الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

العُقم الوظيفي وخُدَّجْ البطالة ... (إلى حين)؟!

نشر بتاريخ: 13/02/2020 ( آخر تحديث: 13/02/2020 الساعة: 13:39 )

الكاتب: صخر سالم المحاريق

أن يكون قادراً على تحمل ضغط العمل أو العمل لساعات طويلة، أن لا يقل عمر المتقدم عن سن كذا، أن يكون لدى المتقدم خبرة 10 سنوات أو أكثر، أن يكون صاحب/ة مظهر جذاب، أن يكون ريادي، أن يكون مبدع ... إلخ، كلمات نُشاهدها ونسمع بها يومياً في الإعلانات الوظيفية )العامة والخاصة(، فهل تَّليق هذه الكلمات بالغايةِ، والمقصدِ، والهدفِ الذي أُعدت لأجله حقيقيةً؟؟
جيشٌ عرمرم من العاطلين عن العمل، مُضاف إليه مئات الألوف من طلبات التوظيف (الإلكترونية و المُوَّرقة)، والتي تكاد بأن تُقدم ساعياً، بحيثْ لا يخلو تَخصص أو مُتخصص، إلا وأضحى رقماً في حضانة "خُّداج البطالة" مجازاً في وصفها، وأما نسبة البطالة ذاتها فقد "بلغت الحلقوم"، وذلك في قطاع الخريجين وبنسبة تجاوزت (53%)، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2017، ناهيك عن حُكم الإعدام والصادر مُسبقاً بحق الكثير من التخصصات التقليدية، إضافة لبعضٍ من المستحدثة، كتلك الفاقدة للمحتوى وللتشغيل في أصل نشأتها، كونها بعيدة النيل بالمُنى في بلاد غيرها فكيف الأمر في بلادنا نحن، والتي تتطلب طريقة واحدةً فقط ؟! ألا وهي تأشيرة "شنغن"، إلى كلٍ من ألمانيا أو فرنسا .. أو شهادة ( TOEFLوIELTS) متبوعة برصيدٍ بنكي، لأجل الهجرة والترحال لمناطق قد نأت بنفسها وبناسها بعيداً عن هذا العالم كنيوزيلاند وأستراليا وغيرها.
كُلنا يَعلمُ عِلْمَّ اليقين بأن دول العالم الأول هي من يُصدر (الخبرات)، والتي ذاع صيتها في بلادها، على النقيض من بلادنا العربية، والتي تُصدر يومياً قوافل (الخريجين)، وكأنهن أعجازُ نخل خاوية العروش، برسم الشهادات العلمية لا شهادات الوفاة، والذين ملوا البحث طلباً في إيجادهم لعمل ما، ويستجدون يومياً من يمدهم بطوق النجاة، أما الباقيات الصالحات فهي لوعة الحسرة بعين الناظرين للمستقبل! وبمرارة لقمة العيش لدى (خداج البطالة) إن صح التعبير عنهم من أبنائنا ... إلى حين؟!
• إلى حين ... نُدرك فيه أن سياساتنا التعليمية في مُختلف مراحلها، لن ينفعها تخطيط أُحادي الجانب والخلية، فالتخطيط ليس بالعملية التَقَوْقُعِيَةِ، وإنما هو عملية تَشاطُرية وتَشاركية بين أركانه، بحيث نَنَظر في تَصميمه وصِياغته إلى داخل صناديق مجتمعاتنا المُقفلة، قبل التفكير فيما هو خارج تلك الصناديق، أو حتى فيما هو خارج الكوكب عند البعض مع الأسف!!.
• إلى حين ... تَعي فيه "مؤسسات التعليم العالي"، أنها من تَّرود سوق العمل وتقوده وليس العكس، وأن الكثير من التخصصات يجب أن تُنظم وتُقيم في جدواها ومنفعتها المُجتمعية أو تُغلق حتى البته، كتلك التقليدية أو بعض من (المُشتقة أو الاشتقاقية)، والتي تُعطى في هيئة حقول وتفرعات، لا تُجدي نفعاً كتخصصاتٍ أساسيةٍ يمكن أن يُبنى عليها للتشغيل في المستقبل.
• إلى حين ... نُدرك فيه أن سوقنا الفلسطيني ليس بِمشبعْ ب (العمالة الماهرة)، وأقولها بملء الفم وبشهادة أرباب العمل أنفسهم، وذلك فيما يُجّدون من طلبٍ وعناءٍ في البحث عن عمالة ماهرة، ولا يجدون لها سبيلاً، رُغم فوضى التوظيف العارمة والتي نشهدها.
• إلى حين ... نعي فيه حقيقة: “أن طلبتنا هم المتخمون بمساقاتٍ ومواد دراسية بعيدة كل البعد عن مفهوم التخصصية الدقيقة"، وهذه فجوة تحدث عنها مُختصينَ ومسؤولينَ وخبراءْ، وأقتبس قبساً في القول من السيدة "عُلا عوض" مديرة جهاز الاحصاء الفلسطيني، في كلمتها الصادرة عام 2017 حين قالت: “إن ما أود التركيز عليه هنا هو حجم الفجوة التي تتفاقم يوماً بعد يوم، بين مخرجات نظام التعليم الفلسطيني، واحتياجات سوق العمل المحلي الفعلية”.
• حتى ... نتفهم (كمجتمع)، مجتمعين بكافة لبناته "ثقافةً عامةً"، عنوانها: أن التقييم الأساسي والأهم للالتحاق باختصاص ما، يَكّْمُنُ في جوهره "بالهواية والاهتمام"، فهما السبيل الوحيد والذي يقود إلى الإبداع، والتميز، والميزات التنافسية والتي تخلق البدائل والحاجات.
• حتى ... يتنازل المُشغلون عن تلك الكلمات (العنكبوتية والوظيفية الواهية)، والتي تثير في تكرارها وتداولها الاشمئزاز والاحباط نفسياً، لجمهور الخريجين قُبَيْلَ التحاقهم بوظائفهم، والتي لم ولن يَّردُ ذكرها في أيٍ من قواميس إدارة الموارد البشرية أو القوى العاملة مُطلقاً، إضافة لسوء "الوصف والمواصفات" الوظيفة لشاغري الوظائف المختلفة.
نَعمْ إن العلمَ والتَّعلمَ سلاح الشعوب، نعم إنه "حقْ للجميع" تكفله الشرائع الإلهية والوضعية، ولكن هذا الحق يَّجِبُ أن لا يكون بنفس القدر والمستوى، أي صحيح هو حق سواء للجميع، ولكنه حق موزعٌ بعدالة، ووفق حاجة، ورغبة منا واقتدار، فليس من الضروري أن نكون كلنا أطباء أو محامين أو مترجمين أو معلمين بلا عمل ...، ابحث عزيزي الطالب عن هوايتك واهتمامك أولاً، ثم ثق بها، وأترك بصمتك شاء من شاء وأبى من أبى.
إن طلبة العلمَ والتَّعلمَ هم رمزنا وهم أمانةٌ في أعناقنا، هم ليسوا بضريبة للجباية والجلب أينما مكان، فهم خُلقوا على تراب هذا الوطن ولأجل البقاء فيه وإعماره، هُمْ جيل المستقبل الواعد، وهم سلاح هذا الشعب نحو التحرر والاستقلال، وبناء دولتنا الفلسطينية المنشودة ومؤسساتها قاطبة، فهم محركها بعقولهم وإبداعاتهم، وهم رواد التنمية، وسبيلها الأول والآخر ... فلا تطلبوا منهم المستحيل بل امنحوهم إياه ... فهم الضوء في نهاية هذا "النفق المظلم"، وبهم وبهمتهم بداية المسير وكذلك نهايته.