نشر بتاريخ: 06/05/2016 ( آخر تحديث: 06/05/2016 الساعة: 10:04 )
الكاتب: د. وليد القططي
عندما تكرر جماعة ما تجاربها الفاشلة , وتُعيد ارتكاب أخطائها الفادحة , وتوقع نفسها وشعبها في مآزق عميقة متكررة , ولا تتعظ من دروس الماضي وعبر الزمن وتجارب التاريخ , فإنها بذلك تُعيد انتاج الفشل وتكرر صناعة الهزيمة فتدور في حلقة مفرغة من الإخفاق والفشل والهزيمة وكأنها تسير نحو نهايتها المأساوية معصوبة العينين مسدودة الأُذنين وقد ران على قلوبها الفشل فأُقفلت وعلى عقولها الخطأ فأُغلقت ... والمراهنة على المؤتمرات الدولية والمفاوضات المباشرة وآخرها المبادرة الفرنسية للسلام هو بالضبط إعادة انتاج الفشل من خلال هذه المبادرة , فما قصة المبادرة الفرنسية ؟ وما أهم بنودها ؟ ولماذا رفضتها ( اسرائيل ) ؟ ولماذا قبلت بها القيادة الفلسطينية الرسمية ؟ وهل تصلح أساساً لتحقيق المطالب الوطنية الفلسطينية ؟
طُرحت المبادرة الفرنسية للسلام لأول مرة من قبل وزير الخارجية الفرنسي السابق ( لوران فابيوس ) في يونيو 2015 , وأعاد طرحها في يناير 2016 . في ظل انتفاضة القدس , وجمود المفاوضات الثنائية المباشرة , وتراجع حل الدولتين , وتصاعد المقاطعة الأوروبية لــ ( اسرائيل ) , وكجزء من السياسة الخارجية الفرنسية الباحثة عن دور أكبر في الشرق الأوسط على حساب الدور الأمريكي المتراجع , وفي إطار تنافسها مع ألمانيا لقيادة الاتحاد الاوروبي . وقد أعاد وزير الخارجية الفرنسي الحالي ( جان مارك ايرولت ) طرح المبادرة مجدداً عندما أعلن أن بلاده ستنظم في نهاية مايو الحالي اجتماعاً وزارياً دولياً في باريس لإحياء عملية السلام الاسرائيلية – الفلسطينية .
وتنص المبادرة الفرنسية على عقد مؤتمر دولي للسلام يتبعه مفاوضات ثنائية مباشرة بين طرفي الصراع – الفلسطينيين والإسرائيليين – برعاية مجموعة دعم دولية مكوّنة من الاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي . وهذا المؤتمر وما يتبعه من مفاوضات تقوم على أساس حل الدولتين وبناء على قرارات الشرعية الدولية , وتحديد سقف زمني للمفاوضات لا يزيد عن عامين تنتهي بدولة فلسطينية مستقلة على أساس حدود يونيو حزيران 1967 . والقدس عاصمة للدولتين . واذا فشلت المفاوضات فإن فرنسا ستعترف بالدولة الفلسطينية .
ولقد رفضتها ( اسرائيل ) رسمياً في آخر بيان حكومي بتاريخ 28 / 4 موضحاً " إن اسرائيل تتمسك بموقفها أن أفضل طريقة لحل النزاع بين الفلسطينيين هي عبر مفاوضات مباشرة وثنائية " . وكذلك على لسان رئيس وزرائها ( نتنياهو ) معللاً هذا الرفض بقوله " أنها لا تلبي الاحتياجات الأمنية لإسرائيل " وأنها تشجع عباس على التعنت والرفض " . وفي قراءة لخلفيات الموقف الإسرائيلي الرافض للمبادرة أن الغطاء الدولي لها قد يسمح للمجتمع الدولي ببعض الاملاءات التي لا تقبل بها ( اسرائيل ) . كما انها تحدد سقف زمني لنهاية المفاوضات يحدد سلفاً نهايته بدولة فلسطينية مستقلة , وهذا لا يتفق والسياسية الاسرائيلية التي تريد سقف المفاوضات مفتوحاً كما حدث طوال مسيرة المفاوضات التي أعقبت اتفاقية أوسلو , لتكون المفاوضات غطاءً لمزيدٍ من ابتلاع الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية لإيجاد واقع استيطاني يقضي على امكانية قيام دولة فلسطينية حقيقية .
وفي مقابل الرفض الاسرائيلي القبول الفلسطيني حيث تلقفت القيادة الفلسطينية الرسمية المبادرة كما يتلّقف الغريق طوق النجاة , وعبر عن ذلك القبول الكثير من الشخصيات الفلسطينية الرسمية في المنظمة والسلطة وعلى رأسهم السيد محمود عباس كرئيس لكلٍ من المنظمة والسلطة . وفي قراءة لخلفيات هذا الموقف نجد أن هذه القيادة قد أدركت أن خيارها الاستراتيجي الذي وضعت فيه كل بيضها في سلة مشروع أوسلو قد وصل إلى طريقٍ مسدود , وهذا ما عبّر عنه السيد عباس في خطابه في الأمم المتحدة بعدم إمكانية استمرار الوضع الراهن , ولكنه لم يقدم البديل الاستراتيجي للخروج من هذا المأزق , ويبدو أن هذه النخبة السياسية الفلسطينية التي انتجت أوسلو لم تعد قادرة على انتاج خيارات استراتيجية أخرى بديلة لأوسلو بسبب العقم الفكري والسياسي الذي أصابها , فتلقفت المبادرة الفرنسية كمخرج لمأزقها في ظل انعدام البدائل أمامها لتشكل غطاءً معقولاً لاستئناف المفاوضات الثنائية المباشرة مع الكيان الصهيوني يحفظ ماء وجهها ويعينها من البدائل الحقيقية الصعبة , ويكفيها شر القتال .
والمبادرة الفرنسية للسلام لا تصلح أساساً لحل الصراع ونيل الحقوق الوطنية الفلسطينية ولو بشكل جزئي , بل هي مجرد إعادة انتاج الفشل , فخيار المؤتمر الدولي كان هو الأساس الذي انطلقت منه مسيرة أوسلو بعد مؤتمر مدريد عام 1991 , وكان غطاءً للمفاوضات المباشرة وليس بديلاً عنها , وهي لا تشترط وقف الاستيطان أثناء فترة المؤتمر والمفاوضات , وهذا يعني مزيدٍ من مصادرة وابتلاع الأراضي الفلسطينية , وهي تتجاهل حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتتحدث عن حل عادل متوازن وواقعي لقضية اللاجئين بطريقة غامضة فضفاضة , كما لم تحدد المبادرة كيف ستجبر ( إسرائيل ) على حل الدولتين , ولم تُشر إلى مضمون وشكل الدولة الفلسطينية في ظل إعطاء ( إسرائيل ) الحق في محاربة ( الارهاب ) ومنع تدفق الاسلحة للفلسطينيين . أما اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية اذا فشلت المفاوضات بعد ضياع عامين من المفاوضات العبثية فرغم أهميته السياسية فإنه لن يكون أكثر من إضافة دولة أخرى تعترف بالدولة الفلسطينية إلى جانب ما يقرب من مئة وثلاثين دولة أخرى .
والخلاصة أن المبادرة كسابقاتها ستذهب ادراج الرياح , والمراهنة الحقيقية يجب أن تكون على القوة الذاتية للشعب الفلسطيني وعمقه العربي والاسلامي والتركيز على عناصر القوة الفلسطينية ممثلة في تحقيق الوحدة الوطنية والتمسك بالثوابت الوطنية وتبني نهج المقاومة ودعم صمود الشعب الفلسطيني .