بيت لحم - معا - سمعت أجيال فلسطينية وإسرائيلية عديدة بكلمة "الفهد الأسود" كتفاعل من تفاعلات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعبر تشكيل خلايا مسلحة تابعة لحركة فتح حملت خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى هذا الاسم، وانتشرت تحديدا في مناطق شمال الضفة الغربية عموما ومنطقة "نابلس" خصوصا.
وسجل أعضاء هذه الخلايا مآثرا نضالية جليلة حُفرت عميقا في الوعي والذاكرة الجماعية والجمعية الفلسطينية ودخلوا سِفر التاريخ النضالي الفلسطيني من بوابة الكفاح المسلح مختارين لأنفسهم الاسم الذي بات صفة ملازمة لهم وللفترة التاريخية التي عاشوها ومثلوها.
لكن هل هناك مع يتذكر "الفهود السود" -"اليهودية" التي شكلها مهاجرون من دول عربية في معظمهم قدموا فلسطين التاريخية عبر موجات الهجرة التي جاءت بيهود المغرب احتجاجا على التمييز العنصري ضدهم وتفضيل يهود أوروبا عليهم؟.
مقدمة كان لا بد منها بهدف توضيح التشابه بالأسماء وليس من باب المقارنة أو المقاربة بين الحركتين أو الاسمين، لان مثل هذه المقارنة غير واردة على الإطلاق...فالفهد الأسود الفتحاوي يقاتل ضمن معركة وطنية شاملة لتحرير الارض والإنسان من الاحتلال فيما مثلت حركة "الفهود السود" اليهودية صرخة احتجاج اجتماعية كادت أن تتحول إلى حركة عصيان مسلح ضد منظومة الحكم الإسرائيلية احتجاجا على عنصرية ميزت هذه المنظومة ولا زالت تنخر عظامها حتى يومنا هذا أعادت احتجاجات يهود اثيوبيا -التي شهدتها مؤخرا القدس وتل ابيب وحيفا وشوارع عديدة في إسرائيل وسال فيها الدم واعتقل العشرات- ذكريات تتحدث عن بدايات مماثلة هزت في حينه المجتمع الإسرائيلي وكادت ان تتحول إلى حرب مسلحة بين اليهود من أصول "عربية" واليهود من أصول غربية انها حركة "الفهود السود".
ونجح هؤلاء الأشخاص بطرح "جائحة" الفقر والفجوة بين الفقراء والأثرياء والعلاقات الطائفية في اسرائيل ونجحوا بتجنيد جمهور واسع يؤمن بحركتهم ومقتنع بقدرتها على تحسين الوضع ونجحوا ايضا بتجنيد أوساط إعلامية مثل الصحفيين باروخ ندل، حايم غوري، عاموس كينون الذي عملوا على رفع وزيادة الوعي حول هذا النضال والصراع الذي تخضه الحركة.
ومنح "رؤفين افرجيل" لحركة اسمها تيمنا بالحركة الاحتجاجية الأمريكية السوداء التي تحمل نفس الاسم وذلك بعد موافقة رئيس الحركة الأمريكية "انجيلا ديفيس" التي التقت مع "افرجيل".
وانضم فيما بعد لقيادة الحركة، ادي ملكا، يعقوب البز، الذي اتضح فيما بعد بأنه كان عميلا زرعته الشرطة الإسرائيلية داخل حركة "الفهود السود"، فيكتور الوش، متتيتياهو اوليئيل، داني سعيل.
وأجبرت هذه المظاهرة العنيفة حكومة إسرائيل على إبداء الجدية التامة خلال نقاشها لمطالب "الفهود السود" وأقامت لجنة عامة للبحث عن حلول لمشاكلهم والأزمات الاجتماعية التي يعيشها يهود الدول العربية والإسلامية الذين هاجروا لإسرائيل ليواجهوا بعنصرية رسمية وشعبية "غربية".
ومع الأيام تحولت الحركة الاحتجاجية إلى حركة سياسية وخاضت الحركة انتخابات الكنيست الثامنة التي جرت عام 1973 كحركة سياسية ووصلت إلى حدود نسبة الحسم 1% حيث حصلت الحركة على 13332 صوتا تمثل 0:9% من مجموع الأصوات .
وشهدت حركة "الفهود السود" بعد هذه الانتخابات الكثير من الصراعات الداخلية التي تسبب بانشقاقها وتشرذمها حيث التحق زعماء الحركة إلى جزء يساري متطرف من الحزب الشيوعي والى نشطاء فلسطينيين أيضا الأمر الذي أدى إلى انسحاب "يعقوب البز" الذي كان في ماضيه مقاتلا في حركة "الليحي" وبهذا الانسحاب انتهى عمليا فصل النضال الجماهيري لحركة "الفهود السود" التي اندمج بعض قادتها في النشاطات السياسية المحلية محاولين عبر هذه النشاطات تحقيق مطالبهم الاجتماعية.
وشهدت الحركة وفقا للمصادر التاريخية الإسرائيلي نقاشات حادة بين معسكرين أو اتجاهين الأول يدعو لمواصلة النضال الجماهيري فيما استعد الثاني الى "تبني الكفاح المسلح" لتحقيق المطالب الاجتماعية تغيير قواعد اللعبة لكن هذا النقاش انتهى سريعا دون ان تظهر نتائجه على ميدان الفعل اليومي على الأقل.
وعلى أبواب انتخابات عام 1977 انضمت "سعدية مريتسيانو" إلى معسكر "شلي" وهو الاختصار للحركة التي حملت اسم "معسكر السلام لإسرائيل" وهي حركة يسارية وفعلا انتخابات للكنيست عبر ترشيحها على قوائم هذه الحركة فيما فضل الزعيم الأشهر للحركة "تشارلي بيتون" إقامة فرع لحركة الفهود السود بالتعاون مع الحزب الشيوعي الإسرائيلي "ركاح" ونتج عن هذا " التحالف "حزب" حداش" وانتخبا "بيتون" للكنيست ممثلا عن حزب "حداش" وبقي ضمن قوام أعضاء الكنيست حتى عام 1992.
وبعد مرور أربعين عاما على حرجة الاحتجاج اليهودية الشرقية "الفهود السود" وتحديدا عام 2011 تقرر تسمية زقاقين في حي المصراررة بأسماء تخلد هذه الحركة الأول "طريق الفهود السود" والثاني حمل اسم "زقاق غير اللطيفين".
اعداد: فؤاد اللحام