الجمعة: 22/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حائط البراق بين الحقيقة والسياسة

نشر بتاريخ: 09/07/2017 ( آخر تحديث: 09/07/2017 الساعة: 10:49 )

الكاتب: د. علي الاعور

تعتبر الأماكن الدينية من المقدسات التي لا يمكن التفاوض عليها او الحوار بشأنها ولكن الشيء المؤسف ان لا يعرف الساسة والقيادات السياسية مكانة تلك الأماكن في الديانات المختلفة.
وفي الآونة الأخيرة كثر الحديث حول حائط البراق إسلاميا او ما يعرف بالجدار الغربي او كما يطلق عليه اليهود "حائط المبكى" وهنا اود ان ابعث برسالة الى القيادات السياسية الفلسطينية (ان حائط البراق لا يعني شيئا بالنسبة لليهود في الديانة اليهودية ولكن المهم هو ما يؤمن به اليهود وما يعتقد به اليهود" ان حائط البراق هو جزء ومن بقايا جبل الهيكل كما يعتقدون) وهذه النقطة هي الأهم في هذا السرد التاريخي حول ما يتعلق بحقيقة حائط البراق وما يستغله السياسيون الإسرائيليون لإطفاء صفة الشرعية الدينية على ذلك المكان المقدس لدى المسلمين.
في مفاوضات كامب ديفيد الثانية (يوليو 2000) عندما اقترح الرئيس الأمريكي كلينتون تقسيم الحرم الشريف فوق الأرض للمسلمين وتحت الأرض لليهود، رد الزعيم الخالد ياسر عرفات وسط اندهاش الرئيس الأمريكي والوفد الإسرائيلي قائلا:" لم يكن جبل الهيكل يوما ما في القدس وربما كان في نابلس"وهذا يعني ان القيادة الفلسطينية لم تعترف يوما ما بوجود جبل الهيكل في مدينة القدس وبالتالي فان حائط البراق كان دوما للمسلمين.
ولو نظرنا الى تسلسل الاحداث التاريخية، فان الدولة العثمانية منحت اليهود وخاصة يهود اليمن بعض التسهيلات في السكن في القدس وممارسة الصلوات اليهودية بجوار حائط البراق بدون أي إشارة الى ملكية اليهود لذلك الحائط وعندما أراد اليهود في عام 1929 وضع ستار من القماش يفصل اليهود عن المسلمين اثناء صلواتهم رفض الفلسطينيون تغيير الواضع القائم لحائط البراق واندلعت احداث ثورة البراق والاشتباكات بين اليهود والفلسطينيين وقتل وجرح عدد من الطرفين والتي تعتبر نقطة الصفر في القتال بين اليهود والفلسطينيون وقامت بريطانيا بارسال لجنة لتقصي الحقائق وأكدت اللجنة البريطانية في عهد الانتداب البريطاني بملكية حائط البراق للمسلمين وحق اليهود بالصلاة في ذلك المكان المقدس.
ونتيجة لزيادة التوتر بين اليهود والفلسطينيين أرسلت بريطانيا لجنة ثانية في عام 1946 لدراسة الوضع القائم في حائط البراق وأكدت اللجنة البريطانية ملكية الحائط للمسلمين.
من هنا فكل الوثائق وللجان التي زارت فلسطين في عهد الانتداب البريطاني اكدت ملكية الحائط للمسلمين ولكن كانت هناك إمكانية للسماح لليهود بممارسة الصلوات والشعائر الدينية اليهودية في ذلك الجدار الذي يعتبر مقدسا لدى المسلمين لصلة الجدار بالبراق الذي اسرى به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من مكة الى القدس.
وبالأمس القريب أصدرت منظمة اليونسكو عدة قرارات هامة وتاريخية وفي مقدمتها، على جميع دول العالم ان تستعمل في كتاباتها وتصريحاتها مصطلح الحرم الشريف وعدم استعمال مصطلح "جبل الهيكل" اما القرار الثاني فقد اكدت على ملكية الحرم الشريف للمسلمين ولا مكان لليهود تاريخا او ثقافيا او تراثيا في المسجد الأقصى.
ولكن اليوم وفي التاريخ الحديث لفلسطين نجد ان اليهود منحوا المكان قدسية يهودية كبيرة لهم ولكل من يزور القدس من حلفاء وأصدقاء اليهود، ولكن الجماعات الدينية المتطرفة عينها على المسجد الأقصى على اعتبار ان "جبل الهيكل" كما يؤمنون ورد في التوراة هو في داخل الحرم الشريف، ومع الاحتلال الإسرائيلي للحرم الشريف عام 1967، قام وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه "موشيه ديان" بتصريح تاريخي سجله في مذكراته وذكره عدد كبير من القيادات الإسلامية الفلسطينية عندما اجتمع مع وفد فلسطيني ديني ضم "المحتسب قاضي القضاة ورئيس المحكمة الشرعية وطهبوب مدير اوقاف القدس وصبري خطيب المسجد الأقصى واعلن موشيه ديان امام الوفد الفلسطيني حائط البراق- حائط المبكى لليهود والحرم الشريف للمسلمين ومنح إدارة الحرم الشريف للأوقاف الإسلامية".بمعنى ان اليهود يسمح لهم بالصلاة في حائط البراق ولم يتحدث عن ملكية حائط البراق لليهود ولكن عندما منح إدارة الحرم الشريف للأوقاف الإسلامية فهو قصد إسلامية الحرم الشريف للمسلمين.
واليوم نسمع من القيادات السياسية الفلسطينية من يعلن ان حائط البراق لا يمكن التنازل عنه وهناك من يقول ان يسمح لليهود بالصلاة فيه ومن الخطأ التاريخي ان يعلن أي احد من القيادات السياسية بملكية اليهود لحائط البراق لان هذا يقود الى وجود جبل الهيكل في الحرم الشريف وبالتالي يقودنا الى صراع ديني حول الحرم الشريف.
باعتقادي ان السماح لليهود بالصلاة في حائط البراق هو قرار إسلامي منذ الدولة العثمانية وفي نفس الوقت يضع حدا للانتهاكات اليومية من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة، ولعل العودة الى الوضع الذي كان قائما من قبل موشيه ديان منذ عام 1967 وقبل زيارة شارون الاستفزازية في أكتوبر 2000، يقطع الطريق على تلك الجماعات الدينية اليهودية المتطرفة من دخولها للحرم الشريف يوميا ويعيد الحرم الشريف مرة أخرى تحت إدارة الأوقاف الإسلامية كما كان قبل أكتوبر 2000.