الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

شدوا الاحزمة .. دخلنا مرحلة " الاستنزاف "

نشر بتاريخ: 03/10/2015 ( آخر تحديث: 03/10/2015 الساعة: 16:38 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

التغيير القائم في الواقع الراهن لم يعد منوطا بقرارات المجلس المركزي وبرلمان المجلس الوطني، وانما العكس. حيث ان التشدد الاخير في مواقف المجلسين المركزي والوطني هما ثمرة الغضب الشعبي المستعر منذ احرق ارهابيون يهود الطفل محمد ابو خضير ووقع العدوان على اهلنا في غزة، وقد كانت ردة فعل الضفة الغربية على الحرب الهمجية التي شنتها اسرائيل على غزة، غاضبة جدا ووحدت الارادة والضمير والخطاب السياسي، ومع كل بناية اسقطتها الصواريخ الاسرائيلية في السجاعية كانت تسقط قناعة الحوار والمفاوضات مع اسرائيل، واثبت الشعب الفلسطيني لنفسه وامام اصدقائه انه لن يقبل بالظلم الذي تمارسه اسرائيل على الاشقاء في القطاع، والعكس صحيح. فقد تفاعلت غزة مع القدس ونضالات الضفة الغربية بطريقة ثورية صادقة وتفجّرت ينابيع الانتماء من صدور المواطنين، فلم تعد رهنا بشعارات الاحزاب ولا خطابات المسؤولين وحساباتهم الحزبية.

اليوم نستطيع ان نعلن انه انتهى عصر اوسلو، مرة والى الابد. وكلما زادت حكومة نتانياهو من عقوباتها على الناس ازدادت الرغبة لديهم في التحدي، وحين اعلن نتانياهو وزبانيته انهم سيحكمون بالسجن عشر سنوات على كل طفل يرشق الحجارة، ارتفعت حوادث رشق الحجارة بأرقام خيالية، وكلما هدّدت اسرائيل بفرض الحواجز والعقوبات كلما تعطّش الناس للتمرد والعصيان المدني اكثر وأكثر.

ولم يعد سرا ان القيادة الفلسطينية تدرس كل الاحتمالات، وبينها احتمال اندلاع انتفاضة شعبية، او انتفاضة مسلحة، او عصيان مدني، او ثورة عارمة، او حل السلطة، والغريب ان حكومة اسرائيل- ومن حيث لا تدري- تسرّع الامر وتسهله على "الصقور" في القيادة وتكسر أجنحة "الحمائم" التي لا تزال تؤمن بالسلام والمفاوضات، وان التصريحات التي أطلقها مؤخرا رئيس الادارة المدنية بولي مردخاي ومعه العديد من وزراء حكومته والتي تستهين بالسلطة وتحتقر القرار الوطني الفلسطيني لا تفيد اسرائيل بشئ وانما تسرّع في حسم خيارات المواجهة بشكل أسهل.

معظم قادة الشعب الفلسطيني جاءوا من خلفية تنظيمية أو عسكرية، ومن لم يخدم في صفوف الثورة كمقاتل في جيش عرفات، خدم في العمل السرّي والتنظيمي في الارض المحتلة، وبدأ حياته في زنازين سجون الجنيد ونفحة وعسقلان والنقب، وتعرف القيادة الفلسطينية تماما ومن جميع الفصائل الوطنية ان التهديد لا يزيد الناس الا عنادا وتحديا. وان اي فعل اسرائيلي لن يخيف الفلسطينيين وانما سيعمل على تقصير فترة التردد والتفكير ويحسم الامر لصالح المواجهة.

وحول الرئيس عباس تياران كبيران وقويان، تيار "المجانين" الذي يدعوه ليل نهار الى حل السلطة وتفجير الثورة من جديد ضد المستوطنين، وتيار "التكنوقراط" الذي يدعوه للتريث ومنح المفاوضات فرصة اخرى. والغريب ان اسرائيل لا تمنح القيادة الفرصة للاخيار، فكلما هدّدت اسرائيل أكثر وكلما نفذت تهديداتها برعة. كلما كان التيار الداعي للمفاوضات أضعف واقل اقناعا. 

الان دخلنا مرحلة الاشتباكية، وكل شئ كانت اسرائيل تعتقد انه امر بديهي وسهل، لم يعد كذلك... وكلما قتلت اسرائيل أكثر وكلما قمعت أكثر، فانها تحسم الامر بشكل أسرع، ومرة اخرى على نتانياهو ان يختار: طريقة نلسون مانديلا او طريقة ياسر عرفات.