حلولا سريعة لأي طارئ .. وعلى رأس هذه الحكومات ، حكومة الاحتلال التي تتعامل مع فيروس كورونا على أنه " عملية " ولريما فكّر الكابينيت الاسرائيلي بارسال طائرات نفاثة لقصف الفيروس ، أو ارسال المستعربين لاغتياله !!!

في الصين ظهر الوباء ، فقامت الصين بادهاش العالم مرة أخرى من خلال سلوكها وكيف تنجح الصين في ضبط سلوك مليار ونصف مليار مواطن بكل يسر من خلال الحكم الرشيد والإيمان بالعلم :
- الشعب الصيني شعب صامت وهادئ ويواجه المشاكل بالحلول والأبحاث العلمية وليس بالصراخ والمقالات والبرامج الفضائية التي تملأ الدنيا صخبا وجنونا دون فائدة .
- تم حظر التجوال في العديد من المدن ( أقل هذه المدن عددا تصل نحو 12 مليون نسمة ) . وعلى الفور التزم الصينيون بالاوامر وأغلقت المطارات وتوقفت السيارات والتزم الصينيون في شققهم وبناياتهم واغلقوا النوافذ وقد أعدوا طعاما يكفي لاسبوعين .
- لم نسمع عن معارضة صينية تستغل الوباء وتخرج للصراخ والنعيق وتحرّض السكان على خرق حظر التجوال .
- في غضون أيام أقام الصينيون أكبر مستشفى على بعد 9 كم من أول تجمع سكني وتم تجهيز المشفى بالمعدات والمختبرات والأطباء وطواقم التمريض ، وبدأ العلماء الصينيون فورا على ايجاد علاج ولم ينتظروا منظمة الصحة العالمية أن ترسل لهم العلاج .
- الحكومة الصينية كانت صادقة في كل كلمة ، ولم تتعامل مع الأمر على أنه سرا عسكريا ، وبشهادة جميع المنظمات الدولية أن الصينيين شعب صادق ولا يخلط بين الكوارث والمواقف الإنسانية مثلما يفعل البيت الابيض .
- المدن والتجمعات السكانية تنقسم الى أحياء ، وكل حي من هذه الاحياء يتكون من عدة ملايين من السكان وله مسؤول مباشر . ويستطيع السكان الاتصال بمكتب الحي 24 ساعة في اليوم والحصول على أية خدمة يحتاجونها من دون واسطة ومن دون أن يضطر المواطن الصيني أن يقول أنا فلان أو قريب فلان أو أنه من هذا الحزب أو ذاك . وفي حال وجود أي تقصير يتم تقديم مسؤول الحي للمحاكمة وقد تصل العقوبة الى الاعدام .
- من لا يجد طعاما في منزله خلال حظر التجوال ، يتصل بمكتب الحي فتقوم شركة التوصيل الحكومية بإرسال الطعام المناسب واللذيذ للعائلة ما يكفي لمدة أسبوعين ويقوم عمال التوصيل بقرع الجرس وترك الطعام أمام الباب والمغادرة ، وتأخذ الاسرة طعامها مجانا دون أن تضطر للشرح او التفسير أو أن يقسم رب المزل مئات الأيمان الغليظة أنه لا يملك الطعام .. فالأساس هو السلوك الصادق ومن يثبت العبث والسلوك العشوائي في مثل هذه الحالات ينل عقابا لا يمكن أن يتخيله .
- أصحاب المركبات والمسافرين لا يحاولون إختراق حظر التجول والبحث عن طرق التفافية . ولا تجد في الشوارع غير المتطوّعين " . الذين تطوّعوا بأرواحهم لنجدة المجتمع ، أطباء تطوّعوا وممرضات وباحثين وباحثات يطلبون الإذن من لجنة الحي للخروج وإنقاذ وطنهم وشعبهم .
لا يوجد من يشكك بالرواية الرسمية في مثل هذه الحالات ، وينصت أهل الصين بكل ثقة للتوجيهات الطبية ، ولن تجد صيني يهرب الى قناة فضائية مجاورة ويسرد رواية مختلفة . بل عمل الاعلام الصيني كخلية نحل من أجل انقاذ الصين والبشرية من هذا الوباء .
- سلوك الصين كدولة وحكومة وشعب ولحنة حي ومواطن ينسجم مع رواية واحدة وراقية وهي ( وقف الوباء وإنقاذ الارواح ) . وحين حاولت دول مغرورة تعتقد نفسها أفضل من الصين طلب إجلاء رعاياها فورا ومغادرة الصين . لم تنظر الصين في طلب هذه الدول ورمته في سلة النفايات 
- بدلا من أن تسارع امريكا لاسال علمائها الى الصين فورا .  فقد طلبت أمريكا  إجلاء عشرات الدبلوماسيين الأمريكان من الصين ، وهي خطوة غبية قد تنقل الفيروس الى القارة الامريكية كلها .
- الصين خسرت عشرات الأرواح ومئات مليارات الدولارات في هذه الكارثة ، ولم نسمع رئيس الصين أو المخابرات الصينية او الجيش والأمن يتحدثون عن مؤامرة أو عن تقارير سرية لإستهداف الصين . بل شاهدنا كيف قررت الصين ونفذت البحث عن علاج .. حتى الحصول عليه .
- إسرائيل تفتش عن الفيروس بعقلية البحث عن مطلوبين تحاول إغتيالهم وتثبت أنها لا يمكن ان تبحث سوى عن سلامة نفسها وسلامة اليهود فقط باعتبارها كيان عنصري لا يرقى لمستوى الانسانية . وأمريكا تتصرف بإعتبار ان المعركة بين ترامب وبين الفيروس شخصيا .

بالمناسبة .. السياح الصينيين في بيت لحم مرحّب بهم دوما وفي كل يوم . وهم من أكثر قوافل السياح أدبا وأخلاقا وكرما وإحتراما لبيت لحم ومقدساتها الدينية .