نشر بتاريخ: 18/01/2016 ( آخر تحديث: 18/01/2016 الساعة: 11:38 )
الكاتب: فردوس عبد ربه العيسى
احمد طفل فلسطيني يبلغ من العمر 13 عاما ، اعتقل بتاريخ 12102015 بعد ان اتهم بمحاولة طعن اسرائيلي في القدس المحتله. في ذلك اليوم خرج احمد برفقة صديقه وابن عمه حسين كعادتهما، فهما قد تعودا منذ الصغر على قضاء اوقاتهما معا. لم يكن هذا اليوم مختلفا في بدايته عن غيره من الايام السابقة، لم يخطر ببالهما ان هذا اليوم سيشكل منعطفا لا رجعة فيه لحياتهما وحياه اسرتهما وكل من عرفهما، فقد استشهد حسين في هذا اليوم وبالتالي وضع الاحتلال حدا لحياته ولفرحة مرافقة صديقه. أما احمد فقد اتخذت حياته بداية اتجاه مختلف ، فقد تعرض للدهس والضرب والاعتقال والاعتداء والاهانة والتعنيف من قبل المستوطنين ومن قبل الشرطة الاسرايئيلة وترك ينزف طالبا المساعدة دون مجيب. لاحقا نقل احمد مكبل اليدين الى مستشفى اسرائيلي للعلاج.
وهنا قد يخطر للقارىء فكرة ان احمد في ايدي امينة وانه يتلقى العلاج في مشفى اسرائيلي ذو الخدمات الجيدة والمعاملة الانسانية التي لا تميز على خلفية العرق او الدين او الجنس. ولكن وللاسف ليس هذا حقيقة ما حصل فقد تم تحويل احمد للتحقيق على ايدي رجال الامن الاسرائيلي التي بدورها استكملت اساءة المعاملة والتعذيب والتعنيف وبدا ذلك واضحا من خلال شريط الفيدو الذي نشر حول جلسة التحقيق التي استمرت لمدة اربع ساعات.
اسرائيل باعتقالها للطفل احمد مناصرة وما تمارسه من انتهاكات بحقه ما هو الا انتهاك لحقوق الأطفال الأسرى. يخالف القوانين الدولية واتفاقيات حقوق الطفل، فالمادة 16 تنص: "لا يجوز أن يجري أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة، أو أسرته أو منزله أو مراسلاته ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته" وتنص أيضاً على "للطفل الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أو المساس". كما وتخالف اسرائيل المواثيق في اعتقالها للاطفال الفلسطينين وتقديمهم للمحاكمات فهي لا يتراعي حداثة سنهم وتعتقلهم بالاستناد الى قرارات الجهاز القضائي الإسرائيلي القائم على الأمر العسكري رقم (132)، الذي يحدد سن الطفل بمن هو دون السادسة عشر عاما، وهذا فيه مخالفة واضحة لاتفاقية الطفل والتي عرفت الطفل بأنه "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر" .
الطفل الاسرائيلي:
وبالمقارنة مع القوانين الاسرائيلية الخاصة بالطفل الاسرائيلي سواء القوانين الدينية او القوانين المدنية، يتضح وبشكل سافر الازدواجية في المعايير فالطفل الاسرائيلي حسب الديانة اليهودية ببلوغه من العمر او 13-14 عاما يعتبر بداية الانطلاق للحياة فيحصل على التقدير والاحترام لقدراته ولشخصه ، بل ويصبح ״بار متسفاة״ اي بالغا ويطلب منه القيام بالواجبات الدينية كالصيام وصيام يوم الغفران ، وترتيل التوراة امام جماعة من المصلين وبالتالي يصل الى مرحلة الاعتراف المجتمعي به وتقام بهذه المناسبة شعائر واحتفالات خاصة.
اما القوانين المدنية الاسرائيلية ، قتمنح الطفل الاسرائيلي مزيدا من الرفاهية، فهو يتمتع بكافة حقوقه ويعتبر محميا من كافة انواع الاساءة وسوء المعاملة. وذلك بموجب مثات القوانين التي وضعتها اسرائيل لهذا الغرض. على سبيل المثال لا الحصر نذكر، قانون ادلاء الاطفال بشهادتهم في المحاكم وقانون حماية الاولاد من التعرض للضغط والصدمة الناتجة عن التعرض لتحقيقات الشرطة. حيث يعتبر هذا القانون من القوانين التي تتفوق في تقدمها ومراعاتها للاطفال على غيرها من المعايير الدولية. اما قانون الاحداث الاسرائيلي فهو نموذج اخر للمعايير المرتفعة في التعامل مع الاطفال الاسرائيلين حيث يقوم في الاساس على حمايتهم ومنع تعرضهم للاذى بما في ذلك حمايتهم من الاذى النفسي وحفظ كرامتهم وحريتهم وانسانيتهم.
اسرائيل والاطفال الفلسطينين:
اسرائيل احتلت فلسطين وهجرت سكانها الاصلين وطردتهم من قراهم ومدنهم وقتلت الالاف منهم واعتقلت مئات الالاف وتحاول منذ ذلك الحين احكام سيطرتها بشتى الوسائل وتعطي تبريرات قانونية بالاستناد الى معاييرها الخاصة.وهذا ما بينته العديد من المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية ومنها ما اشارت اليه مؤسسة الضمير لرعاية الاسرى وحقوق الانسان (2011) ان اسرائيل تستند في ادارتها للاراضي والسكان التي احتلتها إلى مجموعة من الأوامر العسكرية التي تتحكم بكافة جوانب الحياة حيث استصدر القائد العسكري الإسرائيلي أكثر من 1500 أمرا عسكريا لا يعلم بها السكان إلا عند تطبيقها فقط ومن بينها قانون (378) الذي يجيز الاعتقال والتوقيف دون سابق إنذار ودون إبداء أسباب كما هو الحال في قانون الإبعاد والاعتقال الإداري. وبالاستناد إلى الإحصائيات الصادرة عن هيئة الأسرى والمحررين الفلسطينيين (2015) ، منذ 1967 اعتقلت إسرائيل حوالي 850 ألف مواطن فلسطيني، من بينهم 10 الآلاف طفل تتراوح أعمارهم بين 12-17 سنه. جميعهم تعرضوا وبشكل ممنهج للتعذيب سواء الجسدي أو النفسي أو كلاهما معا أثناء فترة اعتقالهم من قبل المخابرات الإسرائيلية ( الشين بيت).
وبالاستناد الى الدراسات الخاصة بالصحة النفسية التي توضح الاثار النفسية والاجتماعية الناتجة عن التعرض لاساءة المعاملة والتعذيب، توكد ان التعرض للتعذيب يعتبر من التجارب الصادمة التي تؤئر سلبا على نوعية حياة الانسان خاصة اذا كان التعرض قد حدث في عمر مبكرة اي في الطفولة او المراهقة وذلك لاسباب تتعلق بمستوى النضج، والادراك والشخصية والاتزان الانفعالي غير المكتمل.
ففي حالة الطفل احمد مناصرة وما تعرض له من تجارب سواء من لحظة تعرضه للدهس، والضرب والركل والشتم وترك لينزف على الرصيف وعلى مرأى من المارة ومن وسائل الاعلام، ومن ثم نقله للعلاج مكبلا وعدم اعطاءه الوقت الكافي للتشافي واستعادة قدراته الجسمية ، واخضاعه للتعذيب النفسي بما فيه الصراخ والتهديد والتخويف وطرح عدد كبير من الاسئلة في نفس الوقت وعدم اعطائه حتى فرصة للتفكير جميعا ممارسات تمس بصحته النفسية وتستدعي القلق على مستقبل هذا الطفل.
هذا ولم تكتفي اسرائيل بما قامت به من ممارسات لا انسانية بحق الطفل مناصرة الا انها ترفض اطلاق سراحه وتماطل في محاكمته وتعمل على تاجيلها باستمرار حتى يبلغ 14 عاما في 2212016 ، وبالتالي تتمكن من الاستناد الى قوانيها الجائرة التي وضعت خصيصا للتعامل مع الفلسطينين والتي لا تستند الى اي اساس قانوني ولا انساني ولا حتى ديني. تلك القوانين التي تسمح بمحكمة واعتقال الاطفال الفلسطينين وهم اقل من عمر 18 عاما.
لو ان احمد مناصرة طفلا يهويدا او طفلا اسرائيليا لكان العمر 14 عاما يعني الانطلاق للحياه ونيل الاعتراف المجتمعي واعتبر دلاله للاقتراب خطوة اخرى نحو الحلم، وكان طفلا محميا بقوة القانون من الاساءة ومن سوء المعاملة ومحميا من التعرض لاي نوع من الاذى بما فيه النفسي. ولكن وبما ان احمد مناصرة هو طفل فلسطيني متهم بانه يهدد امن اسرائيل ومع اقترابه من العمر 14 فهذا يعني تصاعد الصراع ليصل الى قمته بين قوى الاضهاد وقوى المقاومة بين قوى الموت والقتل وقوى الحياة والامل والمستقبل.
وفي النهاية يبقى السؤال، الا يحق للطفل الفلسطينين ان يعامل معاملة تحفظ حقه في العيش بكرامة والعيش الحر؟ الا يحق للطفل احمد مناصرة ان يحتفل بيوم مولده الرابع عشر حرا معززا مكرما حالما بغد افضل في احضان اسرته واصدقائه؟