الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

صفقة القرن وازدياد تعمق ازمة الثقة بين الشعب الفلسطيني وقيادته

نشر بتاريخ: 24/02/2020 ( آخر تحديث: 24/02/2020 الساعة: 10:46 )

الكاتب: اكرم عطاالله العيسة

وبعد ان تم الاعلان عن صفقة القرن والتى ظهرت لتؤكد الكثير من الحقائق التي كانت كلا من الولايات المتحدة الامريكية ودولة الاحتلال قد بدأت بتطبيقها منذ وصول ترامب الى سدة الحكم بدءا من الاعتراف بهضبة الجولان السورية كجزءا من دولة اسرائيل وليست اراضي محتلة مرورا بالضغط الهائل من قبل امريكا على المجتمع الدولي من اجل تقليص دور وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين "الانوروا" وصولا الى اعتراف الولايات المحدة بان القدس الموحدة عاصمة لاسرائيل.
لقد صيغت الخطة الامريكيه بشكل يتجاهل تقريبا كل القرارات الدولية الصادره عن الامم المتحدة وهي التي لم تنصف فلسطين ومع ذلك اعتبرتها الولايات المتحدة متحيزة للطرف الفلسطيني ، كما ان اللغة التي تمت صياغة الخطة بها مليئة بالمذله والمهانه بحق الفلسطينيين وحقوقهم التاريخة، فهي لا تسلبهم ارضهم وكينونتهم السياسية فقط بل تكاد ان تحولهم الى جواسيس وعبيد لدولة الاحتلال.
كان الاعتقاد لدى البعض ان يمثل الاعلان عن صفقة القرن والذي تم في الثامن والعشرون من كانون الثاني الماضي بداية لتغيرات جوهرية في مجمل النشاط والنظام والاداء السياسي الفلسطيني خاصة ان هنالك مجموعه من القرارت التي صدرت عن المجلس المركزي في كانون الثاني عام 2018وعقب الاعتراف الامريكي بسيادة اسرائيل على مدينة القدس واعتبارها عاصمة موحدة لها، والتي اوصت بوقف الاتفاقيات والتنسيق الامني مع دولة الاحتلال، الا ان تلك القرارات لم تنفذ من قبل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولم تنفذ حتى بعد الاعلان الرسمي لصفقة القرن.
لا يمكن القول ابدا ان الفلسطينيين لم يرفضوا صفقة القرن ، تقريبا كل القيادات الفلسطينية قالت لا لصفقة القرن والرئيس الفلسطيني اعلن موقفه واضحا عبر خطابه في جامعة الدول العربية وخطابه في الامم المتحدة في الحادي عشر من شهر شباط 2020، كذلك خرج آلآف الفلسطينيين في بعض شوارع مدن الضفة الغربية وقطاع غزة منددين بصفقة القرن، ولكن السؤال هل كان الموقف الفلسطيني بحجم خطورة الصفقة على القضية الفلسطينيه، الموقف الفلسطيني الرسمي لم يستطع ان يحقق حاله من الالتفاف الجماهيري ذات الفعل المستمر على الارض والرافض لصفقة القرن ولم يتعدى ذلك الا خروج الالآف من الفلسطينيين في رام الله وغزة يوم خطاب الرئيس محمود عباس في الامم المتحدة ، ولم تتكرر تلك المشاهد الحاشدة لاحقا، طبعا انا لا اتحدث هنا عن الفعل المستمر للعشرات واحيانا المئات من نشطاء المقاومة الشعبية والذين هم في فعل مستمر على الارض في الكثير من المواقع الفلسطينية خاصة الساخنه منها.
ان الضعف الحاصل في الموقف الشعبي الفلسطيني ومحدودية حركته في مواجهة صفقة القرن والتي تعتبر الاخطر على القضية الفلسطينية لكونها تنفذ على ارض الواقع يدفعنا للتساؤل حول الاسباب والعوامل التي ربما ادت لان يكون الموقف والرد الشعبي شبه لا مبالي، خاصة اذا ما نحينا جانبا المظاهرات الحاشدة التي تحدثنا عنها اعلاه وكانت ليوم او اثنين او ثلاثة وفي اماكن محدودة، ببساطة ان ذلك قد يعبر عن حقيقيتين متداخلتين، اما ان تكون القوى الفلسطينية والقياده الفلسطينية غير ممتلكة لبرنامج واضح لمواجهة صفة القرن او ان الجماهير الفلسطينية لم تعد تثق الى درجة كبيره بقيادتها وبالتالي فان الدعوات المطالبة بالحركة والفعل الجماهيري لمواجهة صفقة القرن لم تحرك الجماهير الفلسطيني ، فحسب استطلاعات الرأئ التي ينفذها اكثر من مركز ابحاث فلسطيني فان ازمة عدم الثقة في عملية تصاعدية فبينما كانت قبل خمسة اعوام تتراوح ما بين 28% الى 35% ارتفعت نسبة المستطلعة ارائهم ولا يثقون بالقيادات السياسية وقرارتها وجدية تنفيذها الى نسب غير معهودة في الارتفاع" انظر استطلاعات مركز القدس للاعلام والاتصالات وكذلك المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحيه ".
تعود ازمة الثقة التي نتحدث عنها والتي عكست نفسها على الشعب الفلسطيني وبرودة الرد على صفقة القرن الى جملة من الاسباب التي تمثل عوامل بنوية في النظام السياسي الفلسطينيني من جهة، فالانتخابات الفلسطينيه التشريعية والرئاسيه لم تجري منذ اكثر من 15 عاما، ولا توجد مؤشرات الى عقدها قريبا خاصة انه لم يتم اصدار مرسوم رئاسي بذلك. والانقسام على حاله فلم تعد قطاعات كبيره من الشعب الفلسطيني مقتنعه بالمبررات التي تساق من قبل القوى الاساسية للانقسام حركتي فتح وحماس كاسباب لاستمرار الانقسام الفلسطيني، اما الجديه في مواجهة دولة الاحتلال وايقاف العمل بالاتفاقيات المنبثقة عن اتفاقية اوسلوا فبات امرا مشكوكا فيه على الصعيد الشعبي خاصة ان هنالك قرارت قد تم اتخاذها من قبل المجلس المركزي والمجلس الوطني منذ عامين ولم تتحول الى واقع تنفيذي.
وبالمقابل فان هنالك قضايا اخرى اقتصادية واجتماعية وادارية زادت من حالة التشكك والثقة بالمؤسسات الرسمية الفلسطينية، امثلة ذلك عديدة – ازمة اموال المقاصة مع دولة الاحتلال والتي لم تعرف الالية التي قامت السلطة الفلسطينة بحلها خاصة انها رفعت شعار لا لاستلام اموال المقاصة منقوصة وبعد ذلك عادت واستلمتها منقوصة – ازمة شركات الكهرباء في الضفة الغربية والقدس والانقطاعات المتكرره والديون– قضية استيراد العجول والمنتجات الزراعية من دولة الاحتلال بالاضافة الى موضوع الفساد الذي يكاد يمثل حالة تندر يومية للمواطن الفلسطيني بغض النظر حجم انتشاره .
ان حالة التراجع الدولي والعربي عن مواقفهم اتجاه القضية الفلسطينية تدفع المواطن الفلسطيني للتساؤل، لماذا كل هذا الانزلاق في المواقف العربية والتي باتت تتسابق للتطبيع الاقتصادي والسياحي وعقد الاتفاقيات مع دولة الاحتلال حتى ان دولة البحرين احتضنت مؤتمر الشق الاقتصادي لصفقة البحرين، ولهذا فان تساؤل المواطن الفلسطيني مفاده هو هل الامر متعلق بحالة الانحدار والتفكك والانشغال بقضايا اخرى في العالم العربي فقط ام انه مرتبط بالاداء الفلسطيني لدفة الصراع مع دولة الاحتلال وعدم احداث تغيير على النهج الحالي القاضي باعتماد المفاوضات والعمل الدبلوماسي؟ واما على الصعيد الدولي فان المواطن الفلسطيني يتساءل عن مستوى فاعلية وآداء السفارات والممثليات الفلسطينية المنتشره على مستوى قارات العالم جميعها، خاصة ان هنالك حالة تراجع ملموسة في الموقف الاوروبي من الحقوق الفلسطينية واليات تحقيقها فعليا، حتى ان بعض الفلسطينيين قد بدأ بالتساؤل حول حول مدى اهمية استمرارية استجداء المجتمع الدولي والذي اصدرت الامم المتحدة نيابة عنه اكثر من 175 قرارا متعلقا بالقضية الفلسطينية ولم ينفذ اي قرار منها، طالما انه غير مدعوم بتغيير نوعي في فعل الفلسطينيين وقيادتهم على الارض الفلسطينيه وشكل الصراع مع المحتل والذي اعتقد انه مربط الفرس كما يقول المثل العربي.