نشر بتاريخ: 14/05/2016 ( آخر تحديث: 14/05/2016 الساعة: 23:08 )
غزة- تقرير معا- "سنعود يوما مهما طال الزمن".. هذه العبارة البسيطة للحاج عوني فروانة تحمل في طياتها معان ودلالات كبيرة وتؤكد عدم تفريط الشعب الفلسطيني في أرضه التي هجر منها عام 1948 على يد العصابات الصهيونية آنذاك.
ولا يزال الحاج فروانة الذي يبلغ من العمر 76 عاما عاش منها ما يقرب 68 عاما في قطاع غزة يحلم بالعودة إلى مدينته "يافا" عروس فلسطين التي هجر منها قسرا إبان نكبة فلسطين ولا زال يوقن بأن حلمه سيتحقق يوما إن لم يكن له فسيكون لأبنائه وأحفاده.
ويتذكر الحاج الفلسطيني ذو العقد السبعيني الذي كان يبلغ من العمر ثماني سنوات إبان النكبة هذه المأساة بتفاصيلها ومشاهدها المؤلمة من قتل ودمار وتهجير قسري رغم مرور نحو ثمانية وستين عاما على حدوثها على يد العصابات الصهيونية.
وقال " أبو العبد" فروانة لمراسل "معا" :"الروايات مؤلمة وقاسية وكلما حلت الذكرى ازددنا مرارة وألما.. فالمعاناة ترافقنا وتلازمنا في كافة تفاصيل حياتنا".
وأضاف" كنت أعيش مع والدي وأسرتي في حي العجمي بمدينة يافا الساحلية تلك المدينة الرائعة ذات الجمال الباهر والتي يطلق عليها "عروس فلسطين الجميلة" حيث تكثر بها وحولها الحدائق وتحيط بها أشجار البرتقال " اليافاوي" و "الشموطي" والذي كان يصدر إلى الخارج منذ القرن التاسع للميلاد، مما دفع الشهيد غسان كنفاني لأن يصفها بعد "النكبة" بـ "أرض البرتقال الحزين".
وتعتبر يافا من أقدم وأهم مدن فلسطين التاريخية وتبعد عن القدس بحوالي 55 كيلومترا وتحتل موقعا طبيعيا متميزا على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط وقد أسهمت العوامل الطبيعية في جعل هذا الموقع منيعا يشرف على طرق المواصلات والتجارة وهي بذلك تعتبر إحدى البوابات الغربية الفلسطينية، حيث يتم عبرها اتصال فلسطين بدول حوض البحر المتوسط وأوروبا وإفريقيا.
ويعتبر ميناء يافا أحد أقدم الموانئ في العالم، حيث كان يخدم السفن منذ أكثر من 4000 عام ولكن في 3 نوفمبر 1965 تم إغلاقه أمام السفن الكبيرة واستخدام ميناء أسدود بديلا له وما زال الميناء يستقبل سفن الصيد الصغيرة والقوارب السياحية.
ويجري في أراضي يافا الشمالية نهر العوجا على بعد 7 كم، وتمتد على جانبي النهر بساتين الحمضيات التي جعلت من هذه البقعة متنزها محليا لسكان يافا، يؤمونه في عطل نهايات الأسبوع وفي المناسبات والأعياد.
ورغم مرور 68 عاما على النكبة ما زال " أبو العبد" يتذكر تفاصيلها بكل دقة قائلا:" توجهنا بصحبة أبناء العم وذهبنا باتجاه الساحل لمدينة يافا وهناك اعتلينا ظهر مركب عتيق كان عليه حوالي خمسون فردا من الرجال والنساء والأطفال وتوجه بنا في عرض البحر دون حمل أي أمتعة أو أثاث على أمل العودة وبعد ساعات معدودة وجدنا أنفسنا على شاطئ غزة لتبدأ حياتنا من جديد ومعاناة أشد".
وأضاف:"كانت والدتي حاملا ومن شدة التعب والإعياء وبمجرد وصولنا لحي الشجاعية شرق مدينة غزة أنجبت مولودها وسماه أبي "حربي" للدلالة على ولادته في زمن الحرب لكن بعد فترة اضطررنا لمغادرة الشجاعية لعدم اتساع المنزل".
وتابع الحاج فروانة :"هذه الوقائع المؤلمة كرست لدى الشعور الوطني وعزز انتمائي للوطن والقضية، وبعد هزيمة عام 1967، وإتمام احتلال باقي الأراضي الفلسطينية تألمت أكثر وأعجبت وتأثرت كثيرا بالقائد العربي القومي المصري جمال عبد الناصر، ومن ثم التحقت بفصائل العمل الوطني وبالمقاومة المسلحة كي أنتقم من أولئك الذين سلبوا أرضنا وشردونا من بيوتنا وهجرونا قسرا".
وسرد يقول:""وقعت أوائل عام 1970 بالأسر ومكثت في سجون الاحتلال الإسرائيلي أكثر من خمسة عشر عاما قبل أن أتحرر في صفقة التبادل عام 1985 وخلال سنوات سجني مررت على يافا لكنه مرور بطعم العلقم، حيث كنت في "البوسطة" التي تنقلنا من سجن لآخر وكنت حينها مقيد اليدين مسلوب الحرية وبحراسة السجان".
وأردف:"عندما اعتقلت كنت متزوجا ولدي من الأبناء ثلاثة (ابنتان) وولد "عبد الناصر" وكانت زوجتي حاملا، وبعد اعتقالي ببضعة شهور أنجبت طفلي الرابع، فسميته "جمال" حبا وعشقا وفخرا بالقائد جمال عبد الناصر.
وتابع :"كما هي مشاهد النكبة والهجرة راسخة في ذهني ولم تمح من ذاكرتي وهي من دفعتني للمقاومة فان مشاهد اعتقالي واقتحام الجيش لبيت أسرتي لا تزال راسخة في أذهان أبنائي ودفعتهم هم الآخرين للمقاومة وكانت سببا في اعتقال أبنائي عبد الناصر وجمال".
وحول الدروس التي يحرص على تعليمها لأولاده وأحفاده، يقول الحاج فروانة :"إن مقولة الكبار يموتون والصغار ينسون التي روجها الاحتلال قد سقطت للأبد فلا الكبار ماتوا ولا الصغار نسوا، ونحن نورث تاريخنا وإرثنا الوطني وحقوقنا التاريخية لأبنائنا وللأجيال الفلسطينية المتعاقبة".
ويرفض "أبو العبد" بشدة أي بدائل لحق العودة كتوطين أو التعويض، مشددا على أن هذا الحق مقدس ولا يسقط بالتقادم ومعترف به من الأمم المتحدة.
مقابلة: أيمن أبو شنب